FINANCIAL TIMES

«الرقائق» تضبط التحول نوعيا بتفجر بركان الذكاء الصناعي

«الرقائق» تضبط التحول نوعيا بتفجر بركان الذكاء الصناعي

لا يوجد أحد في سيليكون فالي يُريد أن يُدعى شركة رقائق هذه الأيام.
شركة كوالكوم التي تصنع المُعالجات الموجودة في كثير من هواتف الأندرويد وموديمات أجهزة الآيفون، تصف نفسها بأنها "شركة منصة".
شركة إنتل التي كان شعارها الفخور فيما مضى هو: "إنتل داخل" معظم أجهزة الكمبيوتر في العالم، تصور نفسها الآن على أنها "شركة بيانات".
شركة نفيديا التي بلغ سعر سهمها عنان السماء وجعلها واحدة من أفضل الأسهم أداءً في أي قطاع في العامين الماضيين، تصف مُعالِجات الرسومات فيها بأنها "تُضخّم الذكاء البشري"، بفضل دورها المتنامي في أبحاث التعلّم العميق.
بقدر السرعة التي تحاول فيها شركات أشباه الموصلات إعادة تسمية نفسها على أنها شيء آخر، يتسارع تكالب صنّاع الصفقات على القطاع.
منذ عام 2015، شهد قطاع الرقائق ما يساوي أكثر من 150 مليار دولار من عمليات الدمج والاستحواذ - وهذا كان قبل قيام هوك تان، رئيس شركة برودكوم، بخطوته الجريئة للاستحواذ على شركة كوالكوم مقابل 130 مليار دولار هذا الشهر.
برودكوم هي نتاج عدد من تلك الصفقات، لا سيما شراؤها مقابل 37 مليار دولار من قِبل شركة أفاجو الأصغر منها في عام 2015، التي احتفظت باسم الشركة التي استحوذت عليها. إن عرضها للاستحواذ على شركة كوالكوم التي رفض مجلسها العرض البالغ 70 دولارا للسهم باعتباره أدنى كثيرا مما يجب، من المرجح أن يتبين أنه علامة عالية في حمى الاندماج الحالية. يقول جيمس وانج من شركة أرك إنفيست للاستشارات الاستثمارية: "بطريقة ما، جميع عمليات الدمج والاستحواذ حدثت. هذه هي آخر عملية يُمكن حتى أن نتخيلها". في حال أُبرِمت الصفقة فإنها يُمكن أن تنشئ ثالث أكبر شركة لصناعة الرقائق في العالم بعد شركتي سامسونج وإنتل.
شركتا كوالكوم وبرودكوم تجلسان على قمة سلسلة معقدة من الشركات، لكنها في حالة تقلص سريع. قبل اجتياح شركة برودكوم، كانت شركة كوالكوم نفسها تحاول إكمال أكبر صفقة في قطاع الرقائق حتى الآن، من خلال شراء شركة إن إكس بي لصناعة الرقائق الهولندية، التي فقط دفعت قبل عامين 12 مليار دولار مقابل شراء شركة فريسكيل. شركتا برودكوم وأفاجو لا تزالان تتكاملان فيما بينهما بعد عملية الدمج في عام 2015. هذا كاف للتسبب بعُسر الهضم حتى لصانع الصفقات المخضرم تان.
نشاط الأعوام القليلة الماضية هو علامة على مجموعة فريدة من الظروف في صناعة التكنولوجيا. بعد عقد من إدخال جهاز آيفون إلى سوق هواتف ذكية ضخمة ولكنها ناضجة، هناك ما يقدم نموا مربحا أبطأ لشركات مثل آرم هولدينجز وكوالكوم.
التنفيذيون مقتنعون أن الذكاء الاصطناعي والواقع المُعزز سيكتسحان العالم قريباً مثل أجهزة الكمبيوتر الشخصي والهواتف الذكية قبلها. استحواذ شركة سوفتبانك مقابل 32 مليار دولار في العام الماضي على شركة آرم لتصميم الرقائق القائمة في المملكة المتحدة، كان رهانا جريئا على إنترنت الأشياء، أو IoT، من قِبل مؤسس التكتل الياباني ماسايوشي سون.
مع ذلك، ليس من الواضح تماماً متى أو حتى أي هذه الثورات هي التي ستحدث. النتيجة هي شيء غير عادي في أرض التعطيل: الوضع الراهن صامد. يبدو من غير المرجح أن شركة أبل، التي تملك 269 مليار دولار من النقدية وجهازها آيفون إكس الأحدث يتبين أنه ناجح منذ الآن، ستواجه أوقاتاً صعبة مثل شركتي نوكيا أو بلاكبيري في أي وقت قريب. التحالف الغريب بين شركتي سامسونج وجوجل القائم على نظام التشغيل أندرويد من شركة جوجل صامد حتى الآن، فيما تستمر هيمنة مجموعة الإلكترونيات في كوريا الجنوبية في مجال تصنيع الرقائق، ونموها كذلك. احتمال دخول مشارك جديد يُخفف من سيطرة شركات لينوفو وديل وإتش بي الجماعية على أكثر من نصف سوق أجهزة الكمبيوتر الشخصي، يبدو مستبعدا أيضا.
الهيمنة العالمية لعدد قليل من شركات التكنولوجيا الكبرى قد تُسبب القلق في واشنطن وبروكسل، لكنها تمثل فرصة لأمثال تان. إذا كان التكامل في الأسواق الناضجة هو أحد القوى التي تحرك صناعة الصفقات الغزيرة، فإن القوة الأخرى هي الاندفاع من قِبل القوى القائمة والوافدين الجُدد على حد سواء ليكونوا بمثابة الموجة التالية من النمو.
مايكل ماركس، الرئيس التنفيذي السابق لشركة تزويد الإلكترونيات فليكسترونيكس وعضو سابق في مجلس إدارة شركة برودكوم، يقول: "عندما يكون هناك عدد صغير من الزبائن الأقوياء جداً، لا بد أن يكون لديك عدد صغير جدا من المزودين الأقوياء.
قبل 30 عاما، كان هناك 200 زبون في مجال الكمبيوتر، الآن لا يوجد إلا ثلاثة، فحسب. قبل 15 عاما، كان هناك 20 زبونا للهواتف الخلوية، الآن لا يوجد إلا اثنان. توحّد قطاع الأجهزة بشكل كبير خلال الأعوام الـ30 الماضية ...أستغرب كيف أن الأمر استغرق كل هذه المدة لتحقيق مزيد من التكامل في سوق أشباه الموصلات".
في وقت كانت فيه الشركات من أمثال إنتل وكوالكوم تستثمر بحثاً عن ذلك الشيء الكبير التالي بعيد المنال، من الغزوات في الساعات الذكية والواقع الافتراضي إلى رهانات بمليارات الدولارات على السيارات ذاتية القيادة، أظهرت شركة برودكوم تركيزاً أكثر ضيقا في الأجزاء الأقل سحراً من سلسلة التوريد.
يقول جيف بلابر، المحلل في شركة سي سي إنسايتس: "دائما ما كانت شركة برودكوم مزودا للمكونات، هذا هو إرثها تماما".
يُعبّر تان عن الأمر بطريقة مختلفة قليلا. يوضح قائلا: "اشترينا خمس شركات خلال الأعوام الخمسة الماضية. الطريقة التي يعمل بها نموذج أعمالنا هو أننا عندما نشتري شركة ما، فإننا ننظر إلى خطوط الإنتاج المستدامة الأساسية القوية ... وغالبا ما نستثمر أكثر بكثير مما استثمره المالكون الأصليون في تلك الشركات". وهو يرفض عمليات الانصراف نحو شركات "طرفية" أو "مجاورة" التي لا تستطيع فِرق الإدارة في شركاته المستهدفة "أن تتجنب أن تنشغل بها"، مُضيفا: "في تلك الشركات، يغلب علينا الذهاب من خلال ترشيد أحد الأصول".
قارن هذا النهج بشركة إنتل، التي تجاوزت كثيرا مجرد الانشغال من خلال عملية الاستحواذ هذا العام مقابل 15 مليار دولار على شركة موبيل آي الإسرائيلية، وهي شركة صناعة أجهزة استشعار وكاميرات للقيادة المستقلة بمساعدة الكمبيوتر.
السيارات ذاتية القيادة تنتقل من الخيال العلمي إلى الواقع بشكل أسرع مما توقعه كثيرون: وشركة آيمو التابعة لمجموعة ألفابت تضع منذ الآن سيارات حقيقية دون سائق في الخدمة العامة، وكثير منها تعمل بمُعالجات شركة إنتل.
حتى بعد الفوز بدمجها الأول في جهاز آيفون العام الماضي، تبحث شركة إنتل عن مصادر جديدة للنمو خارج وحدة المعالجة المركزية، فهي الرقاقة القوية التي تشغِّل معظم أجهزة الكمبيوتر والخوادم، بعد تفويت ثورة الهواتف الذكية إلى حد كبير.
محاولتها إعادة وضع نفسها كشركة بيانات هي أيضا علامة على قوتها في مراكز البيانات، حيث تقول شركة إنتل إنها تستهدف فرصة سوقية بقيمة 50 مليار دولار للسيليكون، من صنع مُعالجات الخوادم إلى الشبكات والذكاء الاصطناعي.
هنا ساعد صعود الحوسبة السحابية في دفع نمو أسرع من أجهزة الكمبيوتر الشخصي التي تشكّل أعمال "عملائها"، التي لا تزال تشكل أكثر من نصف إجمالي إيرادات شركة إنتل. على الرغم من المبالغة، إلا أن "إنترنت الأشياء" لا يُشكل سوى 5 في المائة فقط من إيرادات شركة إنتل البالغة 45.7 مليار دولار للأشهر التسعة الأولى من هذا العام.
الضغط للتنويع أيضاً دفع عملية استحواذ شركة إنتل مقابل 400 مليون دولار على شركة نيرفانا، التي تُلائم تقنياتها أنظمة الذكاء الاصطناعي أكثر من وحدة المعالجة المركزية.
في السيارات ذاتية القيادة بشكل خاص والذكاء الاصطناعي بشكل عام، يُنظر إلى شركة إنتل على أنها تحاول اللحاق بشركة نفيديا، ذات وحدات معالجة رسومات معتمَدة بشغف من قِبل الباحثين الذين يعملون على التعلم العميق. في العام الماضي، كان سهم شركة نفيديا هو الأفضل أداءً في مؤشر ستاندرد آند بورز 500، حيث ارتفع بنسبة 224 في المائة. تضاعفت قيمة أسهمها مرة أخرى هذا العام.
يقول بلابر: "شركة نفيديا في مركز الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة والتعلم العميق حيث تكمُن القيمة فعلا، وهي في الشبكات العصبية والتدريب. هذا لا يعني أنها لن تواجه المنافسة من شركة إنتل، كما أن شركتي جوجل وفيسبوك تستثمران في السيليكون من أجل الذكاء الاصطناعي، إلا أن شركة نفيديا في وضع قوي بشكل ملحوظ".
لقد حققت هذا الموقع القوي دون أن تشق طريقها إلى السوق من خلال عمليات الشراء. مثل شركة إنتل، فإن شركة نفيديا فوتت الهاتف الخلوي، ما أثار عملية استحواذها في عام 2011 على شركة إسيرا لصناعة موديمات الهواتف الذكية التي تتنافس مع شركة كوالكوم. إلا أن قسم الموديمات فيها أُغلق في العام الماضي، تماماً في الوقت الذي تتحول فيه قيمة تركيزها الأصلي إلى رقائق رسومات واضحة ضمن الذكاء الاصطناعي.
جنسن هوانج، الرئيس التنفيذي لشركة نفيديا، قال في مقابلة مع صحيفة فاينانشيال تايمز هذا العام: "لقد تمكّنا من إحداث الانفجار الكبير في الذكاء الاصطناعي بسبب هذه الهيكلة الحاسوبية الجديدة التي ابتكرناها. تماما كما التهمت البرمجيات العالم، كذلك فإن الذكاء الاصطناعي سيلتهم البرمجيات".
في الوقت الراهن، تأتي أكثر من نصف مبيعات شركة نفيديا من لاعبين يريدون أحدث بطاقات الرسوم لأجهزة الكمبيوتر. على الرغم من أن أقل من ربع إيراداتها الربعية الأحدث يأتي من التطبيقات التي تركز على الذكاء الاصطناعي في مراكز البيانات، إلا أنها تنمو بسرعة، وتتضاعف في المعدل السنوي.
قال هوانج: "عندما يُفكر الناس بشأن إنترنت الأشياء، فإن هذه مشكلة تتعلق بالذكاء الاصطناعي. عندما يُفكر الناس بشأن السيارات ذاتية القيادة، هذه مشكلة تتعلق بالذكاء الاصطناعي. أعتقد أنه سيكون هناك تريليون، بل عدة تريليونات من الأجهزة في العالم التي ستكون لها القدرة على الاستدلال ... فأساسا قدرة الذكاء الاصطناعي الموجودة محليا تكمن داخل الأجهزة".
بمجرد أن اعتُبرت هدفا لعملية استحواذ، فإن ارتفاع أسعار أسهم نفيديا منحها قيمة سوقية تبلغ 126 مليار دولار – وهي قيمة يراها معظم المحللين أنها كبيرة فوق طاقة المشترين المحتملين مثل شركة إنتل.
حتى عهد قريب، الشيء نفسه كان يقال عن شركة كوالكوم، التي طُمِست قيمتها من قِبل نفيديا العام الماضي. أسعار أسهم الشركتين تعطي صورة واضحة عن حماس المستثمرين لقصة كل منهما: في حين أن أسهم شركة كوالكوم كان من الممكن أن تكون ثابتة بشكل عام دون الارتفاع الأخير المدفوع من قِبل عرض شركة برودكوم، إلا أن قيمة شركة نفيديا ارتفعت بأكثر من 600 في المائة في الفترة نفسها. يقول بلابر: "هذا يعود إلى حقيقة أنها خطوة انتهازية جدا من جانب شركة برودكوم".
تضررت أسهم شركة كوالكوم بشكل كبير منذ كانون الثاني (يناير) الماضي، بسبب معارك مكافحة الاحتكار مع شركة أبل على التسعير وبراءات الاختراع.
توقفت شركة أبل عن الدفع لشركة كوالكوم، التي تحاول عرقلة مبيعات جهاز آيفون من سان فرانسيكو إلى بكين.
يقول بلابر إن المستثمرين يشعرون بالقلق لأن قسم الترخيص في شركة كوالكوم QTL، يشكل "مجرد كمية غير متناسبة من الأرباح إلى درجة أن ثقل شركة أبل على أرباحها من ربع إلى ربع، بات لا يستهان به. إضافة إلى أن هناك مخاوف على المدى الطويل حول جميع القضايا التنظيمية الأخرى، والطريقة التي يمكن لهذا أن يؤثر في نموذج الأعمال".
بالنسبة لأنصارها، هناك نقطة القوة الأكبر في شركة كوالكوم ومزيجها الفريد لصناعة الرقائق، حيث إن مئات الملايين من الموديمات ومعالجات سنابدراجون، تُباع إلى شركات صناعة الهواتف الذكية حول العالم كل عام، وكذلك تراخيص الملكية الفكرية التي تُغذي استثمارا متراكما بقيمة 47 مليار دولار في مجال البحث والتطوير منذ تأسيسها في عام 1985.
ويُجادل النقاد، بما في ذلك شركة أبل والهيئات التنظيمية في عدة قارات، بأن هذا المزيج يسلب حقوق الزبائن من خلال السماح لشركة كوالكوم بجمع حقوق مُلكية أكثر مما تستحق، مقابل براءات اختراعها لشبكات اللاسلكي الخلوية.
إذا لم تتدخل الهيئات التنظيمية أولا، فإن عملية استحواذ شركة برودكوم المقترحة على شركة كوالكوم ستخلق تركيزاً لموردين أكبر حتى من قبل شركات صناعة الهواتف الذكية.
يقول وانج: "مع شركة كوالكوم، ستكون شركة برودكوم قادرة على توفير كل رقاقة أساسا في جهاز آيفون، إلى جانب مُعالج A-Series من شركة أبل". وجود مُعالج A-Series في جهاز آيفون يُشير إلى ما يعتبره وانج بأنه أنجح صفقة في صناعة أشباه الموصلات: عملية استحواذ شركة أبل في عام 2008 على بي إيه سيمي، مقابل ما يبدو الآن أنه سعر متواضع: 278 مليون دولار.
لقد سمحت الصفقة لشركة أبل بالسيطرة على الرقائق في قلب أجهزتها، ومعها كثير من التمييز التنافسي لجهاز آيفون.
لقد أدركت شركة إيماجينيشن تكنولوجيز لصناعة رقائق الرسومات في بريطانيا هذا العام، إلى أن شركة أبل تستطيع الانتقال بسرعة من كونها أكبر زبون لديك، لتصبح منافسا وحشيا.
بعد أن قالت شركة صناعة جهاز آيفون إنها ستجعل تصميم رقائق الرسوم داخليا، انخفضت أسهم شركة إيماجينيشن واضطرت إلى عرض نفسها للبيع.
على ما يبدو، لا أحد يريد هذه الأيام أن يكون شركة رقائق، باستثناء أكبر شركة في العالم من حيث القيمة.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES