FINANCIAL TIMES

صناعة الإعلانات تعاني للتكيف مع عالم سريع التحول

صناعة الإعلانات تعاني للتكيف مع عالم سريع التحول

كان هذا عاما تعيسا بالنسبة إلى الشركات القابضة التي تمتلك أكبر مجموعات الإعلانات في العالم. "دبليو بي بي"، و"بابليسيز"، و"أومنيكوم"، و"إنتربابليك جروب"، جميعها شهدت أسهمها تتراجع بشكل حاد على مدى الـ 12 شهرا الماضية.
وتعكف المجموعات الاستهلاكية الآن على إعادة النظر في إنفاقها على التسويق، رغم عدم الارتياح لفعالية الإعلانات الرقمية التي ثبطت من معنويات المستثمرين. ولأن المشتغلين بالإعلان معرضون لخطر أن يصيبهم الحزن من جراء ذلك، فما المستقبل الذي ينتظر تلك الشركات القابضة؟
يتعرض أنموذج أعمالها الذي كان يعمل تقليديا على الجمع بين وكالات الابتكار ومجموعات شراء وسائل الإعلام والتخطيط، على جبهات متعددة. المستثمرون الناشطون يضغطون على أكبر المعلنين لتقليص إنفاقهم في الوقت الذي ظهرت فيه شركات الخدمات المهنية، مثل أكسينتشر، منافسا قادرا على منافسة الوكالات الكبرى.
في الوقت نفسه، أصبحت كل من "جوجل" و"فيسبوك" تشكل من الناحية العملية "احتكارا ثنائيا رقميا" لدرجة أنهما تستحوذان على نحو 60 في المائة من سوق الإعلانات الرقمية العالمية، بحسب شركة إي ماركتر المختصة بالبحوث.
يقول توماس سينجلهيرست، المحلل لدى "سيتي"، "تعتبر شركات الإعلانات القابضة شركات ضعيفة وغير توسطية، ويشير أداؤها إلى أن هناك خطأ ما، إذا كانت السوق آخذة في النمو، ينبغي أن تنمو هي أيضا (...) لكنها ليست كذلك". ويضيف أن "التعليقات السلبية الواردة من كبار العملاء ألقت بظلالها أيضا على الشركات القابضة".
"بروكتر آند جامبل"، المالكة علامات تجارية مثل بامبرز ومسحوق الغسيل تايد، التي تعد أكبر شركة مُعلِنة في العالم، قلصت ميزانيتها الرقمية للربع الثاني 100 مليون دولار. وتتساءل المجموعة عما إذا كانت موادها التسويقية تُشاهَد من قبل الروبوتات بدلا من أشخاص حقيقيين. وقالت بعد ذلك "إن التخفيض لم يكن له تأثير في نمو الشركة".
وتعمل "بروكتر آند جامبل" الآن على تخفيض ميزانية التسويق أكثر من ملياري دولار خلال السنوات الخمس المقبلة، لأن الشركة التي خاضت أخيرا معركة مكلفة مع وكلاء حملة الأسهم، تحاول تعزيز الأرباح. ووفقا لمتحدثة باسم الشركة، سيأتي نحو 500 مليون دولار من تلك الأرباح مباشرة من الأموال المدفوعة لوكالات الإعلانات. واستغنت الشركة عن نصف الوكالات التي تعمل معها تقريبا.
"يونيليفر"، ثاني أكبر شركة في العالم تنفق في مجال الإعلانات، أنفقت 7.7 مليار دولار على التسويق العام الماضي – مقارنة بـ 7.3 مليار دولار في عام 2013 - وقالت "إن إنفاق هذا العام سيكون مماثلا".
لكن الشركة التي تقف خلف علامات تجارية مثل شامبو سانسيلك، وآيس كريم ماجنوم، ومسحوق الغسيل بيرسيل، تعكف على تغيير آلية العمل في مجال التسويق لديها – وهي الآن تدفع مبالغ أقل لشركات الإعلانات. وتنتج "يونيلفر" عددا أقل من الإعلانات والأفلام لكنها تبثها لفترات زمنية أطول، وهي خطوة اتخذتها بعد أن أدركت أن 95 في المائة من إعلاناتها التجارية كان يتم استبدالها خلال فترة قصيرة غير كافية - أي قبل أن يتاح أمامها الوقت لتصبح إعلانات فعالة.
وقالت الشركة في تموز (يوليو)، "إنها وفرت 300 مليون يورو بعد اعتمادها هذا النهج". وأدى ذلك إلى حدوث انخفاض نسبته 17 في المائة في المبالغ التي تدفعها للوكالات خلال النصف الأول من هذا العام مقارنة بالعام الماضي.
يقول كيث ويد، مدير التسويق في المجموعة البريطانية ـ الهولندية "كنا ننتج كثيرا من المحتوى، لذلك سننتج هذا العام محتوى أقل بنسبة 30 في المائة". ويضيف "أساء بعضهم فهم هذه النقطة وظن أنها تعني أننا نقلل كمية الإعلانات لكننا لم نفعل ذلك".
وأشار إلى أن "يونيلفر" ستكون قد استثمرت في التسويق هذا العام مبلغا مشابها للمبلغ الذي أنفقته العام الماضي، مع إطلاق منتجات جديدة خلال النصف الثاني من 2017 ما يعني مزيدا من الإنفاق على الدعاية والإعلان.
قد يكون هذا مريحا نوعا ما بالنسبة إلى الشركات القابضة أمثال "دبليو بي بي" التي خفضت توجيهاتها الإرشادية بخصوص الأرباح ثلاث مرات هذا العام. لكن هل بإمكان الشركات القابضة الانتعاش؟
يقول نيك مانينج، كبير الإداريين الاستراتيجيين لدى شركة إيبيكويتي لتحليلات التسويق "هذا الأمر ليس دوريا، إنه هيكلي بكل تأكيد. المحركات الرئيسية ليست الضغط الذي يمارسه الناشطون بل التغييرات في سلوك المستهلكين واستخدام الناس للتكنولوجيا".
تعمل الشركات بشكل متزايد على تخصيص "تجارب العملاء وخبراتهم" في ميزانية التسويق، مثل التكاليف المرتبطة بتطوير تطبيقات تسمح للعلامات التجارية بإقامة اتصال مباشر مع العملاء. يقول مانينج "الإنفاق على التسويق يرتفع بشكل سليم، لكن الأموال تذهب بشكل متزايد نحو خبرات العملاء بدلا من الإعلانات التقليدية. ويطرح هذا تحديا كبيرا أمام الشركات القابضة. وهي تعمل في مجال أعمال الإعلانات التجارية التقليدية".
السير مارتن سوريل، الرئيس التنفيذي لشركة دبليو بي بي، يختلف مع هذا الرأي ويشعر بتفاؤل إزاء أنموذج الشركات القابضة. قال في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز"، "إن الشركات سيتعين عليها أن تستثمر في العلامات التجارية والابتكار من أجل التنافس مع شركات من أمثال "أمازون" التي تعمل بشكل متزايد على تصنيع منتجات خاصة بها".
ويضيف "يتعرض نمو الحجم لضغط في شركات السلع الاستهلاكية المعبأة، والأمران الضروريان اللازمان لمواجهة هذا الاتجاه هما الابتكار والعلامات التجارية. بمجرد أن تخفض التكاليف، لا يمكنك الاستمرار في التراجع، الأمر الذي يوضح السبب في أننا نشهد اتجاهات جارية دورية أكثر من كونها هيكلية. بعد إجراء التخفيضات تحدث كثير من الشركات حول زيادة الإنفاق مرة أخرى".
سينجلهيرست، من "سيتي"، يقول "إن لدى الشركات القابضة ورقة رابحة أخرى يمكنها الاستفادة منها، فهي منظمات تستند إلى الأشخاص ولا تعاني تكاليف هيكلية ثابتة كبيرة ولديها قوى عمل منسجمة ثقافيا". وتغيير الطريقة التي تعمل من خلالها استجابة لبيئة استهلاكية متغيرة يفترض ألا يكون أمرا مستحيلا.
"ما يغلب على الناس نسيانه هو أن من السهل نسبيا على تلك الشركات تغيير الشكل. كنت أعتقد أن الشركات القابضة أكثر مهارة في تغيير أنفسها من شركات وسائل الإعلام التقليدية، أو حتى شركة الاستشارات".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES