Author

تحسين موقع المملكة في قائمة الشفافية العالمية

|

بعد سلسلة الاتهامات التي طالت ــ في الأيام القليلة الماضية ــ عددا من المسؤولين وأوقفتهم للتحقيق والمساءلة، لاحت في ذهني احتمالات أن تؤثر هذه الإجراءات إيجابيا في تحسين موقع المملكة في قائمة الشفافية العالمية التي تصدر سنويا من المنظمة العالمية للشفافية.
كان من المفترض منذ زمن أن يأتي اسم المملكة العربية السعودية ضمن الدول التي تتمتع بأعلى درجات الشفافية والنزاهة وليس الفساد، بمعنى أنه كان المؤمل أن تنافس المملكة العربية السعودية على الصفوف الأولى في قائمة الشفافية، لأنها القبلة التي يتجه إليها أكثر من مليار مسلم يوميا، وفيها أعظم مكانين كريمين في العالم، وهما المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.
إن صدور أمر ملكي بإنشاء لجنة عليا لحصر المخالفات والجرائم والأشخاص والكيانات ذات العلاقة بقضايا الفساد العام أمر مهم على طريق تعزيز ودعم الرقابة الحكومية على أداء مؤسسات الدولة والأشخاص.
ولعل الأهم في عمل اللجنة هو ترسيخ المنهج الإصلاحي، وتعزيز المنظومة الرقابية، وتطبيق مبادئ الحوكمة، وتحقيق العدالة الناجزة، واجتثاث الفساد، من أجل سرعة دعم برامج ومشاريع التنمية الشاملة في البلاد.
ولقد عودنا الأمير محمد بن سلمان على النجاح في العمل الجاد المخلص الأمين، ونتمنى دائما أن يرتقي اسم المملكة العربية السعودية في المكان المتقدم في مجال ممارسة الشفافية وانخفاض نسب الفساد.
إن اللجنة العليا المسؤولة عن نشر الشفافية والنزاهة في ربوع مؤسسات التنمية تعتبر محطة مهمة على طريق الرقابة الجيدة على المال، وكل الأعمال، وتحقيق الجودة في الأداء، والعمل وممارسة أعلى درجات النزاهة ونشر العدالة وتسريع معدلات الإنجاز والتنفيذ.
ورغم أن وظيفة الرقابة الإدارية ليست وظيفة من وظائف الواجهة، إلا أن العمل الإداري الناجح لا يقوم إلا من خلال هذه الوظيفة المهمة جدا والغائبة جدا على الإدارة في المملكة العربية السعودية.
إن الحجم الكبير من الفساد الذي تم الكشف عنه أخيرا يؤكد أن أجهزة الرقابة الحكومية في «الطراوة»، وأنها كانت على مدى تاريخها المديد مقصرة في حقوق الوطن. ولذلك يجب أن نبادر بمحاسبة أجهزة الرقابة الإدارية والمالية التي كانت مسؤولة عن مراقبة ومتابعة مشاريع الدولة، بل كانت مقصرة وتجب محاسبتها على التقصير الذي تعانيه بعض الأجهزة الحكومية حتى أصبحنا في وضع لا نحسد عليه!
دعونا نتساءل: ما الأسـباب التي لا تجعلنا نكون ضمن أحسن الدول في تطبيق الشفافية والنزاهة؟
أزعم أنه لا يوجد مبرر واحد يجعلنا لا نطبق كل مبادئ الحوكمة، فالدولة تصرف على التعليم والتدريب أموالا طائلة بهدف تخريج الكفاءات القادرة على تنفيذ الأعمال والبرامج، كما أن الدولة وكل السعوديين يدينون بالدين الإسلامي الحنيف الذي يفرض على كل مسلم ومسلمة أن يتقي الله فيما يعمل ويقدم لحكومته وأمتـه أعدل وأجود وأحسن الأعمال!
إذن، ما الأسباب التي تجعل معدل تنفيذ المشاريع الحكومية منخفضا ولا يتناسب مع ما تنص عليه عقود العمل، والعقود شريعة المتعاقدين؟!
إن معدلات تنفيذ بناء المدارس الحكومية التي اعتمدت في الميزانيات الحكومية، وكذلك معدلات بناء المستشفيات والمراكز الصحية، ومعدلات بناء الجامعات، ومعدلات بناء الطرق والكباري والسدود تعاني انخفاضا ملحوظا، ويضيع "الوقت" الذي أصبح ــ عند كثير من علماء الاقتصاد ــ عنصرا من أهم عناصر الإنتاج ، وتضيع معه أحسن الفرص المتاحة.
نقول مرة أخرى إن من أهم أسباب انخفاض مستوى تنفيذ المشاريع الحكومية غياب الرقابة الإدارية والمالية، إذا كانت "رؤية السعودية 2030" فرصة ثمينة على طريق التنمية الشاملة، فإننا يجب أن نغتنم فرصة تشكيل اللجنة العليا للمساءلة ونقوم بتنفيذ أكبر عدد من مشـاريع التنمية الشـاملة، لأننا لا نعلم ما يخبئه القدر لأســعار البترول، وما يخبئه القدر للأسواق العالمية التي تتحرك في هذه الأيام من أزمة إلى أزمة أكثر حدة، أزمة في سلام وأمن المنطقة، أزمة في الغذاء، أزمة في المياه، أزمة غلاء، أزمة طاقة...
إننا نتمنى على مجلس الشورى الذي يقوم حاليا بمناقشة نظام الحوكمة في القطاع العام أن يواصل أعماله الإيجابية جنبا إلى جنب مع اللجنة العليا لمكافحة الفساد، ويشدد الرقابة على أجهزة المؤسسات الرقابية مثل ديوان المراقبة العامة، وهيئة الرقابة والتحقيق، و"نزاهة"، وتوجيههم بأهمية التحرك نحو رقابة إدارية ذات أداء عال وناجز. وقبل ذلك وبعده نتمنى من اللجنة العليا لمكافحة الفساد أن توفق على طريق بناء منظومة رقابية تمكن مؤسسات الدولة من أداء أعمالها بمهنية عالية وأخلاقيات تجعل مؤسسات الحكومة من أحسن المؤسسات التي تضطلع بمسؤولياتها الوطنية على الوجه الأكمل والأشمل.

إنشرها