default Author

لعبة الحياة

|


في كل يوم تظهر لعبة جديدة تكون موضة شهورا أو سنة، ثم تختفي لتحل محلها أخرى، لكن بعض الألعاب الذهنية القديمة، وأشهرها الشطرنج، قد يخبو ضوؤها ثم تتوهج من جديد؛ أبطالها عباقرة خلدهم التاريخ، فأغلبهم لم يكونوا مجرد لاعبين، بل مناضلين على المستويين السياسي والاجتماعي.
أشهرهم "جاري كاسباروف" الأذربيجاني الأصل المولود عام 1963، حين استطاع أن يحل معضلة لعبة شطرنج بين والديه قبل أن يبلغ السابعة، ومن يومها عرف كل من حوله أن قصة هذا الفتى لن تكون بسيطة.
تخيل أن تصل إلى قمة النجاح دون منازع، وأن يقول لك مدربك "عليك أن تحزن قليلا، فأفضل يوم في حياتك قد مر لتوه".
قالها له بعد أن ربح أطول وأغرب مباراة شهدها تاريخ الشطرنج، وتم توثيقها بعدة أفلام وثائقية ومجموعة من الكتب.
استمرت المواجهة قرابة ثلاث سنوات، بدأت في بطولة العالم للشطرنج عام 1984 حين جمع النهائي كلا من "كاربوف" المقرب من السلطة السوفييتية و"كاسباروف" المعارض، لذا كان النظام يقف وبقوة خلف "كاربوف" ويدعمه ماديا ومعنويا، أول مواجهة كانت تستلزم أن يفوز اللاعب بست جولات، ويومها حصل ما لم يكن في الحسبان، فقد بدا التوتر واضحا على "كاسباروف"، وارتكب عديدا من الأخطاء، وضيع الفرص، لتكون النتيجة بعد ساعات أربع جولات مقابل صفر لمصلحة "كاربوف" لينتفض بعدها "كاسباروف" ويقلب الطاولة على منافسه لتصبح النتيجة 3/5، وهنا حدث أمر غير مسبوق في تاريخ الشطرنج؛ حيث تم إلغاء المباراة دون أي نتيجة، ولم ينتظروا حتى يفوز أحدهما بالجولة السادسة. وهذا الأمر دفع "كاسباروف" إلى الصعود على المنصة أمام العالم؛ ليسجل اعتراضه على القرار، وهذا أيضا أمر غير مسبوق في الاتحاد السوفييتي أن تقول "لا" للطغاة.
ليتم الاتفاق على إقامة المباراة مرة أخرى بعد أشهر، وفاز بها "كاسباروف" ليصبح أصغر لاعب يحصد لقب كأس العالم في عمر 22 عاما.
ولأن القانون وقتها كان يمنح الخاسر حق طلب مباراة أخرى، وبناء على طلب "كاربوف" تمت إقامة مباراة أخرى بينهما عام 1986، وانتهت لمصلحة "كاسباروف" أيضا، لتقام مباراة رابعة بين اللاعبين عام 1987 تصنف على أنها الأقوى، التي انتهت بتعادلهما وحفظ لـ "كاسباروف" لقبه.
ولم تكن هذه المباراة الأغرب، فقد تنافس "كاسباروف" مع 32 حاسبا آليا صممت لتنافس الذكاء البشري الذي يمثله لاعب الحياة "كاسباروف" بـ32 مباراة في الوقت نفسه عام 1985، وانتهت بفوزه في جميع المباريات، وتوالت انتصاراته على حواسيب أخرى أكثر تطورا في تحد للقوى الاصطناعية.
وفي عام 2005، قرر "كاسباروف" التوقف عن خوض مباريات المحترفين، وتفرغ للنضال السياسي والكتابة، ليصبح من أبرز معارضي النظام الروسي، خاصة حكومة "فلاديمير بوتين".

إنشرها