FINANCIAL TIMES

عالم التكنولوجيا .. أوروبا تلهث خلف كوريا والصين

عالم التكنولوجيا .. أوروبا تلهث خلف كوريا والصين

ثمان من الشركات الأعلى قيمة في العالم توجد في قطاع تكنولوجيا. القيمة السوقية الإجمالية لهذه الشركات تبلغ 4.7 تريليون دولار. هذا يُمثّل 30 في المائة من القيمة السوقية الإجمالية للشركات الـ 92 الأخرى ضمن أكبر 100 شركة من حيث القيمة في العالم. من هذه الشركات الثماني، خمس (أبل وألفابت ومايكروسوفت وأمازون وفيسبوك) من الولايات المتحدة، واثنتان من الصين (علي بابا وتينسيت) وواحدة من كوريا الجنوبية (سامسونج). شركة التكنولوجيا الأوروبية الأعلى قيمة "ساب"، تحتل المرتبة 60 بين أكثر الشركات قيمة في العالم.
تقييمات اليوم قد تكون مُفرطة. تصنيفات السوق النسبية قد تكون خاطئة أيضاً. علاوة على ذلك، الأعمال التي تنخرط فيها هذه الشركات جميعا مختلفة في جوانب مهمة. مع ذلك، ارتفاع أهمية مجموعات التكنولوجيا هذه لا بد أنه يخبرنا شيئاً مهماً.
إذن، ما الأسئلة التي تطرحها هذه الأرقام المذهلة؟ لن أستجيب من خلال النظر في اقتصاديات الاقتصاد الرقمي نفسه، (على الرغم من أن هذا مهم ومُثير للاهتمام)، إلا بقدر ما يُمكن أن يُعيد فيه تشكيل الاقتصاد الأوسع والمجتمع. كما لا أُركز على الفوائد الناجمة عن الانخفاض في تكاليف توليد وتوزيع المعلومات نفسها. تركيزي سيكون على سبعة تحديات أوسع.
أولاً، ما الآثار المترتبة على هيمنة الولايات المتحدة المذهلة؟ لاحظ أنه في حين أن خمس شركات أمريكية من بين أعلى عشر شركات من حيث القيمة هي شركات تكنولوجيا، إلا أن أيا من الشركات الأوروبية الأكثر قيمة ليست كذلك. في الواقع الشركة الأوروبية الأكثر قيمة هي رويال داتش شل. لكن شركة إكسون، النظيرة الأمريكية الأعلى قيمة منها، هي الشركة الأمريكية الثامنة من حيث القيمة.
وجهة النظر المتفائلة قد تكون أن ما يهم هو القدرة على الاستفادة مما تفعله مجموعات التكنولوجيا الأمريكية أو الصينية. وجهة النظر المتشائمة هي ما لم يكن اقتصاد أحد البلدان ضمن لعبة التكنولوجيا، فلن يكون ضمن الألعاب الاقتصادية للمستقبل على الإطلاق. يغلب على ظني أن وجهة النظر هذه قد تكون صحيحة.
ثانياً، ما هي اقتصاديات هذه التقييمات الاستثنائية؟ الجواب لا بد أن يكون الاحتكار. في 30 أيلول (سبتمبر) القيمة الدفترية لأسهم أبل كانت 134 مليار دولار، بينما قيمتها السوقية قريبة من 900 مليار دولار. الفرق بين الرقمين يجب أن يعكس التوقعات باستمرار الأرباح "الاستثنائية". هذا قد لا يكون نتاجا للسلوك الخبيث، لكن الابتكار ووفورات الحجم والنطاق، بما في ذلك العوامل الخارجية للشبكة التي تربط الزبائن بالشركة. لكن وحده الاحتكار يُمكن أن يُحقق مثل هذه الأرباح الاستثنائية.
ثالثاً، كيف ينبغي أن نفكر بشأن سياسة المنافسة بالنسبة للشركات التي تستفيد من مثل هذه المواقف الاحتكارية القوية؟ هناك سؤال هو ما إذا كانت مثل هذه المواقف مؤقتة - كما يُجادل جوزيف شومبيتر، الاقتصادي النمساوي العظيم، من خلال فكرته عن "التدمير الخلاق". هذا يُشير إلى مجموعة من الردود، لكن هناك جوابا واحدا على الأقل يبدو واضحاً. رأي شومبيتر سيكون هو أن الشركات الداخلة الجديدة هي شرط ضروري لتآكل مثل هذه الاحتكارات المؤقتة. إذا كان الأمر كذلك، فإن شركات التكنولوجيا العملاقة ينبغي أن تُمنع منعا باتا من شراء منافساتها المحتلمة. هذا لا بد أن يكون مناهضا للمنافسة.
رابعاً، ما الأثر الاقتصادي الكلي المحتمل لمثل هذه الشركات؟ حسابات أبل، مرة أخرى، مذهلة. في 30 أيلول (سبتمبر) بلغ إجمالي الأصول في أبل 375 مليار دولار، بينما بلغت الأصول الثابتة 34 مليار دولار فقط. قيمة استثماراتها على المدى الطويل كانت تقريباً ستة أضعاف قيمة أصولها الثابتة. صافي دخلها في السنة المنتهية في 30 أيلول (سبتمبر) كان أيضاً أعلى أكثر من 40 في المائة من إجمالي أصولها الثابتة. من الواضح أن هذه الشركة ليست لديها طريقة مربحة لاستثمار أرباحها الضخمة في مجال أعمالها. هي الآن صندوق استثمار مرتبط بآلة ابتكار، بالتالي هي ثقب أسود يمتص الطلب الكلي. فكرة أن تخفيض معدل الضرائب على الشركات من شأنه زيادة الاستثمار في مثل هذه الشركات هي فكرة مُثيرة للسخرية.
خامساً، كيف ينبغي أن تخضع مثل هذه الشركة للضرائب؟ جانب واحد من الإجابة على هذا السؤال هو أن ضريبة الشركات حين تكون مصممة بشكل جيد ستقع على المنفعة المتحصلة من الاحتكار. إحدى الطرق لتحقق ذلك ستكون عن طريق تسجيل الاستثمار على أنه نفقات في مقابل الدخل الخاضع للضريبة، مع ضريبة شركات أعلى، وليس أقل، مما هي في الوقت الحاضر. هناك جانب آخر ومهم بالقدر نفسه هو إدراك أن الضرائب الإقليمية ذات عيوب بشكل لا مفر منه من حيث فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا العالمية، لأن من الصعب جداً تحديد موقع إنتاجها. عدم القدرة على فرض الضرائب على شركات التكنولوجيا بطريقة تتناسب مع فرض الضرائب على المنافسين الإقليميين يخلق تشويهاً اقتصادياً هائلا.
سادساً، كيف ينبغي أن نفكر بشأن تأثير شركات التكنولوجيا العملاقة على وسائل الإعلام؟ وسائل الإعلام ليست مجرد أعمال بهدف الربح، لكنها عنصر حيوي في مجتمع حر وديمقراطي. هنا جوجل وفيسبوك هما اللاعبان الرئيسيان حالياً. من المتوقع أن تحصل هاتان الشركتان على 63 في المائة من جميع عائدات الإعلانات الرقمية في الولايات المتحدة في عام 2017، وهذه بحد ذاتها حصة متزايدة من الإجمالي. لكن هذه الشركات المربحة بشكل كبير هي شركات طُفيلية تستثمر في جمع المعلومات التي يُقدمها الآخرون. عند النهاية القصوى الممكنة، ستُصبح أدوات بث وتوزيع ذات كفاءة عالية لغير المعلومات. هذا يرتبط بنقطة أخرى: يُمكن استخدامها، كما نعرف الآن، من قِبل أشخاص من ذوي النية السيئة لنشر الأكاذيب الخطيرة. هذه الحقائق تُثير مسائل مهمة.
أخيراً، الأنشطة التي تشارك فيها صناعة التكنولوجيا - ما يدعوه أندرو ماكافي وإيريك برينيولفسون "آلة، منصة، حشد" - سيكون لها تأثير هائل على أسواق العمل لدينا، وإذا استمر الذكاء الاصطناعي في التقدم، فسيكون لها تأثير هائل في مكاننا في العالم.
ما الآثار المترتبة على ذلك؟ مستقبلنا مهم فوق الحد على نحوٍ لا يجوز معه أن يُترَك تحت رحمة صناعة التكنولوجيا وحدها. التكنولوجيا فعلت أشياء سحرية. لكن لم ينتخبها أي أحد لتكون سيد الكون. يجب أن يسيطر صناع السياسة من الناحية الفكرية على ما يحدث. الآن هو الوقت المناسب للبدء بمثل هذه الجهود.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES