Author

كراهية الأطفال للمدارس .. حلول ومقترحات

|

ما زلنا في موضوع كراهية الأطفال للمدارس، فبعد أن قمت بعرض آراء التربويين حول ظواهر ومسببات كراهية الأطفال للمدارس في مقالين متتالين، سأبدأ بسرد أهم التوصيات والآليات التي قد تساعد الآباء والأمهات على التغلب على كراهية أطفالهم للمدارس. ولكن ينبغي التنويه إلى أن هذه التوصيات لن تجدي ما لم يكن هناك تواصل مباشر وصحيح مع الطفل، وفهم متطلباته الجسدية والنفسية والمرحلة العمرية التي يمر بها، وهنا يتجلى دور الأم؛ لأنها الشخص الوحيد الذي يفهم الطفل جيدا، ويقرأه ويجيد التعامل معه.
أول مقترح يراه التربويون للتغلب على كراهية الطفل للمدرسة هو ترسيخ أهمية التعليم في ذهن الطفل. ينبغي للأب وللأم شرح أهمية العملية التعليمية والتأثير الذي تحدثه إيجابيا في مستقبله، وسرد المخاطر التي تحدق بحياته لو أنه أهمل في مستواه الدراسي، أو تمادى في حالة الكراهية للمدرسة والعملية التعليمية.
بعدما يترسخ فهم الطفل لأهمية التعليم والمدرسة يأتي التقصي عن أحداث اليوم الدراسي، فعادة يسرد الطفل الطبيعي على والديه ما يراه كل يوم في مدرسته، بينما من يكره المدرسة يحتفظ بكل ما يراه في ذهنه. بعض الآباء يظن أن اهتمامه ببنيه يقتصر فقط على مراجعة المواد المدرسية، ومتابعة أداء الواجبات، وهذا مفهوم قاصر، فالأمر يتعدى ذلك إلى الاهتمام بتفاصيل اليوم الدراسي الذي يعيشه الطفل في المدرسة، عن طريق السؤال الدائم والمستمر عن أحداث اليوم الدراسي. تكون البداية بسؤال الطفل عن الأمور الإيجابية التي حدثت له، وهو ما يصب في مصلحة حبه للمدرسة وارتباطه بها بشكل جيد، ثم سؤاله عن الأمور السلبية، وهنا يمكن مقارنة الإيجابيات بالسلبيات ومعرفة أسباب كراهيته للمدرسة.
كما أن معرفة الوالدين بتفاصيل اليوم الذي يعيشه ابنهما في المدرسة تمكنهما من معرفة البيئة المدرسية بكل تفاصيلها كأنهم يرونها رأي العين، وهذا يمكنهما من التنبؤ مبكرا بأي انحراف في شخصية الطفل. وهنا يأتي دور العلاج الوقائي الذي لن يتحقق سوى بالحصول على البيانات من الطفل نفسه، ثم مقارنتها بما لدى مدير المدرسة والمعلمين.
بعد تركيز أهمية التعليم في ذهن الطفل والحصول على البيانات التفصيلية اللازمة عن البيئة المدرسية، يأتي دور الزيارات الدورية للمدرسة. الزيارات الدورية للبيئة المدرسية، والتجول داخل المدرسة، وعمل صداقات مع منسوبيها، تكشف الأسباب الحقيقية المبطنة لكراهية الطفل للمدرسة، التي يصعب أحيانا أن يبوح بها، مثل بغضه بعض المعلمين أو معلما بعينه، أو المضايقات التي يتعرض لها من زملائه ويخشى البوح بها لوالديه، فإذا تجلى للأب أن السبب الجوهري لكراهية الطفل للمدرسة يتمثل في مضايقات أقرانه له، فهنا يبدأ التدخل فورًا، وبحزم ممزوج بالمرونة؛ لإزالة أسباب هذه المضايقات، وإيجاد حالة انسجام بين الطفل وبقية زملائه، فهذا سيسهم في تقليل مشاعر الكراهية لدى الطفل تجاه المدرسة. وينبغي أن يتخلل هذه الزيارات التواصل المباشر مع المدير والمعلمين والمرشد الطلابي بالجوال أو وسائل التواصل الاجتماعي لمتابعة حالة الطفل.
بعض الطلاب يكره المدرسة؛ بسبب ما يواجهه من صعوبات في بعض المواد خصوصا اللغة العربية والرياضيات. وعادة ما يكره الطفل هذه المواد؛ بسبب سلوك المعلم الفظ؛ أو بسبب نقص قدرات الطفل، فإذا كان السبب المعلم فإنه تصعب معالجته من قبل الوالدين، أما إذا كان السبب نقص القدرات، فهنا ينبغي معرفة نقاط الضعف والقوة للطفل عن طريق معرفة نوع الذكاء الذي يتميز به، فكل طفل له ميزة نسبية من نوع معين من الذكاء. وهنا أنصح الآباء والأمهات بالاطلاع على أنواع الذكاء التي حددها هوارد جاردنر، وهي سبعة أنواع: الذكاء اللغوي، والذكاء الحسابي الذي يطلق عليه الذكاء المنطقي، وهناك الذكاء المرئي (المكاني)، والذكاء البدني، وذكاء التواصل مع الآخرين، وذكاء التواصل مع الذات، والذكاء الموسيقي.
فلو تبين لك أن طفلك لديه تميز في الذكاء اللغوي والذكاء البدني، ولكن ينقصه الذكاء الحسابي، فهذا يحتاج منك إلى مزيد من الجهد في إكساب طفلك مبكرا ما ينقصه من الذكاء الحسابي؛ ليتغلب على مادة الرياضيات، ولكن ليس معنى هذا أن يهمل بقية أنواع الذكاء، بل يأخذ منها بقدر. إذا كان الطفل يعاني صعوبات في استيعاب الرياضيات، يمكن تبسيط المادة من خلال استغلال الحياة اليومية وأحداثها في تقريب العمليات الحسابية، فعلى سبيل المثال يمكنك على مائدة الطعام أن تسأل طفلك عن الأعداد الزوجية والفردية، أو تحفزه على استخدام تفكيره في حل مسألة حسابية ترتبط ببعض الأطعمة الموجودة على المائدة، كما يمكنك أن تصطحبه في عمليات التسوق وتطلب منه حساب المشتريات، فهذه السلوكيات من قبل الوالدين تربط علاقة حب وألفة بين الطفل وبين الرياضيات بشكل سلس وعملي. ومن المفترض أن يقوم المعلم في المدرسة بدور مشابه لدور الأب والأم في المنزل، ولكن هذا يعتمد على مدى استعداد وفلسفة المعلم لتقبل مثل هذا الأمر، وقد يكون الأمر صعبا في مدارسنا التي لم تصل إلى هذا البعد في التعامل مع الأطفال.
هذه بعض الأسباب، وهناك بالتأكيد أسباب أخرى، ولكن المسافة المخصصة للمقال استوقفتني عند هذا الحد.

إنشرها