Author

الاستدامة والاستراتيجية المؤسسية

|

من المتوقع أن تكون الاستدامة جزءا لا يتجزأ من الاستراتيجية المؤسسية للشركات خلال السنوات المقبلة، خاصة في ضوء الظروف المعيشية الحالية لما يقارب سبعة مليارات نسمة تعداد سكان العالم حاليا، الذين يعيش أربعة مليارات نسمة منهم على أقل من دولارين في اليوم، إضافة إلى الخطر المتمثل في نقص المياه وغيرها من الموارد الأساسية للحياة، بحسب بول كلايندورفر، أستاذ تطوير الاستدامة لدى كلية إنسياد لإدارة الأعمال.
بات مصطلح الشفافية الجذرية أوradical transparency محور النقاش الدائر حول الاستدامة بعد أن ورد للمرة الأولى في كتاب "الذكاء البيئي" من تأليف دان جولدمان، وهو كاتب سابق متخصص في العلوم لدى جريدة "نيويورك تايمز"، ويرمز المصطلح الجديد إلى إزاحة الستار عن سلسلة الإنتاج، أي كشف جميع الحقائق الصحية والبيئية والاجتماعية بدءا من كمية انبعاث غاز الكربون أو ما بات يعرف بالبصمة الكربونية، مرورا بالمواد الكيماوية المستعملة في عملية الإنتاج، وصولا إلى ظروف معيشة ومعاملة العمال، وذلك بهدف توفير المعطيات الضرورية للمستهلك خلال شرائه للمنتج لكي يختار ما يراه مناسبا، ويضيف كلايندوفر:"تعتبر هذه المبادرة مؤشرا على استعداد الشركة لتوفير جميع المعلومات حول عملياتها ووضعها باستخدام المستثمرين والمستهلكين على حد سواء". ويرتبط بناء صورة إيجابية للشركة بعلاقة توازن حساسة مع أدائها، إذ قد يكون ذلك مكلفا، لكن في حال تم البناء بشكل فعال، يمكن الحد من تلك التكاليف، بل يمكن أن تؤدي إلى التعويض عن التكاليف التشغيلية.
من جانبه، يقول كريستوفر لوينبرجر، رئيس مبادرة الاستدامة في شركة إيجون زيهندر الدولية: "تؤثر قيمة الاستدامة بشكل غير مباشر في الصورة العامة للمؤسسات، إذ يمكن للأفراد الذين يشاركون المؤسسة مبادئها نفسها أن يدفعوا أكثر مقابل منتج محدد يتوافق مع مبادئهم وقيمهم". لكن فوائد الاستدامة لا تقف فقط عند المستهلكين، بل تمتد لتشمل المساهمين والموظفين حتى العاملين في سلسلة التوريد الذين قد يفضلون العمل لدى مؤسسة تشاركهم المبادئ والقيم نفسها. ويمكن للتواصل الاجتماعي أن يلعب دورا محوريا في بناء نظرة الجمهور تجاه إسهامات الشركة في مجال الاستدامة، خاصة في ضوء قدرة المستهلكين المتزايدة على التعبير عن آرائهم ونشرها عبر شبكة الإنترنت، فقد أصبحت صورة العلامة التجارية خارج أيدي الشركات ووكالات الدعاية والإعلان في ضوء اختلاف دور وتأثير المستهلكين في الأسواق اليوم، ويمكن أن يسهم ذلك في زيادة انتشار العلامة التجارية وتعزيز مكانتها في الأسواق بشكل كبير.

التفاعل مع الاستدامة
وبالعودة مرة أخرى إلى دور "الشفافية الجذرية" وارتباطها مع الاستدامة، يشير لوينبرجر إلى أن هذا المبدأ الجديد بات يدفع الشركات نحو فئة جديدة من الأسواق التي تشهد تفاعلا متبادلا بين الأفراد والمستهلكين. حتى أن ظاهرة التفاعل الاجتماعي تؤثر أيضا في اختيار الرؤساء التنفيذيين وأعضاء مجالس إدارة الشركات، ويضيف لوينبرجر: "بات من الضروري تأسيس علاقة مع الجهات المطلعة على ما يحدث في الأسواق التي تتفهم سلوك الجيل الجديد"، وقد باتت قضية الاستدامة جزءا مكملا لعملية الاختيار هذه، إذ بدأت الشركات بالبحث عن الرؤساء التنفيذيين الذين يتميزون بعقلية مستقلة، لكن ذلك لا يعني تجاهل الأداء المالي للشركة، إذ يجب مقاربة الاستدامة بشكل تجاري، إضافة إلى أهمية إيصال هذه الفكرة إلى المستهلكين والمساهمين على حد سواء، ويضيف لوينبرجر: "يجب أن تكون الاستدامة ذات أهمية واقعية بالنسبة للجهات المرتبطة مع الشركة". أما عندما تتعارض قيم الرؤساء التنفيذيين مع الأهداف التجارية المتمثلة في تحقيق الأرباح، فيجب التوصل إلى حل يحقق كلا من الهدفين بحسب كلايندوفر، فعلى سبيل المثال، يعتبر جان بول بيلي، رئيس مؤسسة البريد الفرنسية "لا بوست" مثالا واقعيا لنوع جديد من الرؤساء التنفيذيين إثر نجاحه في موازنة القيم البيئية والاجتماعية مع استراتيجية أعمال ناجحة بحسب كلايندوفر، الذي أجرى دراسة بحثية حول أتمتة الشركة التي تدير خدمات البريد في فرنسا، الذي يضيف: "تعاني شركات البريد حول العالم اليوم شحا في السيولة المالية لديها، فالخيار الأفضل لديها أن تبحث عن فرص لتوفير المال وتخفيض انبعاثات الكربون في الوقت نفسه بما يكفي تحقيق كل من الهدفين".

إنشرها