Author

لماذا هربت الطالبات؟

|

لا تزال تداعيات اللقطة التي وثقت هروب مجموعة من الطالبات في مدرسة ابتدائية "بمكة المكرمة "خلال الأسبوع الماضي حاضرة وساخنة سواء في "مواقع التواصل الاجتماعي" أو في المجالس العامة. ولم يكن متوقعا أن تلجأ طالبات صغيرات لهذا التصرف الغريب، حيث اعتدنا سابقا على مشاهد سنوية متكررة لهروب طلاب المرحلة الابتدائية والمتوسطة من مدارسهم والمخاطرة بأرواحهم من فوق الأسوار العالية وبات الأمر طبيعيا جدا!
وبالتأكيد فإن إدارة المدرسة التي شهدت هروب الطالبات والإدارة التعليمية التابعة لها يعدون العدة لملفات طويلة من التحقيق والتقصي والمتابعة وإصدار العقوبة بحق الطالبات!
ولكن أحدا منهم لن يتجرأ على السؤال الملح؛ لماذا يهرب طلابنا وطالباتنا من المدارس؟
وقبل أن تعاقب هؤلاء الطالبات بذنب نظام تعليمي كامل على المؤسسة التعليمية من أعلى الهرم حتى أصغر موظف أن تجيب عن هذا السؤال بوضوح تام؛ وتقول الحقيقة بعيدا عن المواربة والعبارات الخادعة.
وكلنا نعرف الحقيقة ونشاهدها متجسدة في مدارس تفتقد أبسط أبجديات الجاذبية التعليمية، مدارس بأسوار عالية وعقليات تقليدية ملأى بالشكوك والإحباط وضغوط العمل، ولا تسمح بالخروج عن النص لأي اجتهاد من شأنه أن يكون جاذبا لطلابنا وطالباتنا، والشواهد على ذلك كثيرة؛ ففي إحدى مدارس البنات الثانوية تعرضت مديرة للتحقيق والإعفاء من موقعها الوظيفي بعد أن فتحت "مقهى ترفيهيا" داخل المدرسة كفكرة جاذبة لكسر اليوم الدراسي الثقيل جدا، كل البرامج التي كانت موجهة لجعل المدارس بيئات جاذبة تمت محاربتها وأهمل تنفيذها بدءا من تقليص حصص التربية الرياضية والفنون، ومرورا بحصص النشاط اللاصفي وانتهاء بالبرامج التطويرية والترفيهية لتتحول معها المدارس إلى مبان مغلقة يملؤها الضجر والملل القاتل!
من يقرأ وجوه الطلاب والطالبات في الصباح الباكر وهم على بوابة المدرسة سيعرف كيف تمتلئ ملامحهم البريئة بالكآبة والحزن، ومن يشاهد صيحاتهم وتدافعهم وهم خارجون يعرف فرحة الخلاص من الحمل الثقيل الذي كان على صدورهم طوال اليوم الدراسي.
عشرات الوزراء والوكلاء والمستشارين يتكلمون عن المشكلة ويأتون ويذهبون ولم يحدث أي تغيير يحسن من البيئة التعليمية داخل المدرسة لتكون مشوقة وجاذبة ومفعمة بالفرح والتعلم، ولذلك سيظل هروب طلابنا وطالباتنا أمرا عاديا سيثار النقاش حوله مع كل لقطة هروب يتناقلها المجتمع بالألم تارة وبالتندر تارة.
وستذهب لجان وتعود للتحقيق في كل لقطة والتوصية بمعاقبة الطالب والطالبة على هروبه من المدرسة المنفرة. ولم نبحث إجابة السؤال الأهم والرئيس في القضية. متى نحاسب نظامنا التعليمي بكامله وهو يرزح تحت هذا الإرث الثقيل من الجمود ومقاومة التغيير؟

إنشرها