أخبار اقتصادية- محلية

إدارة أصول المدن .. ثروة حكومية خفية

إدارة أصول المدن .. ثروة حكومية خفية

لقد أصبح العالم متمدنا بصورة متزايدة، حيث أصبح كثير من الناس يفضلون العيش في المدن أكثر من السابق. والمشكلة هي أن معظم المناطق الحضرية غير مستعدة لإدارة هذا التدفق على المدن.
وتواجه المدن في جميع أنحاء العالم بحسب داج ديتر، المدير السابق في وزارة الصناعة السويدية أزمة استثمارية مخيفة لا تجعل منها مكانا ملائما للعيش. وقد تم تأخير صيانة الهياكل الأساسية الاجتماعية والاقتصادية الحيوية، ناهيك عن التخطيط الإنمائي، بسبب عجز في الميزانية. ونظرا لكون الموارد المالية للحكومات المحلية مثقلة بالتوسع المستمر لالتزامات الإنفاق، فقد أصبحت الموارد العامة في عديد من المدن مقيدة بشدة.
لا يجب أن تسير الأمور بهذا الشكل. حتى المدن المتعثرة تمتلك مجموعة من الأصول التجارية التي يمكن استخدامها لعكس هذه الظاهرة. إن كشف القيمة العامة للعقارات ذات الاستخدام الضعيف، على سبيل المثال، أو تحقيق الدخل من وسائل النقل وأصول المرافق، يمكن بل ينبغي أن يصبح عبارة عن استراتيجيات حضرية أساسية. وهذا لا يتطلب الخصخصة، بل بالأحرى يمكن للأصول أن تسفر عن عائدات معقولة، وتحرر مزيدا من الموارد المتاحة حاليا في معظم المدن. في الواقع، من خلال الإدارة الذكية للأصول، يمكن للمدن مضاعفة استثماراتها دون الحاجة إلى رفع الضرائب أو خفض الإنفاق.
وعلى مدى السنوات الخمسين الماضية، أدت ملكية الحكومة للممتلكات التجارية الواسعة إلى نقاش مستقطب، خاصة في أوروبا، والولايات المتحدة في الفترة الأخيرة. لكن الملكية الخاصة مقابل الملكية العامة هي انقسام كاذب. والأهم من ذلك يكمن في جودة الإدارة المهنية لمثل هذه الأصول التي تدعم الاقتصادات المحلية.
إن إعداد ميزانية دقيقة – رغم أن المعرفة، رغم أهميتها، نادرة بشكل مفزع في معظم المدن - يعد خطوة حاسمة نحو تبني نهج يركز على الإدارة. ومع وجود قائمة الأصول، وفهم صحيح لقيمتها السوقية، يستحسن أن يأخذ دافعو الضرائب والسياسيون والمستثمرون العواقب الطويلة الأجل للقرارات السياسية بعين الاعتبار. ويمكنهم أيضا اتخاذ خيارات أفضل بشأن جمع العائدات، وتجنب الطرق التقليدية لزيادة الضرائب، والإنفاق الممول من الديون، أو التقشف.
ولأسباب مختلفة، لا تقوم المدن عموما بتقييم القيمة السوقية لأصولها الاقتصادية. مثلا مدينة مثل بوسطن، التي، للوهلة الأولى، لا يبدو أنها غنية، تقلل بياناتها المالية من القيمة الحقيقية للأصول العامة، حيث يبلغ مجموع أصولها 3.8 مليار دولار، منها 1.4 مليار دولار من العقارات. وهذا أقل بقليل من التزاماتها البالغة 4.6 مليار دولار في عام 2015.
لكن، مثل معظم المدن، تدلي بوسطن بأصولها في القيمة الدفترية، التي ترتبط بالتكلفة التاريخية. إذا تم الإبلاغ عن الحيازات باستخدام المعايير الدولية للتقارير المالية، التي تتطلب استخدام القيمة السوقية للأصول، فإن قيمة ممتلكات بوسطن أكثر بكثير مما هو مذكور حاليا. وبعبارة أخرى، فإن المدينة تشتغل دون فهم ثروتها الخفية.
إن هذه الثروة جد ضخمة. يشير تقدير القيمة السوقية لملف العقارات في بوسطن إلى أن العقارات في المدينة وحدها تقدر بنحو 55 مليار دولار. لكن بسبب عدم إظهار قادة بوسطن هذه القيمة، فإنهم لن يتمكنوا من قياس تكلفة ترك هذه الأصول دون إدارة. وإذا تمكنوا من القيام بذلك، فسيدركون الفوائد التي يمكن اكتسابها من خلال تطوير هذه الأصول بذكاء أكبر.
وبعد إبراز القيمة السوقية لأصول البلدية، يضيف ديتر المؤلف المشارك لكتاب الثروة العامة للمدن، فإن الخطوة التالية نحو إدارة الأصول السليمة تكمن في فهم العائدات التي تحققها المدينة من الإيرادات وارتفاع القيم السوقية لأصولها، وهذا أمر بالغ الأهمية لمقارنة جميع خيارات الاستثمار، لكن أيضا لتحديد ما إذا كان الأداء مرضيا، ولإثبات أن ثروات أصحاب المصلحة تدار بطريقة مسؤولة.
باستخدام بوسطن كمثال مرة أخرى، دعونا نفترض أن المدينة يمكن أن تحقق عائدا بنسبة 3 في المائة على أصولها التجارية مع إدارة مهنية ومستقلة سياسيا. إن العائد البسيط البالغ 3 في المائة على محفظة استثمارية بقيمة 55 مليار دولار سيصل إلى دخل يتجاوز إجمالي إيراداته الحالية، ويزيد كثيرا على خطة رأس المال الحالية لبوسطن، وحتى مع عائد بسيط، يمكن لبوسطن أن تضاعف استثمارات البنية التحتية.
بوسطن ليست بأي حال من الأحوال استثنائية. بل على العكس من ذلك، تتقاسم نهجها للتقييم التاريخي مدن أخرى في جميع أنحاء العالم. ونتيجة لذلك، فإن الثروة العامة حبيسة العقارات وغيرها من الأصول التجارية غير المصنفة.
وأفضل طريقة للمضي قدما هي توحيد الأصول المملوكة للقطاع العام كأداة استثمارية مشتركة أطلقنا عليها ستيفان فولستر وأنا "صندوق الثروة الحضرية". وستتم إدارة الصندوق على أساس تجاري يتسم بالشفافية والمسؤولية، ويسترشد بولاية المدينة بل يوجهها موظفون محترفون يعملون على إبقائها خالية من التأثير السياسي.
هذا يبدو تحديا كبيرا، لكن يمكن القيام به. هافنسيتي جمب هامبورج، وأجزاء من كوبنهاجن التي تم تنشيطها من قبل شركة تنمية المدينة والموانئ، هي مجرد أمثلة من المناطق الحضرية التي استخدمت هذا النوع من آلية التنمية. ولم تؤد هذه الجهود إلى زيادة كمية المساكن السكنية فحسب؛ بل مولت البنية التحتية الحيوية مثل مترو كوبنهاجن والمدارس والجامعات. وفي هامبورج، تم تمويل قاعة إلبه السمفونية التي تم افتتاحها أخيرا من خلال شركة قابضة مملوكة للحكومة.
ومن شأن إدارة الأصول في المدن أن تساعد القادة المحليين على تعزيز اقتصاداتهم، وتمويل البنية الأساسية الاجتماعية والاقتصادية، ووضع استراتيجيات لمشاريع حيوية ومبتكرات متعددة الاستخدامات. ومن شأن تحسين إدارة أصول المدينة أن تساعد أيضا في تغطية تكاليف الصيانة المطلوبة دون التنافس مع الميزانيات الحكومية، ما يترك مزيدا من الإنفاق على الرعاية الصحية والتعليم والمبادرات الاجتماعية الأخرى.
ومع نمو سكان المدن، يجب أن يصبح مخططو المدن أكثر مهارة في وضع الميزانيات على المدى الطويل. وليس هناك طريقة أفضل للقيام بذلك من استخدام الأصول الموجودة بالفعل.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- محلية