FINANCIAL TIMES

«الزخم» و«القيمة» يحافظان على كفاءة السوق العشوائية

«الزخم» و«القيمة» يحافظان على كفاءة السوق العشوائية

هل الأسواق تتمتع بالكفاءة؟ وإن كانت كذلك، فأي كفاءة هي؟ بعضهم سيشعر بالانزعاج من هذا السؤال.
شهد الأسبوع الماضي أكبر أسواق الأسهم في العالم وهي تسجل أعلى الأرقام القياسية في تاريخها، رغم التصورات المنتشرة على نطاق واسع بأن الاقتصاد في وضع سيئ. الأسهم آخذة في التصاعد وفق مسار مستقيم تقريبا على مدى العام، غافلة عن نذر الخطر في العالم. هل هذا دليل على الكفاءة؟
هناك أيضا ارتفاع الـ"بيتكوين". هذه عملة رقمية ليست لها قيمة جوهرية ومع ذلك تجاوز سعر الـ"بيتكوين" الواحد عشرة آلاف دولار الأسبوع الماضي، ليرتفع أكثر من 1000 في المائة خلال 12 شهرا. بعد تخطيها حاجز عشرة آلاف دولار واصلت العملة ارتفاعها وتجاوزت 11 ألف دولار، قبل أن تتعرض لانخفاض عاد بها إلى تسعة آلاف دولار. كيف يمكن لهذا أن يكون دليلا على الكفاءة؟
هذا يترك شعورا بالانزعاج من فرضية الأسواق ذات الكفاءة التي أطلقها الباحثون الاكاديميون. هذه الفرضية موضوعة بشكل يجعلها بسهولة تبدو مثيرة للسخرية، فهي تنص في أقوى أشكالها على أن الأسواق تسير وفق "مسار عشوائي": السوق تستوعب بسرعة جميع المعلومات المعروفة عن سهم ما، بحيث تسير أسعار الأسهم ببساطة وفق مسار عشوائي استجابة للأنباء. السعر مناسب وصحيح دائما. الاستجابة الحادة جدا يوم الجمعة عبر الأسواق العالمية لتقرير يفيد بأن مايكل فلين مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، مستعد للإدلاء بشهادته ضد الرئيس دونالد ترمب أكدت فكرة أن الأسواق تتحرك بسرعة كبيرة جدا بحيث إنها لا تعبأ بالأخبار.
في شكلها القوي، هذه الفرضية ليست صحيحة؛ شركات التكنولوجيا الأمريكية الكبرى التي قادت العالم لسنوات تراجعت 4 في المائة تقريبا يوم الأربعاء، عندما لم ترد أية أخبار جديدة. ليس من الممكن أن يكون السعر صحيحا في جميع الأوقات، ولا يمكن لأي أحد ادعاء أن سوق الـ"بيتكوين" تتمتع بالكفاءة. لكن هناك أمورا تقال لصالح كفاءة السوق أكثر من ذلك. أولا، هي تعني أن من المستحيل التغلب على السوق. وتدلنا الخبرة على أن التغلب على السوق بالتأكيد أمر صعب للغاية.
ثانيا، على المدى الطويل جدا تتوصل الأسواق فعلا إلى السعر الصحيح. المؤرخون أظهروا، عبر الزمن، أن عائدات أسواق الأسهم تتحرك جنبا إلى جنب تقريبا مع النمو الاقتصادي.
وإذا كانت الأسواق تفتقر إلى الكفاءة بهذه الدرجة، لماذا يبدو إذن أن "اليد الخفية" تبلي بلاء حسنا على نحوٍ يفوق قدرة مسؤولي التخطيط في الحكومات على تحقيقه؟
البحوث الجديدة التي يجريها فريق بقيادة جان- فيليب بوشو، من "كابيتال فند مانيجمنت"، أكبر صندوق تحوط في فرنسا، ربما تستطيع التوفيق بين كل هذه الأمور. فهي تؤكد صحة تخمين توصل إليه قبل 30 عاما المنظر المالي، فيشر بلاك، مفاده أن الأسواق تتمتع بالكفاءة ضمن عامل مقداره اثنان. وكان يعني بهذا أن الأسواق من شأنها أن تتحرك ضمن نطاق يقع بين نصف القيمة الصحيحة إلى ضعف القيمة الصحيحة. وأية سوق تبقى ضمن هذين الحدين الواسعين يمكن أن نصفها بأنها سوق ذات كفاءة.
قال بلاك: "بالطبع، نطاق العامل الذي مقداره اثنان هو أمر تعسفي. وبرغم ذلك، استنادا إلى الحدس، يبدو الرقم منطقيا بالنسبة لي، في ضوء مصادر اللبس المتعلقة بالقيمة وشدة القوى التي يغلب عليها التسبب في عودة الأسعار إلى القيمة. بحسب هذا التعريف، أعتقد أن جميع الأسواق تقريبا تتمتع بالكفاءة في كل الأوقات تقريبا".
كان يبدو ذلك دقيقا من وجهة نظر بوشو وزملائه لأن "البشر جاهلون إلى حد كبير بالقيمة الأساسية لأي شيء يتم تداوله، باستثناء الناحية النسبية". وعندما حلل الباحثون الأرقام في عدد من الأسواق، بما فيها مؤشرات الأسهم والسندات والعملات وعقود السلع الآجلة، مستخدمين بيانات تعود إلى أكثر من ثلاثة قرون في بعض الحالات، بالنسبة للولايات المتحدة وأستراليا وكندا وألمانيا وسويسرا واليابان والمملكة المتحدة، هذا ما توصلوا إليه. تترنح الأسواق في نطاق يراوح بين نصف وضعف القيمة العادلة. وتوصلوا أيضا إلى تطبيق آخر للرقم اثنين.
السلوك في الأسواق يتبع مسارين. الأول هو "تعقب الاتجاه السائد". بمجرد أن يتحرك أحد الأسهم يغلب على الناس ركوب الموجة، لذلك تبدأ الأسهم في تجميع الزخم. عملت الخوارزميات الحديثة على جعل تعقب الاتجاه السائد أمرا متطورا للغاية. فهي تستغل وتعمق من حدة ما كان دائما موجودا على أنه نزعة لدى البشر. هذه الأيام غالبا ما يشار إلى هذه النزعة باسم عامل "الزخم".
بعد فترة المستثمرين الذين يعملون بحسب الأساسيات يشترون الأوراق المالية التي تبدو رخيصة مقارنة بالقيمة الأساسية، ويتجنبون الأوراق المالية التي تبدو مكلفة. هذا يعرف بصورة عامة باسم عامل القيمة. النقطة التي تبدأ عندها القوى الأساسية بالتفوق على الاتجاه السائد تأتي بعد نحو سنتين. وفقا لـ "كابيتال فند مانيجمنت"، "في غياب عوامل الاستقرار الأساسية القوية، يغلب على المستثمرين أن يكون رد فعلهم واهنا أمام الأخبار، أو يستدلون بعلامات من التغيرات السابقة في الأسعار، قبل أن يقوموا في النهاية بتتبع مصير القيمة الأساسية على المدى الطويل (للغاية)". المصطلح الرياضي لهذه الفكرة ليس هو المسير "العشوائي"، وإنما "مسيرة عشوائية هندسية متحيزة ضمن انجراف غير ثابت".
بالتالي يتبين أن الأسواق مدفوعة دائما بأصحاب الرسوم البيانية الذين يكبح جماحهم أصحاب الأساسيات. إذا استبدلنا كلمتي "الزخم" و"القيمة"، وهما الكلمتان اللتان ينبغي أن يسمعهما الناس عمدا، سيكون لدينا ما تعرضه كثير من صناديق "بيتا الذكية" اليوم. كان الأمر على هذه الحال دائما.
فيما بينهما، تعملان على إدامة ليست عشوائية، لكنها لا تفقد أبدا علاقتها بالقيمة الأساسية، التي من الصعب التفوق عليها، وتقدم أداء أفضل من المخططين الاشتراكيين.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES