ثقافة وفنون

«الشجعان فقط» يكافحون الحرائق .. وانفعالاتهم

«الشجعان فقط» يكافحون الحرائق .. وانفعالاتهم

«الشجعان فقط» يكافحون الحرائق .. وانفعالاتهم

شهد هذا العام كثيرا من الحرائق خاصة ما حصل أخيرا في ولاية كاليفورنيا الأمريكية، وقبلها اجتاحت الحرائق ولاية أريزونا أكثر من مرة إلى أن أصبح هذا النوع من الكوارث الطبيعية متلازما مع الولايات المتحدة بسبب تكراره، وفي كل حادث حريق يعم الدمار المنطقة ويسقط شهداء ويخرج الوضع عن السيطرة لأيام، وكعادتها تضع هوليوود الإصبع على الجرح في القضايا الحياتية اليومية وتطلق أفلام مستوحاة مما يحدث، وآخرها كان فيلم "فقط الشجعان - Only The Brave".

صورة الإطفائي

لم تكن الصورة النمطية للرجل الإطفائي البطل جديدة على عالم هوليوود، فقد ضج عديد من الأفلام السينمائية بقصص أولئك رجال المطافئ الأبطال، الأفذاذ الذين ينذرون حياتهم من أجل إنقاذ البشرية من ويلات الحرائق التي تجتاح كثيرا من دول العالم. وعندما نتحدث عن تلك الأنواع من الأفلام، لا بد أن تقتحم شريط ذاكرتنا شخصية آرنولد شوارزنيجر في فيلم "الدمار الملازم" الذي لعب فيه شوارزنيجر دور رجل إطفاء يفقد زوجته وطفله في حادث انفجار سيارة مفخخة في لوس أنجلوس.
ومع الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة خلال الصيف المنصرم في معظم دول العالم ولا سيما القارة الأمريكية، ومع تصاعد الحرائق التي باتت الخبر الأساسي في نشرات الأخبار حول العالم. جاء فيلم "فقط الشجعان" من إنتاج شركة "ليونز جيت" للإنتاج السينمائي في هوليوود، ليمثل تجربة سينمائية عالية المستوى، إذ إنه فيلم درامي بإخراج رائع ولقطات آسرة مبني على أحداث حقيقية من بطولة‎ النجم جوش برولين المُرشح لجائزة أوسكار أفضل ممثل مساعد في فيلم ‏Milk، والنجم جيف بريدجز الحاصل على جائزة أوسكار أفضل ‏ممثل في دور رئيسي عن فيلم ‏Crazy Heart‏ بجانب ستة ترشيحات أخرى، والنجمة جينيفر كونلي الحاصلة على أوسكار أفضل ممثلة ‏مساعدة عن دورها في فيلم ‏A Beautiful Mind‏ والنجم مايلز تيلر الشهير ببطولته فيلم ‏Whiplash‏.‏ ويقوم جميع هؤلاء النجوم ‎بأدوار رجال إطفاء متخصصين في حرائق الغابات في الولايات المتحدة الأمريكية. وتقتضي مهمتهم التفوق على حرائق الغابات ‏الخطيرة ‏ومنعها من التطور والانتشار نحو المجتمعات المجاورة وتدمير عجائب الطبيعة. إن كل ما يفعله أولئك الأبطال يثير الإعجاب ‏ويحمل ‏في طياته مخاطر جمة.

سرد إنساني

يقود إيريك مارش الذي يؤدي دوره جوش برولين، ‎طاقم الإطفائيين، الرجل الذي يراهن إلى حد كبير على بريندان ماكدونوف، ‎يلعب ‏دوره الممثل ميلز تيلير، ‎حيث يصارع‎ بريندان الإدمان ويحاول جاهدا إصلاح نفسه بعد ولادة ابنته، وعلى الرغم من أن بقية ‏الفريق يعتبره ‎قضية خاسرة، إلا أن‎ إيريك ‎يستمر في دفعه إلى النجاح، ومن ناحية أخرى، تستمر الحرائق التي يكافحها الفريق المسمى ‎ The ‎Granite Mountain Hotshot في التوسع أكثر فأكثر.
ويسرد الفيلم الذي يتميز بطابع اجتماعي وملحمي في نفس الوقت الجانب الإنساني لهؤلاء الأبطال والخلفية الاجتماعية لكل فرد منهم ليزيد ارتباط المشاهد بهذه الشخصيات ويجعله يتعرف إليها عن قرب، فيشعر بآمالهم وطموحاتهم ومخاوفهم وأحلامهم، ثم ينقلنا إلى مشاركتهم في أجواء الحماسة والشجاعة والمثابرة أثناء التدريبات، وفي لحظات الإثارة والخطر أثناء مواجهة لهيب النيران والسيطرة عليها، وتدور معظم أحداث الفيلم بين المناظر الطبيعية الخلابة للغابات والجبال مع الاحتفاظ بإيقاع منضبط يجعل المشاهد منتبها ومتشوقا طوال الوقت إلى أن ينتهي بفجيعة كبرى تهز القلوب.

قصة حقيقية

شكل الفيلم محاولة موفقة بإلقاء الضوء على الجهود والبطولات المبذولة من قبل رجال الإطفاء وحجم المخاطر والتحديات التي يواجهونها في كل يوم، لضمان سلامة الناس، حيث تناول القصة الحقيقية المستمدة من أحداث واقعية تجسد بطولة فريق وحدة "جرانت ماونتين هوتشوتس" وهي طاقم النخبة من رجال الإطفاء في ولاية أريزونا الأمريكية الذي ضرب مثلا عظيما في مواجهة ومكافحة الحرائق في بارنيل هيل في ‏يونيو 2013 وقد كلفت تلك المواجهة فقدان 19 من أفراد ذلك الفريق العنيد الذي آثر التضحية بحياته من أجل إخماد النيران التي ‏راحت تزحف على المدن في سباق مع الزمن.‏
ويُعد هذا الفيلم الثاني من إنتاج شركة ليونز جيت الذي يتناول قصص وبطولات رجال الإطفاء، فهو مأخوذ عن مقال للكاتب شون فلين في مجلة GQ Magazine بعنوان No Exit، وقام بكتابة سيناريو وحوار الفيلم كل من المرشح لـ "الأوسكار" إيريك سينجر، الذي كتب سيناريو فيلم American Hustle وكين نولان الذي كان وراء عديد من الأعمال السينمائية الكبري ومنها سلسلة أفلام المتحولون، وسقوط البلاك هويك وغيرها من الأعمال التي تتطلب لياقة عالية في الكتابة والتحليل والذهاب إلى التفاصيل في كل شخصية.

إخراج لافت

من الناحية الإخراجية شكل الفيلم انعطافة لافتة في مسيرة المخرج جوزيف كوزينسكي، الذي قرر الابتعاد قليلا عن إخراج أفلام الخيال العلمي مثل‎ Tron: Legacy ‎لصنع فيلم درامي واقعي ‏للغاية حول أحداث إنسانية قريبة من المشاهد، ويقدم الفيلم ‏تصويراً رائعاً، يأسر القلوب، وتلتقط كاميرا المخرج بدقة متناهية القوة المدمرة للنيران وتأثيرها في الإنسان والطبيعة على حد سواء، وفي الوقت نفسه تتفوق تلك العدسة بتصوير حياة أبطال فريق رجال الإطفاء بنفس الروعة، حيث نرى لوحات فنية رائعة، يتحرك الممثلون من خلالها ويرفعون من مستوى أدائهم من دون أن تسبب أي تشتيت للمشاهد. وهذا ما دفع بعديد من النقاد الفنيين إلى الإشادة بأداء الممثلين والثناء عليه.

بعد فلسفي 

رغم أن هذا الفيلم لا يقدم حبكة درامية متينة، إلا أنه يكفيه فخراً أنه يحمل في طياته، إضافة إلى هدف سامٍ، يتمثل في تكريم أولئك الرجال الأبطال، وأهمية المهمة التي يقوم به الإطفائي، بعد آخر فلسفي، يظهر في الحرائق التي تتصاعد لتصبح شيئاً ضخماً ومدمراً، مع وجود المصاعب والتحديات التي تتفاعل في حياتنا كبشر، وبالتالي تجعلنا في أمس الحاجة إلى العقل والقوة في مواجهتها، لنغوص في أعماقنا النفسية ونبحث عن الإرادة ونجعل منها ذلك البطل الإطفائي الذي يكافح حرائق مصائبنا تماما كالنار تندلع كشعلة صغيرة ثم تكبر وتكبر إلى أن يأتي من يطفئها، لتبدأ بعدها في الخمود رويدا رويدا. والأمر الآخر الذي يجمع بين حرائق النيران ومصائب الإنسان هو أن كليهما يوحي بأنه في اتجاه ما، ولكن سرعان ما تتغير الوجهة بحسب الرياح، فنفاجأ باتخاذهما طريقا مختلفا.

مشاهد حقيقية

ومنح تعاون استديوهات "سوني بكتشرز" في إنتاج العمل مع استديوهات "كولومبيا بكتشرز" التجربة دعما وزخما ماديا ومعنويا خصوصا في تطوير مشاهد المواجهات. والذهاب إلى مناطق متجددة في تفسير مضامين الحريق. ولعل من أبرزها مشهد تحويل الحريق إلى ما يشبه الأسد المتوحش الذي يريد أن يلتهم كل شيء في طريقة. وقد خضع جميع نجوم الفيلم إلى دورات مكثفة في التدريبات الأساسية لكليات الإطفاء والدخول في تجارب عملية معقدة. كما تمت الاستعانة بفريق ضخم من الاختصاصيين من فريق النخبة لتصوير المشاهد الحقيقية وتركيبها لاحقا داخل الاستديو.
تجدر الإشارة إلى أن مصادر صحفية أجنبية أكدت أن الفيلم نال إعجاب النقاد حيث منحه 90 في المائة منهم تقييمًا إيجابيًا، بينما منحه 94 في المائة من مستخدمي موقع Rotten Tomatoes تقييم 3.5 درجة وأعلى، وكذلك حصل على متوسط 8.1 درجة من مستخدمي موقع IMDb. كما جاء في المركز الخامس في إيرادات السينما في أمريكا الشمالية بإيرادات بلغت ستة ملايين دولار.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من ثقافة وفنون