ثقافة وفنون

الفنون .. «نبض ثقافي» يروي شرايين الاقتصاد السعودي

الفنون .. «نبض ثقافي» يروي شرايين الاقتصاد السعودي

الفنون .. «نبض ثقافي» يروي شرايين الاقتصاد السعودي

تحتاج التحولات الاقتصادية في أي حضارة أو مجتمع إلى إحداث تحولات ثقافية، فالتاريخ يخبرنا أن الاقتصاد لم ينجح في مجتمعات نبضها الثقافي ضعيف.
في المملكة - بالطبع - نشهد حراكاً ثقافياً ومعرفياً فريداً، وخططاً مستقبلية، ستوجد فيه العقول الشغوفة والمنيرة بكل ثقة، التي تعتبر مؤشراً على أن السعوديين أحد الشعوب الحيوية، التي باتت تصدّر ثقافتها الخلاقة إلى الخارج.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل التحول الثقافي الذي نعيشه هو مجرد رفاهية أم حاجة يفرضها النمو الاقتصادي المستدام؟

إنماء مستدام
تعتبر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" الصناعات الثقافية والإبداعية من أسرع الصناعات نمواً في العالم، وثبت أنها خيار إنمائي مستدام يعتمد على مورد فريد ومتجدد، هو الإبداع الإنساني.
يؤكد ذلك آلان بيرفيت، الوزير الفرنسي والمفكر السياسي، في كتابه "المعجزة في الاقتصاد"، ويعزو سبب تفاوت الأمم والجماعات في نموها الاقتصادي إلى العامل الثقافي قبل العامل المادي، الذي هو مجرد مادة خام تحتاج إلى تشكيل وصياغة مبتكرة.

محرك نمو
تربط الدراسات العلمية بين التحول الثقافي والانتعاش الاقتصادي، ودول كثيرة استطاعت أن تبني اقتصادها على الثقافة، وأكد ذلك مسؤولون ورؤساء، والتجارب الحقيقية للدول، ولعل التصريح المعروف لرئيسة كوريا الجنوبية السابقة يكشف هذه العلاقة، حينما قالت "الاقتصاد الإبداعي والازدهار الثقافي هما محركا النمو".
يعمل في الاقتصاد المعرفي والثقافي عالمياً نحو 29 مليون شخص، ولا خلاف حول جدوى وضرورة الفعل الثقافي؛ فمنظمة اليونسكو تؤكد في برامجها أن 25 في المائة من نمو الدخل القومي لأي أمة يعود إلى نمو الثقافة والتربية، حيث تعتبر الثقافة محرك التنمية المستدامة.

تجارب رائدة
تبدأ عملية النمو الاقتصادي لأي شعب حينما تنمو ثقافته، وعندما يتقبل الاختلاف بقناعة تامة، فالثقافة اليوم تعتبر القوة الناعمة للدول المتقدمة، وسببا رئيسيا في ازدهار اقتصاد أي دولة.
الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال؛ استطاعت أن تطوّع الثقافة في خدمة استراتيجياتها وأهدافها، واستطاعت من خلالها أن توصل رسائلها داخل البلاد وخارجها، وحققت مداخيل مالية تجاوزت مئات المليارات من الدولارات، حيث تقدّر دراسات حجم الاقتصاد الثقافي الأمريكي بـ 700 مليار دولار، منها ما لا يقل عن 500 مليار دولار لسينما هوليوود، فيما يبلغ حجم الاقتصاد الثقافي في بريطانيا 110 مليارات دولار جراء حركة التأليف والنشر، والإنتاج التلفزيوني والسينمائي، والمسارح والمسارات المعرفية.
فيما يقدّر اقتصاديون أن قيمة العلامة التجارية لأيقونة باريس الثقافية وحدها "برج إيفل" تبلغ 464 مليار يورو، الذي جعل من باريس مدينة عالمية لها باع طويل في السياحة الثقافية، يمكنها الترويج لثقافتها كما تروج لصناعاتها ومنشآتها، والحديث حول التجارب العالمية ومدى استفادتها من الثقافة يطول.

تحول سعودي
تتوج المملكة "رؤيتها لعام 2030" بقمم المعرفة، ومعارض الكتاب بشقيها الدولية والمحلية، ومسرحيات وحفلات غنائية، وإنتاج أدبي لا يتوقف، جميعها اجتمعت لتجعل منها كياناً يرتكز على الثقافة، وإحدى مرتكزات الاقتصاد الوطني.
ففي جولة على جهود مؤسسات الدولة الثقافية وهيئاتها في هذا الجانب، يتضح مدى الجهود المبذولة في هذا الصدد، إذ تشكل جهودها مجتمعة فعلاً ثقافياً على مستوى عالمي، تنبئ بمستقبل متميز للوطن، وعلى رأس هذه المؤسسات الهيئة العامة والترفيه، والهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، ووزارة الثقافة والإعلام، والمؤشرات الأولية لمدى الإقبال على الفعاليات الثقافية تكشف عن تعطش كبير للثقافة والمعرفة.
الأسبوع الماضي وحده يكشف ازدهاراً غير مسبوق للسياحة الثقافية، إذ شهدت الرياض مسرحية "سيبوني أغني" للفنان المصري القدير سمير غانم، يشاركه فيها الفنان طلعت زكريا والمطرب الشعبي شعبان عبدالرحيم، في وقتٍ تشهد فيه منطقة الجوف معرضاً للكتاب، فيما تتهيأ جازان والمدينة المنورة وأبها لعرض مسرحية "دورا"، ويجري العمل على قدم وساق لإطلاق حفلة "ميشال فاضل" في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، أما بالنسبة إلى حفلة فنان العرب محمد عبده فقد نفدت تذاكرها باكراً، وهو ما يتوقع تماماً لحفلتي الفنان عبدالمجيد عبدالله في الرياض، وجدة، التي ستكون مسك ختام هذا العام الثقافي المتميز، وبين هذه وتلك، إنتاجات ومؤلفات ثقافية بمحتوى ممتع ومفيد.

إيمانٌ بجدواه
تدرك المملكة قيمة الفعل الثقافي الذي يخدم النمو الاقتصادي أكثر من أي وقت مضى، يساندها في ذلك التراث الوطني الأصيل المتجذر في كهوف التاريخ، والبنية التحتية الثقافية القوية، التي تنتظر تفعيل إجراءات التأشيرات السياحية من قبل وزارة الخارجية، لاستقبال الزوار من كافة دول العالم، فضلاً عن إيمان الجميع بجدوى هذا الفعل الثقافي ودوره في التنمية المستدامة.
الحراك الثقافي والاجتماعي والمعرفي الذي تعيشه المملكة اليوم بدأ يؤتي ثماره، وبالتالي، سيؤدي إلى تعظيم النمو الاقتصادي، وما يؤكد إيمان الدولة بجدوى الثقافة هو مشروع "نيوم" الطموح، الذي أطلقه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أخيراً، ويعتمد على المعرفة وإنارة العقول.
لا شك أن التحول الثقافي الحقيقي لا يأتي دفعة واحدة، لكن الانفتاح على العالم، والاستراتيجيات والمحاور الثقافية التي تضمنها "رؤية 2030" تشكل خريطة طريق واضحة، يمكن أن تعلي قيم التطور والنماء.
صناعة الإبداع الثقافي، مثل أي صناعة، تحتاج إلى وقت لتصبح استثماراً ثرياً ذا إحصائيات وبيانات واضحة، تكشف لنا عن حجم الاستثمارات فيها، وعدد العاملين، ومدى إضافتها إلى الاقتصاد الوطني، ومدى اعتمادنا عليها الآن وفي السنوات المشرقة المقبلة بإذن الله.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون