FINANCIAL TIMES

إصلاح ترمب الضريبي يجتاز مجلس النواب

إصلاح ترمب الضريبي يجتاز مجلس النواب

آندي إيلارد يَعتبر نفسه من بين الذين يشعرون بحماسة شديدة للإصلاحات الضريبية للرئيس الأمريكي دونالد ترمب، لكن ليس بسبب أن هذا الشخص الذي يعمل في التصنيع في تكساس يتوقع حصول انخفاض كبير في الفواتير الضريبية الخاصة به.
يقول المدير العام لشركة ماندا للآلات، وهي شركة تصنيع عائلية صغيرة مختصة بتصنيع قطع توربينات الغاز وأجهزة محاكاة الطيران، إن أي منافع ضريبية يتلقاها بشكل مباشر ستكون متواضعة جدا لدرجة أنه لا يمكنها التأثير في خططه الاستثمارية.
مع ذلك، وبينما يشق طريقه وسط قطع من أدوات الآلات في أرضية معمله الضيق الواقع في شمال غرب دالاس، يتوقع إيلارد أن الشركات الكبرى التي تصنف من بين زبائنه سوف تشهد انخفاضا في فواتيرها الضريبية - ما يشجعها على تحويل نشاطها مرة أخرى إلى الولايات المتحدة ورفع مستوى الإنفاق على منتجاته.
يقول: "أنا لا أريد أن أكون من المخلَّفين، لكنني لا فرق عندي إن حصلوا على تخفيضات ضريبية لأنهم سوف يحضرون أموالهم إلى هنا. فهي لن تمكث في المصارف، أعدكم بذلك".
سواء أكان إيلارد محقا من حيث توقعاته الكبيرة للآثار التدريجية لعملية الإصلاح أم لا، فإن هذا يقع في صميم أكبر حوار اقتصادي في واشنطن. يروج الجمهوريون لمشروع القانون الضريبي، الذي تمت إجازته في مجلس النواب بعد حصوله على 227 صوتا مقابل 205 أصوات، باعتباره قانونا يُحدِث تغييرات واسعة تؤدي إلى إيجاد نمو مستدام لا تقل نسبته عن 3 في المائة.
يقول البيت الأبيض إن الخفض في ضريبة الشركات وحده من شأنه أن يعزز متوسط الأجور بآلاف الدولارات سنويا في الوقت الذي يحفز فيه الاستثمارات والتوظيف في الشركات متعددة الجنسيات التي كانت تكنز الأرباح في الخارج بسبب المعدل الضريبي الرئيس المرتفع في الولايات المتحدة. وللترويج لذلك، أنفقت المجموعات المحافظة عشرات الملايين من الدولارات على حملات الدعاية المؤيدة للإصلاح.
لكن خطط الجمهوريين من أجل "قانون ضريبي شعبي"، الذي يقولون إنه سيكون نعمة للطبقة المتوسطة، تهاجَم الآن بقوة من قبل كثير من الاقتصاديين، وتجتذب تأييدا فاترا في استطلاعات الرأي. وتشير تحليلات مستقلة إلى أن المنافع سوف تميل لمصلحة أغنى الناس في المجتمع.
في الوقت نفسه، الادعاءات المتكررة من قبل وزير الخزانة، ستيفن منوشين، بأن نتائج التخفيضات سوف تكون أكثر من كافية للتعويض عن نفسها، تعرضت لانتقادات شديدة على نطاق واسع، نظرا لفشله في تقديم أية تحليلات داعمة. وتشير النماذج الرياضية من الجامعات، بما في ذلك أنموذج من تنفيذ كلية وارتون التابعة لجامعة بنسلفانيا، إلى أن الخطة سوف تكوم تريليونات الدولارات الإضافية كديون عامة في الوقت الذي تنخفض فيه الإيرادات الضريبية، ما يستنزف النمو الإيجابي مع مرور الوقت.
"أعتقد أنها تلغي بعضها بعضا"، بحسب ما يقول ألان بلايندر، وهو نائب رئيس سابق في مجلس الاحتياطي الفيدرالي يعمل الآن في جامعة برنستون - بعبارة أخرى، لن يكون لها أثر اقتصادي إجمالي يذكر. "التعادل وغياب القيمة أمر سيئ جدا، ومع ذلك المؤيدون يصورون لنا هذا الأمر على أنه وسيلة للبدء في معجزة النمو".
في البيت الأبيض، مثل هذه الادعاءات مرفوضة بشدة. في حين أن الحزمة الضريبية تشتمل على تغييرات للضرائب على الأفراد وعلى الشركات على حد سواء، إلا أن البند الذي يبدو أن ترمب عازم تماما على تحقيقه هو تخفيض في الشريحة العليا في معدل ضرائب الشركات إلى 20 في المائة من أصل 35 في المائة.
كيفن هاسيت، رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين للرئيس، هو من دعاة إصلاح ضرائب الشركات منذ زمن طويل، يصف النظام الحالي بأنه "جرح ذاتي" يطرد الوظائف إلى الخارج من خلال منع الشركات من الاستثمار في الولايات المتحدة.
ويضيف في مقابلة أجريت معه إن مستوى الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يرتفع بنسبة تقع ما بين 3 و5 في المائة على مدى عشر سنوات بسبب التغييرات على الشركات. "على المدى الطويل سيكون تخفيض العجز أمرا في غاية الأهمية. لكن على المدى القصير إصلاح هذه المشكلة الضريبية العالمية المرعبة أمر ضروري إن كنا نريد الحفاظ على النمو بنسبة 3 في المائة كما هي الحال الآن".
في صميم تحليلات هاسيت تكمن الحجة القائلة إن عبء ضرائب الشركات يقع بشكل كبير على كاهل المواطن الأمريكي العادي، ما يعني أن خفض ضرائب الشركات سيساعد هذا المواطن، إضافة إلى مساعدة المساهمين. في الشهر الماضي نشر بحثا اعتمد فيه على ممارسات إحصائية عبر البلدان وعبر الولايات، ادعى فيه أن الأمريكيين سوف يشهدون مكاسب في متوسط الأجور تقع ما بين أربعة آلاف وتسعة آلاف دولار سنويا في الوقت الذي تقوم فيه الشركات بإرجاع الأموال من جديد إلى الولايات المتحدة، مستثمرة في طاقة إنتاجية جديدة.
أرقام الأجور التي قدمها هاسيت لقيت ازدراء من قبل الاقتصاديين، بمن فيهم لاري سَمَرز، وزير الخزانة الأسبق في عهد بيل كلينتون. ويقول هؤلاء إن التوقعات توحي بمكاسب أجور إجمالية تراوح بين ثلاثة وخمسة أضعاف حجم الخفض في الإيرادات الضريبية.
ويليام كلاين، خبير اقتصادي في معهد بيترسون للاقتصاديات الدولية، يقول إن هناك احتمالا كبيرا أن يكون هناك أثر إيجابي للأجور بسبب التخفيضات في ضرائب الشركات، لكن باستخدام أنموذج مختلف من هاسيت، فإن بحثه يشير إلى حدوث ارتفاع في الأجور يعادل جزءا يسيرا من الحجم المذكور.
بالنسبة للاقتصاديين أمثال كلاين، الادعاء الأساسي بأن خفض معدل ضرائب الشركات سوف يغير طبيعة الأشياء من الصعب التوفيق بينه وبين الأدلة التاريخية. كان هناك خفض كبير في المعدل القانوني للضرائب على الشركات، من نحو 50 في المائة في الستينيات والسبعينيات إلى نحو 35 في المائة في عام 1988، لكن لم تكن هناك استجابة تذكر في معدل استثمارات الشركات. الفوائد المترتبة على "تعليق" الضرائب أثناء فترة حكم جورج بوش في عام 2004، الذي كان يهدف إلى تشجيع الشركات على إعادة الأرباح من الخارج، انتهى بها الحال بأن تم توزيعها على المساهمين، وفقا لبحوث أجريت في عام 2009.
في حين تستطيع التخفيضات الضريبية تحقيق مكاسب النمو في حالة وجود ركود عميق، يقول الاقتصاديون أمثال بلايندر إن الولايات المتحدة تحظى بعمالة كاملة مع نمو يفوق الاتجاه، ما يعني أن الاحتياطي الفيدرالي ربما يكبح جماح أية حوافز ضريبية من خلال سياسة نقدية أكثر تشددا.
ألان أورباك، أستاذ الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي، الذي كان يفضل ضريبة إضافية على الواردات كان يسعى إليها الجمهوريون في وقت سابق من هذا العام، لكن تم التخلي عنها الآن، يقول إنه يتوقع بعض الآثار الإيجابية على النمو بسبب إصلاحات الضرائب على الأعمال - خاصة تخفيض معدل ضرائب الشركات.
لكنه يحذر قائلا: "على الجانب الآخر سوف تكون هناك زيادة كبيرة في العجز، وهي زيادة سوف تكون معاكسة للآثار المفيدة. بصورة إجمالية، لا أتوقع حدوث زيادة كبيرة جدا في النشاط الاقتصادي بعد عشر سنوات".
ويعتقد كل من الجمهوريين والديمقراطيين أن إصلاح ضرائب الشركات أمر تأخر كثيرا عن موعده، نظرا لنظام فرض الضرائب على الشركات في أمريكا فيما يتعلق بالدخل العالمي الذي، باقترانه مع المعدلات العالية، شجع الشركات متعددة الجنسيات على كنز ما يزيد على تريليوني دولار من الأرباح في الخارج. هناك اقتناع على نطاق واسع بالحاجة إلى تبسيط نظام الضرائب الشخصية، مع عدد لا يحصى من الخصومات والتفاعل ما بين الأنظمة المحلية والنظام الفيدرالي.
لكن خلافا لجهود الإصلاح الضريبي الكبيرة السابقة التي جرت في عام 1986، يسعى الجمهوريون الآن إلى إدخال تغييرات دون الاعتماد على أي دعم من الديمقراطيين. واعتمادهم للإصلاحات، بما في ذلك إلغاء الضرائب على المواريث التي سوف يستفيد منها بضعة آلاف من العائلات الغنية، يشجع الديمقراطيين على معارضة مشروع القانون.
ما يقف خلف الجمهوريين هم منظمات الضغط في الشركات الكبرى وعشرات الجماعات المحافظة، بعضها مدعوم من قبل زعماء الأعمال، بمن فيهم الأخوان كوش. ويجري إنفاق مبالغ كبيرة على الحملات الإعلانية في المناطق المهمة وعلى "دعوات آلية" للناخبين في ولايات فيها مشرعان مترددان.
مثلا، "شبكة العمل الأمريكية"، وهي مجموعة غير ربحية منحازة للقيادة الجمهورية في مجلس النواب، أنفقت مبالغ بحدود 20 مليون دولار على إعلانات التلفزيون ومحطات الراديو وحملات الهواتف وغيرها من المبادرات عبر عشرات من المناطق النيابية. وهي تروج للحزمة الضريبية التي قدمها الجمهوريون على أنها نعمة للناخبين العاديين، وتصف الجهود التي تبذلها باسم "مبادرة نمو الطبقة المتوسطة".
تحليلات الآثار التوزيعية للتغييرات ترسم صورة أقل إشراقا. فقد توصل "مركز السياسة الضريبية"، وهو مؤسسة فكرية، إلى أن أكثر من 60 في المائة من المنافع المترتبة على الإصلاح الضريبي ستؤول إلى ما نسبته 1 في المائة من ذوي الدخل الأعلى في عام 2027. وبحلول ذلك العام، سوف ترتفع الضرائب بشكل متواضع بالنسبة للفئة ذات الدخل الأدنى، ولن تتغير كثيرا بالنسبة لذوي الدخل المتوسط، وسوف تتناقص بالنسبة لذوي الدخل الأعلى.
وهذا مدفوع جزئيا بالقرار المتخذ بشأن إنهاء صلاحية التخفيضات الضريبية المقترحة على الأفراد بعد مرور عقد من الزمان، من أجل الالتزام بقواعد الحد من العجز في مجلس الشيوخ - حتى في الوقت الذي تظل فيه تخفيضات ضرائب الشركات في مكانها. حقيقة أن تحصل الشركات على تخفيض دائم في الوقت الذي تكون فيه التخفيضات بالنسبة للأسر مؤقتة أدت إلى إثارة احتجاجات لا مفر منها من قبل الديمقراطيين.
ويصر البيت الأبيض على أنه سيتم توسيع نطاق التخفيضات من خلال كونجرس مستقبلي. لكن هذه الفكرة تثير قلق أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين المحافظين من حيث المالية العامة، بمن فيهم جيف فليك من ولاية أريزونا، وبوب كوركر من تينيسي، وليس هناك أي توقع حول ما يمكن أن يفعله المشرعون في المستقبل.
يقول روي باديلا، عامل يغسل الصحون في أحد المنتجعات الكبرى في لاس فيجاس: "لا أشعر أنه تخفيض ضريبي مفيد للطبقة المتوسطة - بل هو فقط للأغنياء".
ويضيف أن الحزمة تثير الاستغراب بين الزملاء العاملين، الذين يخشون من أنها لن تعود عليهم بفائدة. وهم ليسوا الوحيدين في ذلك. فقط 16 في المائة من الأمريكيين ممن شملهم استطلاع الرأي الذي أجرته جامعة كوينيبياك في كونتكت في منتصف تشرين الثاني (نوفمبر) يقولون إنهم يتوقعون أن تعمل خطة الجمهوريين على خفض ضرائبهم. وتوقع ما يقارب 61 في المائة منهم أن المستفيد الرئيسي سوف يكون الأغنياء.
القلق الذي يشعر به باديلا لا يتعلق فقط بعدالة التغييرات الضريبية. فهو يشعر بالخوف أيضا من أن الكونجرس سيعمل على خفض الإنفاق الطبي أو تمويل التعليم عندما تنخفض الإيرادات الضريبية، ما يؤثر في أبنائه الأربعة ـ هناك بعض التبرير لذلك التوقع.
ولطالما اعتبر الجمهوريون المحافظون التخفيضات الضريبية وسيلة لفرض تقليص في القطاع العام. وتعهد البيت الأبيض بالتركيز على الإنفاق على الرعاية الاجتماعية بمجرد الانتهاء من الإصلاح الضريبي.
وبموجب قواعد "الدفع أولا بأول" في الكونجرس، سيضطر مكتب الإدارة والميزانية التابع للبيت الأبيض للتعويض عن الزيادات في العجز التي تتسبب فيها التخفيضات الضريبية من خلال خفض مبلغ 136 مليار دولار من الإنفاق في عام 2018، ما لم يصدر الكونجرس تشريعا يقضي بتجنب ذلك. من بين العواقب المترتبة المحتملة هناك خفض تلقائي بمقدار 25 مليار دولار لـ "مديكير"، برنامج الرعاية الصحية الخاص بكبار السن.
بالنسبة لمؤيدي الإصلاح، جداول التوزيع والتوقعات الكئيبة المتعلقة بالإنفاق العام تفوت الصورة الأكبر. فهم يقولون إن قانون الضرائب الأمريكي في أمس الحاجة إلى الإصلاح، وإن تم إقرار المقترحات، فإنها ستتيح المجال لفرص حدوث تعزيز كبير في النمو، الأمر الذي سيستفيد منه جميع أفراد الشعب الأمريكي.
ترينت لوت، زعيم الأغلبية الجمهورية السابق في مجلس الشيوخ الذي يعمل الآن في شركة المحاماة "سكواير باتون بوجز"، يقول: "أنا مؤمن بأنه إن توصلتَ إلى المعدل الضريبي المناسب على الشركات في المجالات التي ينبغي أن تكون فيها، وقمتَ بخفض معدلات الضرائب على الأفراد، وضمنتَ أن الشركات الصغيرة مشمولة، عندها سيكون لدينا انفجار في النمو. حصل ذلك بعد عهد كينيدي وريجان وكلينتون".
مع ذلك حتى بين الشركات، هناك كثيرون ممن تنتابهم الشكوك بشأن الأثر المترتب على الخطة الضريبية. كيسي جونز، مؤسس شركة فير ويندز برووينج، يقول إن هناك بعض الإجراءات في الحزمة الضريبية من شأنها أن تكون مفيدة، ولا سيما التحسين في نظام ضريبة الإنتاج الذي يستهدف الشركات الصغيرة.
لكنه يضيف أن الموارد المالية لكثير من مالكي الشركات سوف تتعرض للأذى، بسبب تراجع معدل الخصم على الفوائد على القروض العقارية في مقابل الدخل الخاضع للضريبة، الذي هو مقياس رئيس للأفراد فيما يخص الحكم على الإصلاحات. وهو متشكك بأن الشركات الكبيرة سوف تستجيب للمعدلات الأدنى من خلال فورة في الاستثمار.
يقول: "اقتصاديات الآثار التدريجية لا تنجح. مهما يحدث في مجال الإصلاح الضريبي، فإنه لن يؤدي إلى استثمارات كبيرة في الشركة. إذ يغلب عليه أن يؤدي إلى توزيعات كبيرة للمساهمين".
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES