FINANCIAL TIMES

لم يعد البلاستيك رائعا .. ما السبب؟

لم يعد البلاستيك رائعا .. ما السبب؟

قبل بضعة أشهر شاهد كارلوس فيراندو، وهو مهندس إسباني تحول إلى صاحب مشاريع، عملا فنيا أثر فيه بشدة. "ما الذي يكمن تحتها"، فيلم تصويري واقعي للفنان الرقمي فيردي ريزكيانتو الذي يتخذ من إندونيسيا مقرا له، يظهر طفلا يجلس على حافة المحيط و"يرفع" موجة للكشف عن مجموعة من البقايا البلاستيكية المتنوعة، من أكياس البولي إيثيلين إلى زجاجات الماء.
العمل الفني ترك فيراندو غاضبا – وجعل روح المشاريع تشتعل داخله. فيراندو يدير شركة تصميم مقرها إسبانيا، اسمها كلوسكا، تنتج خوذة دراجة ذكية قابلة للطي "أنا استخدم واحدة منها، وأحبها". لكنه صمم الآن قارورة ماء زجاجية أنيقة مع حزام سيليكون وآلية إغلاق مغناطيسية، ما يعني أنه يمكن تركيبها على أي شيء تقريبا، ابتداء من الدراجة إلى الحقيبة إلى مقبض كرسي يدفع باليدين.
المنتج يأتي مع تطبيق يخبر الناس عن المكان الذي يمكنهم فيه ملء زجاجاتهم بالماء مجانا. هدف فيراندو هو إقناع الناس بالتوقف عن شراء المياه في زجاجات بلاستيكية، وبالتالي توفير المال للمستهلكين - والحد من النفايات البلاستيكية التي تتراكم في محيطاتنا. قال لي "صناعة المياه المعبأة في قوارير هي الآن سوق قيمتها 100 مليار دولار، و81 في المائة من القوارير لا يعاد تدويرها. إنها نفايات بالكامل – الماء يشكل 1.5 في المائة فقط من سعر القارورة"! في الواقع، يقدر مختصو البيئة أنه بحلول عام 2050 سيكون البلاستيك في محيطاتنا أكثر من الأسماك - وهذا يرجع أساسا إلى هذه القوارير.
ويضيف "نحن نحاول إيجاد شعور بأنك حين تكون متطورا من الناحية البيئية، فإن هذا يعتبر رمزا للمكانة. نريد من الناس أن يشبكوا قواريرهم إلى ما يرتدونه، لإظهار أنهم يعيدون تدوير المياه، وليظهروا بمظهر جيد".
أنا لا أعرف ما إذا كانت كلوسكا ستنجح في هذا: على الرغم من أن خوذة الدراجة القابلة للطي التي تصنعها متاحة في بعض منافذ البيع في نيويورك، بما في ذلك متحف الفن الحديث، يمكن أن يكون الانطلاق نحو السوق الشاملة عملية صعبة جدا على أي صاحب مشروع تصميم. لكن قصة فيراندو تدهشني لأنها تبدو كأنها الرمز الأساسي لعصرنا، رمزا لثقافة الألفية. أحد أسباب ذلك هو أنه يدل على كيف أن المفهوم الثقافي لما يستخدمه الشخص يتغير. قبل ثلاثة عقود كان الاستهلاك الواضح - من حقائب اليد، والأحذية، والسيارات... إلخ - يمنح الوضع الاجتماعي للشخص. وكانت العقود الختامية من القرن العشرين فترة بدا فيها أن أي شيء يمكن أن يتحول إلى سلعة. بالتالي الماء أصبح عنصرا استهلاكيا يباع في زجاجات بلاستيكية، بدلا من مجرد تعبئته "مجانا" من الصنبور.
على الرغم من ذلك، البذخ الواضح لم يعد يبدو جذابا اليوم، أو، على الأقل، ليس في أعين جيل الألفية. عملية إعادة التدوير هي موضة رائجة. كذلك هو ركوب الدراجات الحقيقي. زجاجات المياه البلاستيكية موجودة في كل مكان بحيث إنها لا تعطي صاحبها مكانة. بدلا من ذلك ما يفضل كثير من أفراد جيل الألفية والمراهقون نشره على وسائل الإعلام الاجتماعية هو قوارير "حقيقية" يمكن "إعادة تعبئتها" أو حتى زجاجات تيرموس "صبارة" القديمة الموضة. من رأي ابنتيّ المراهقتين حاليا أن قوارير المياه المفرغة من الهواء والمصنوعة من الفولاذ المقاوم للصدأ من إنتاج شركة S'well، مثلا، فائقة "الروعة". بغض النظر عن حقيقة أنها تبدو موضة قديمة بشكل غريب بالنسبة إلي "عندما كنت في سن المراهقة في السبعينيات في بريطانيا، كنا نظن أن قوارير التيرموس مزعجة بشكل لا يصدق".
الطريقة التي تأتي بها هذه المنتجات إلى السوق هي أيضا رائعة. لو أن مهندسا ما، تحول إلى صاحب مشاريع، أراد أن يمول اختراعا ذكيا قبل بضعة عقود، لكان قد حصل على قرض مصرفي، أو اقترض المال من الأصدقاء أو "خلال عصر الازدهار الائتماني في الفترة 2002-2007" استخدم الحد الأقصى للمبلغ المسموح به في بطاقة الائتمان.
لا يزال أصحاب المشاريع يستخدمون الخيارين الأخيرين، لكن بعض المشاريع "المحظوظة" تستغل أيضا وعاء المال المتزايد باستمرار الذي يجري تخصيصه في عالم إدارة الأصول من أجل استثمارات "المسؤولية الاجتماعية للشركات". في الواقع، فكرة الاستثمار في الشركات الناشئة المهتمة بالمسؤولية الاجتماعية أصبحت شائعة جدا إلى درجة أن الفاتيكان يركب الموجة الآن.
قبل بضعة أسابيع نشر فيراندو تفاصيل مشروع زجاجة المياه على "كيك ستارتر"، وناشد الناس التبرع بمبلغ 30 ألف دولار من التمويل الأولي، ووعد بإعطاء زجاجة لمن يقدم أكثر من 39 دولارا من "التبرعات". إذا حصل على الأموال، فإن الشركة ستنتج زجاجات باللونين الرمادي والأبيض، وإذا تم جمع 60 ألف دولار، فسيتم إنتاج قارورة زجاجية متعددة الألوان.
هذا لا يمكن وصفه بدقة على أنه تمويل في حقوق الملكية، لأنه لا توجد حصة لأي من المانحين، كما أنه ليس دَينا. بدلا من ذلك، هو تقريبا منتجات ما قبل البيع – على نحو يختبر الطلب مقدما، ويجمع حشدا محتملا من المتحمسين. مهما كان الأمر، هذه الطريقة القديمة في التمويل المجتمعي التي تتخذ طابعا رقميا تدعم الآن مجموعة متنامية من المشاريع تراوح من الأفلام إلى ألعاب البطاقات، وأفلام الفيديو، والساعات، وما إلى ذلك. في آخر إحصائية، جمعت كلوسكا 52838 دولارا من 803 داعمين.
الآن أجرؤ على القول إن بعض المتهكمين يرفضون هذا على أنه مجرد صرعة أخرى، أو يجادل بأن الناس كسولون إلى حد بعيد بحيث إنهم لن يواصلوا تعبئة قواريرهم. ربما هذا صحيح. لكن في المرة المقبلة التي تتناول فيها قارورة ماء بلاستيكية، يجدر بك أن تفكر في الطريقة التي يمكن بها لمفهومنا عن السلعة الاستهلاكية أن يتغير بطريقة خفية مع الزمن دون حتى أن نلاحظ ذلك. ربما بعد 20 عاما من الآن ستكون القارورة البلاستيكية المنتشرة في كل مكان عتيقة الطراز بشكل غريب.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES