Author

ضريبة القيمة المضافة والصناديق الاستثمارية

|
متخصص في المعاملات المالية، مستشار في المالية الإسلامية ـ الجامعة السعودية الإلكترونية

وجود الضريبة في حياة المواطن اليوم أصبح أمرا غير اعتيادي، فالمواطن في المملكة غير معتاد على الالتزام بأي شكل من أشكال الضريبة، وحتى لو وجدت بعض الضرائب المحدودة سابقا فإنها غالبا لا تمس المواطن، لكن النظام الضريبي هو إحدى أدوات الاقتصاد، وله أهمية كبيرة في اقتصادات معظم إن لم يكن جميع دول العالم، فالاقتصاد الحر وتفعيل أدوات السوق وتنويع مصادر الدخل تتطلب مجموعة من الأمور، منها تخفيف الاستحواذ الحكومي على كثير من القطاعات الاقتصادية، منها في حالة المملكة على سبيل المثال تحرير قطاع الاتصالات، كما ستتخلى الحكومة قريبا عن ملكيتها الكاملة لشركة النفط العملاقة أرامكو، وسيكون الاعتماد بشكل كبير على دور فاعل للقطاع الخاص لبناء منظومة اقتصادية متكاملة، يخفف من خلالها الاعتماد على النشاط الحكومي، وهذه منهجية اعتمدتها الدول الكبرى لتحقيق الاستدامة في الموارد وتشجيع القطاع الخاص على المشاركة في الاقتصاد المحلي واستقطاب الاستثمارات الأجنبية. الهيئة العامة للزكاة والدخل أعلنت أن عددا من الخدمات معفى من الضريبة أو خاضع للضريبة بنسبة 0 في المائة، ويتمثل في التحويلات النقدية المجانية بين المصارف، والأسهم، وبطاقات الائتمان، أو الرهون العقارية، أو التأجير التمويلي التأجير المنتهي بالتمليك، والتأمينات على الحياة، التمويل الشخصي، والفوائد، والصناديق الاستثمارية، وذلك حسبما ورد في لائحة الضريبة. إلا أنه في رسائل تستهدف عملاء المصارف في المملكة، أبلغت المصارف عملاءها بتغييرات ستطرأ على أحكام وشروط الاستثمار في الصناديق الاستثمارية، وأشارت إلى مجموعة من الصناديق المشمولة بتلك التغييرات التي سيتم البدء بها في مطلع كانون الثاني (يناير) لعام 2018. بطبيعة الحال المعاملات المصرفية والاستثمارية قرار الضريبة فيها حساس نوعا ما، إذ إنه يعتمد على حسابات محدودة خصوصا النظام المصرفي في المملكة الذي غالبا يميل إلى الاستقرار، فمستويات التضخم محدودة جدا وعوائد الاستثمارات منخفضة المخاطر ضعيفة مقارنة بدول أخرى يصل التضخم فيها إلى نسب تتجاوز الـ 10 في المائة، كما أن تكلفة القروض والتمويل تتجاوز الـ 10 في المائة سنويا، ولذلك فإن الضريبة قد تكون مجدية في مثل هذه الاستثمارات التي يمكن أن تحقق عوائد سنوية تفوق التكلفة الضريبية لها، لكن في حالة المملكة فإن صناديق الاستثمار التي تعتمد المرابحة قد لا تتجاوز عوائدها 2 في المائة بعد خصم المصاريف الإدارية وغيرها، ولذلك يظهر أن هناك استثناء لهذه الصناديق، كما في إعلان الهيئة العامة للزكاة أن الضريبة ستكون على الصناديق الاستثمارية 0 في المائة، لكن يظهر أن هناك مجموعة من المعاملات التي يمكن أن تكون عليها ضريبة محدودة لا تخل بنسبة العوائد التي يمكن أن يتحصل عليها المستثمر، لكن يبقى أن المعلومات التفصيلية لهذه الضريبة لم تعلن عنها المصارف بشكل مفصل مع أهمية أن يكون هناك إعلان تفصيلي لذلك، باعتبار أن بقاء المعلومات غير واضحة يؤثر في المستثمر ويجعل خيارات الاستثمار تتغير نتيجة لذلك، فلو كانت الضريبة على كامل قيمة الاستثمار للاشتراك مرة واحدة فإن ذلك سيكون كبيرا على المستثمر وتعويضه في استثمار مثل صناديق المرابحة قد يصل إلى سنتين، أما في حال كانت الضريبة على الرسوم الإدارية سواء كانت سنوية أو تدفع عند الاشتراك فإن هذا المبلغ يسير جدا ولا يمكن أن يؤثر بصورة واضحة في المستثمر، وهذا فيما يظهر المتوقع، فبقاء بعض المصارف متأخرا في الإعلان عن الطريقة التي سيتم بها احتساب الضريبة قد يؤثر في المستثمر ويحدث شيئا من القلق. بشكل عام رغم الآثار الإيجابية لضريبة القيمة المضافة إلا أنها قد لا تتسق مع تشجيع المواطن على تحقيق أهداف "رؤية المملكة 2030"، ما يشير إلى أنه يتوقع إجراء مجموعة من الخطوات التي يمكن أن تحدث التوازن الذي يسير بتحقيق الأهداف التي يتوقع الوصول إليها في "الرؤية"، ولعل أحد تلك الأمور تشجيع المجتمع على الادخار واستثمار مدخراتهم، فوجود ضريبة على شكل من أشكال الاستثمار قد يؤثر في رغبة الفرد فيه، باعتبار أن عوائده ستكون محدودة. فالخلاصة أنه مع اقتراب تطبيق ضريبة القيمة المضافة بادرت مجموعة من المصارف بالإعلان عن تغييرات في شروط وأحكام خدماتها، ومن تلك الخدمات الصناديق الاستثمارية، لكن بعض هذه الإعلانات لم تتطرق إلى كثير من التفاصيل، رغم أن إعلان الهيئة العامة للزكاة يشير إلى أن الصناديق الاستثمارية لن تكون عليها ضريبة، وفي مثل هذه الحالة من المهم الإشارة إلى التفاصيل من قبل المصارف عبر إعلانات واضحة، إذ إن خيارات المستثمر قد تتأثر بشكل واضح تجاه بعض الاستثمارات، خصوصا ذات العوائد المنخفضة.

إنشرها