أخبار

القدس .. ترمب يترافع لمصلحة الدولة العبرية

القدس .. ترمب يترافع لمصلحة الدولة العبرية

كان وعد بلفور قد أعطى فيه "مَن لا يملك مَن لا يستحق" تحت زعم أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض، وقد جاء قرار الرئيس الأمريكي ترمب بالاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل بمنزلة "قبلة الموت" لعملية السلام برمتها، وأبعد من ذلك، ليقدم للمتشددين والمتطرفين والإرهابيين من أدعياء الإسلام، أو رافعي شعارات القومية المتطرفة فرصة لتأجيج الصراع، والشحن المفرط بالعنف، متذرعين بهذا الاعتراف الشنيع، ومستغلين الاحتقان العاطفي لدى العامة من الناس، بعيدا عن توخي الحكمة وسداد الرأي في الموقف الذي يقتضيه العقل والاعتدال، ويقتضيه أيضا الواقع التاريخي للقضية الفلسطينية، والمظالم التي عاشتها منذ نكبة الاحتلال عام 1947، مرورا بكل تغولات الدولة الإسرائيلية في القتل والتشريد والهدم للقرى والمدن والمنازل الفلسطينية، والحروب الغاشمة، والبناء المستمر للمستوطنات على التراب الفلسطيني، وتقطيعه بجدران الفصل العنصري.
لقد سمع الرئيس ترمب من زعماء العالمين العربي والإسلامي وفي مقدمتهم الملك سلمان خادم الحرمين الشريفين، والزعيم الفلسطيني محمود عباس كما سمع من قادة العالم وساسته استنكارهم واعتراضهم على المضي في اتخاذ مثل هذه الخطوة، ولكنه صم أذنيه عن سماع ذلك كله وتجاهله، منحازا إلى ضغوط اللوبي الصهيوني، ومتبنيا بشكل قاطع وجهة الصهيونية بالحق التاريخي والديني لليهود في القدس. وبدا خلال إعلانه بالاعتراف بالقرار مترافعا لمصلحة الدولة العبرية، من خلال مزاعمها الأسطورية، وتدليسها في حقائق التاريخ والواقع في إنكار الحق الأصيل للشعب الفلسطيني العربي، ليس في القدس وحدها وإنما في كامل التراب الفلسطيني.
هذا الاعتراف الشاذ لقي موجة عارمة من الغضب والاستنكار، ليس في الشارع الفلسطيني فحسب، وليس في العالم العربي فحسب أيضا، وإنما على مستوى زعماء العالم ومؤسساته الحقوقية والشعوب، ولذلك عبرت المملكة عن موقفها إزاء هذا الحدث الجلل، فقد صدر عن الديوان الملكي السعودي بيان أعرب فيه الديوان عن استنكاره وأسفه الشديد لهذا القرار، الذي سبق أن حذرت منه حكومة السعودية، واعتبرته خطوة غير مبررة وغير مسؤولة، وحذرت من العواقب الخطيرة لمثل هذا القرار؛ لما يمثله من انحياز كبير ضد حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية والثابتة في القدس، التي كفلتها القرارات الدولية ذات الصلة، وحظيت باعتراف وتأييد المجتمع الدولي، وأن هذه الخطوة وإن كانت لن تغير أو تمس الحقوق الثابتة والمصونة للشعب الفلسطيني في القدس وغيرها من الأراضي المحتلة، ولن تتمكن من فرض واقع جديد عليها، إلا أنها تمثل تراجعا كبيرا في جهود الدفع بعملية السلام، وإخلالا بالموقف الأمريكي المحايد تاريخيا من مسألة القدس، الأمر الذي سيضفي مزيدا من التعقيد على النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي، وأن الحكومة السعوية تأمل أن تراجع الإدارة الأمريكية هذا الإجراء، وأن تنحاز إلى الإرادة الدولية في تمكين الشعب الفلسطيني من استعادة حقوقه المشروعة.
وإذا كان هذا هو الموقف المبدئي والواضح للسعودية حيال هذا "القرار السابق"، وهذا الانتهاك الجسيم لمقرارت الشريعة الدولية في الاعتراف بالقدس الفلسطينية عاصمة للمحتل الإسرائيلي، وبنقل السفارة الأمريكية إليها، فالموقف ذاته هو عند أصحاب القضية ولدى جميع دول المنظومة الأممية، فهل بوسع الولايات المتحدة أن تمضي وحيدة في مواجهة العالم لتقف إلى جانب المغتصب والمحتل، وأن تجد لنفسها مصداقية حيثما اتجهت وأينما سعت بإقناع غيرها بما ليس في الإمكان الاقتناع به؟
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار