FINANCIAL TIMES

ميليشيات الروبوت تهدد بقلب الطاولة على الصناعة والعمال

ميليشيات الروبوت تهدد بقلب الطاولة على الصناعة والعمال

باتت فيالق الروبوت منتشرة في جميع المصانع والمستودعات في مختلف أنحاء العالم، حيث تعمل الوتيرة المتسارعة للأتمتة على تغيير طبيعة مجموعة واسعة من الصناعات.
لا يحدث ذلك في البلدان المتقدمة فحسب، بل أيضا في الاقتصادات الناشئة حيث أصبحت الآلات قوة متنامية، فيما تزداد المبيعات العالمية للروبوتات الصناعية بنسبة 18 في المائة لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 13.1 مليار دولار في عام 2016، وذلك وفقاً لبحث أجراه الاتحاد الدولي للروبوتات IFR.
تزامَن صعود الروبوتات مع ارتفاع في أسعار أسهم بعض من أكبر شركات التصنيع في القطاع، بما في ذلك المجموعتين اليابانيتين فانوك وياسكاوا، وتكتل الهندسة السويسري إيه بي بي، ومجموعة كوكا الألمانية.
ارتفعت أسهم شركة ياسكاوا بأكثر من الضعف هذا العام، كما فعلت أسهم شركة كوكا. أسهم شركة فانوك كسبت 40 في المائة والأسهم ارتفعت بنحو السُدس في شركة إيه بي بي، التي تزوّد أيضاً معدات الطاقة والأتمتة والمعدات الكهربائية.
هذه المجموعات تستفيد من الطلب المتصاعد على الآلات المتطورة التي لم تعُد تلحم هياكل السيارات وترفع الأحمال الثقيلة فحسب، بل تؤدي أيضاً وظائف معقدة من إنتاج المكونات الإلكترونية إلى وضع الشوكولاتة في الصناديق.
هناك اتجاه عام آخر هو زيادة نطاق ونوع الروبوتات، حيث إنها تتنوع من كونها أطرافا ميكانيكية مرنة (مثل الأيدي والأقدام) إلى الآلات الذكية التي يُمكنها العمل جنبا إلى جنب مع البشر.
وهناك الروبوتات التعاونية، أو كوبوت، مصممة خصيصا للتفاعل مع الناس.
يقول بير فيجارد نيرسيث، رئيس قسم الروبوتات في شركة إيه بي بي: "نمت سوق الروبوتات بقوة خلال الأعوام الأربعة إلى الخمسة الماضية، ونحن متفائلون بأن السوق ستستمر بالنمو خلال الأعوام الثلاثة المُقبلة".
انتشار الروبوتات أثار نقاشا حول مدى ملاءمة البشر مقابل الروبوتات كعاملين، وحيث بعض الشخصيات البارزة في الأعمال تُحذّر من أن مزيدا من الآلات ستأخذ الوظائف.
جون كريان، الرئيس التنفيذي لبنك دويتشه بانك، قال في أيلول (سبتمبر) الماضي، إن الموظفين يواجهون مخاطر استبدالهم من قِبل الروبوتات، مُضيفا أن عددا كبيرا من الناس سيخسرون وظائفهم نتيجة للتغييرات في التكنولوجيا.
يقول موشي فاردي، الأستاذ في جامعة رايس في تكساس: "بشكل عام، الأمر يتعلق بمراجحة التكاليف. إذا كانت تكلفة الروبوت الصناعي الهامشية في الساعة أقل من تكلفة العامل البشري في الساعة، والروبوت لديه القدرة على القيام بالوظيفة، عندها من المنطقي الأتمتة من الناحية الاقتصادية".
هناك بحث أجرته الشركة الاستشارية ماكينزي أسهم في مخاوف فقدان الوظائف، فقد توصلت إلى أن نحو 30 في المائة من المهام في 60 في المائة من المهن، يُمكن أتمتتها.
مع ذلك، يُجادل نيرسيث أنه بدلا من تدمير الوظائف، فإن الأتمتة المتقدمة هي جزئيا استجابة لنقص في اليد العاملة الماهرة، حيث إن الروبوتات غالبا ما تؤدي "أدوارا مملة، وقذرة، وخطيرة، وحساسة" من النوع الذي لا يرغب فيه الناس، قط.
ويضيف: "التحدي الرئيس اليوم أمام عدد كبير للغاية من الشركات هو أنها غير قادرة على العثور على ما يكفي من الناس للقيام بهذه الوظائف، وبهذا المعنى فإن الروبوتات في الواقع توجد الوظائف".
"من الصعب جدا أن نرى اليوم أن الروبوتات تأخذ الوظائف فعلا. أود القول إننا نُساعد الشركات لتُصبح أكثر فعالية وقدرة على التنافس".
ويستطرد: إن البلدان التي تتمتع بأدنى معدلات البطالة يغلب عليها أن تكون أعلى كثافة بالروبوتات. في الطرف الآخر من الطيف توجد البلدان المهيأة لزيادة الاعتماد عليها.
على الرغم من كون الصين أكبر سوق للروبوتات، إلا أنها أدنى من متوسط الكثافة العالمي، حيث إن لديها 68 روبوتا فقط مقابل كل عشرة آلاف عامل في قطاع التصنيع.
مع ذلك، وبغض النظر عن مخاوف الوظائف، يقول خبراء الصناعة إن من الواضح أن الروبوتات أصبحت من الأمور المعتادة والمقبولة في ثورة أتمتة مدفوعة من الرغبة في زيادة الكفاءة والسرعة في العمليات الصناعية.
في الوقت الذي تُصبح فيه المكونات أصغر وأكثر تعقيداً، بإمكان الروبوتات توفير وظائف حيوية، لأنها تستطيع التعامل مع تعقيدات التصنيع بطرق لا يقدر عليها بنو البشر. الروبوتات أيضا تُحسّن نوعية السلع في عصر ارتفاع المعايير.
هناك قوة مهمة وراء الاعتماد عليها، ألا وهي انخفاض تكلفة الأنظمة الروبوتية.
في الوقت نفسه، فإن الإنجازات الكبيرة في تكنولوجيا الروبوتات تقترن بزيادة مستوى الاتصالات الإلكترونية بين المعدات وأجهزة الكمبيوتر في المصانع، التي تُسمى أحيانا بإنترنت الأشياء الصناعي.
يقول نيرسيث من شركة إيه بي بي إن هناك عاملا آخر يُساعد في نمو الروبوتات، وهو التحوّل في بعض الصناعات من إنتاج مجموعة منوعة صغيرة من السلع بكميات كبيرة، إلى مزيج أكبر من المنتجات بكميات أصغر.
ويضيف: "هذا أساساً مدفوع من قِبلنا باعتبارنا مستهلكين... نحن نريد مزيدا من المنتجات الفردية [و] هذا يدفع الحاجة إلى المرونة"، مُشيرا إلى مثال السيارات مع أجزاء مثل حواف العجلات التي تأتي بألوان حسب الطلب.
على الرغم من أن المستخدِم الأكبر يبقى صناعة السيارات التي نشرت الروبوتات على نطاق واسع منذ الثمانينيات من أجل اللحام والدهان، إلا أن المحرك الرئيس للنمو هو قطاع الإلكترونيات والكهرباء، الذي يقع أساسا في آسيا.
جزء من هذا يعود إلى زيادة الحاجة إلى البطاريات والرقائق والشاشات، وذلك وفقا للاتحاد الدولي للروبوتات. إلا أن الروبوتات تدخل مجالات أخرى كذلك، مثل مستودعات الخدمات اللوجستية، ومصانع المواد الكيماوية والبلاستيكية، وصناعات الأغذية والمشروبات.
في المجموع، تم بيع نحو 300 ألف وحدة في جميع أنحاء العالم في العام الماضي، وذلك وفقا للاتحاد الدولي للروبوتات، إلا أن ثلاثة أرباع الكمية ذهبت إلى خمسة بلدان: الصين، وكوريا الجنوبية، واليابان، والولايات المتحدة، وألمانيا.
ثلاثة من كل عشرة روبوتات ذهبت إلى الصين وحدها. الصين، التي كانت فيما مضى "ورشة اليد العاملة اليدوية في العالم"، هي أكبر مشتر للروبوتات الصناعية منذ عام 2013، وارتفعت مشترياتها بنسبة 27 في المائة في العام الماضي.
ازدادت الاستثمارات في كثير من البلدان النامية، أيضا، مثل تايوان، وتايلاند، والهند، والمكسيك، فضلاً عن إيطاليا وفرنسا.
في حين كانت هناك تحسينات في قدرات الأجهزة، مثل الهيدروليك والتنقل، إلا أن التطورات الأكثر أهمية ربما كانت في أجهزة الاستشعار والبرمجيات التي تجعل الروبوت أكثر حساسية ومرونة ودقة واستقلالية.
يقول جوناثان كوهين، مدير محفظة لصندوق روبوكاب يو سي آي تي إس الذي تبلغ قيمته 90 مليون دولار: "جانب البرمجيات في الروبوتات الصناعية يُصبح أكثر أهمية بشكل متزايد، وهو عامل تمييز رئيس بين مختلف شركات تصنيع الروبوتات الصناعية".
كما أنه يُمثل موضوعا متعدد الأوجه بالنسبة لموضوعي القيمة الإجمالية لسوق أنظمة الروبوتات، بما في ذلك تكلفة البرمجيات والأجهزة الطرفية وهندسة الأنظمة، تُقدّر بنحو 40 مليار دولار من قِبل الاتحاد الدولي للروبوتات.
التطورات المهمة تشتمل على أنظمة التعرف على الرؤية إلى جانب الذكاء الاصطناعي والكاميرات، وهو ما يسمح للروبوتات بتمييز الأشياء والتعلم من التجربة لتحسين الأداء، ما يُتيح مجموعة أوسع من التطبيقات.
على شكل مواز لذلك، فإن شركات التصنيع طوّرت الآلات القابضة التي تتسم ببراعة واستجابة أكبر. توم بوشييه، العضو المنتدب لشركة فانوك في المملكة المتحدة، يعطي مثال شركات صناعة الحلويات التي تستخدم الروبوتات لالتقاط الحلوى والشكولاتة ووضعها في الصناديق.
مع ذلك، على الرغم من النمو في السوق وحماسة المستثمرين، إلا أن الخبراء لا يتوقعون أن تستولي الآلات على مكان العمل، على اعتبار أن الروبوتات لا تزال تعاني كثيرا من القيود، عندما يتعلق الأمر بالبراعة والحُكم والقدرة على الارتجال.
يقول دانيال كوبر، من مجموعة بوسطن الاستشارية: "التحدي الأكبر هو المرونة التي يُمكن أن يوفرها الروبوت". ويُعطي مثال صندوق البراغي الفارغ الذي أخفق نظام التعبئة في إعادة تعبئته".
"سيكون الروبوت الآن بحاجة إلى أن يتلمس أن الصندوق فارغ، ويُرسل رسالة عن وجود خطأ، في حين أن المُشغل البشري سيفعل ذلك ويلتقط بسرعة بعض البراغي الجديدة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES