FINANCIAL TIMES

حصة أصغر من كعكة صغيرة

حصة أصغر 
من كعكة صغيرة

الأجور الراكدة موجودة في صميم التطورات السياسية في كثير من البلدان الغربية. هذا واضح بشكل مباشر، مثلا، في الولايات المتحدة، حيث جلب "المنْسِيُّون" دونالد ترمب إلى السلطة، وفي المملكة المتحدة، حيث الضغوط المتجددة على الأجور وضعت ضغطا إضافيا على سياسة متصدعة بالفعل. لكن هذا يشكل أيضا تحديا سياسيا طويل الأجل. مدى انفصال دخل العامل العادي عن النمو العام للاقتصاد خلال العقود القليلة الماضية مهم بشكل هائل بالنسبة إلى وضع البرامج السياسية من حيث كونها ممكنة أو مرغوبا فيها.
في الولايات المتحدة كان التباين بين إنتاجية اليد العاملة وراتب العامل العادي بارزا بشكل خاص. وكما ناقشنا في وقت سابق، التباين أكثر اعتدالا في بعض البلدان الأخرى، التي لا ترى "أو على الأقل ليس بالدرجة نفسها" التطور المزدوج في الولايات المتحدة نحو انخفاض حصة اليد العاملة من إجمالي الدخل وزيادة عدم المساواة في دخل اليد العاملة نفسه.
لكن من الواضح أنه أينما كان هذا النمط قائما، فإن سؤال صناع السياسة هو كيفية تفسيره وما الذي يجب عمله حيال ذلك. في الولايات المتحدة حتى الآن، كان أقوى صوت هو للسرد الذي يقول إن العمال لم يعودوا يجنون ثمار النمو كما اعتادوا، وبالتالي التركيز يجب أن يتحول إلى التوزيع وعدم المساواة بدلا من النمو الكلي للإنتاجية.
الآن تجادل آنا ستانزبيري ولورانس سمَرْزْ بأن هذه هي الطريقة الخاطئة للنظر في الأمور. في بحث جديد، يدرس المؤلفان العلاقة بين التغيرات في الإنتاجية والتغيرات في أجر العامل العادي على مدى فترات تراوح بين سنة وخمس سنوات في الاقتصاد الأمريكي بعد عام 1948، وتبين لهما أن العلاقة صحيحة بالقدر نفسه. وعلى حد تعبير سمَرْزْ في إحدى المقابلات، سيكون من الخطأ تحويل اهتمام السياسة الاقتصادية من النمو إلى عدم المساواة. السبب، كما في بحثهما، هو كلما ارتفعت الإنتاجية بمقدار ضئيل، ترتفع كذلك الأجور "والعكس بالعكس". وهما يجادلان بأن الفشل طويل الأمد للأجور في الاستمرار في الارتفاع لا ينبغي أن يعزى إلى "فك الارتباط" بين الإنتاجية والأجور، بل إلى قوى أخرى تعمل على إعاقة نمو الأجور. وبالنظر إلى هذه القوى، يظل من الصحيح أنه إذا أمكن جعل الإنتاجية تنمو بشكل أسرع، فإن الأجور ستنمو أيضا.
ومع أن هذا البحث مساهمة مفيدة للغاية، إلا أن هناك عددا من الأشياء الغريبة بشأنه. الأول، أنه يرى أن "الارتباط" بين الإنتاجية والأجور "أقوى" بكثير منذ عام 1973 مما كان عليه قبل ذلك "وأنه في الواقع كان ضعيفا للغاية قبل عام 1973". هذه فكرة تتناقض إلى حد كبير مع الانطباع الساحق للعقود التي جاءت مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، إلى درجة أنه ما لم تلق تفسيرا مرضيا، فإنه يجدر بنا أن نعلق تصديق النتائج الأخرى.
أمر غريب آخر يكمن في التفسير المقترح من الكاتبين. حتى من حيث القيمة الاسمية، تظهر نتائجهما أنه على الأقل بالنسبة إلى غير المديرين، فإن ما يراوح بين نصف وثلثي الزيادة في الإنتاجية يتم بثها لتصبح زيادات في الأجور. يبدو منذ الآن أن هناك قدرا لا بأس به من "فك الارتباط" بحاجة إلى تفسير. والأهمية السياسية لذلك هي أنه يضعف العقد الاجتماعي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، المتمثل في معاهدة ديترويت، التي تنص على ضرورة أن يجني العمال ضمن حزم رواتبهم المعدل التام للنمو في الإنتاجية.
والسؤال الذي يطرحه الاقتصاديون هو ما إذا كانت هناك آلية اقتصادية معينة تتغير من خلالها طبيعة نمو الإنتاجية بحيث يتم حجب مزيد من مكافآتها عن العمال. هذا بالتأكيد يستحق صفة "إلغاء الارتباط".
نشر كل من جين جروسمان وإلهانان هيلبمان وعزرا أوبيرفيلد وتوماس سامبسون أخيرا بحثا نظريا يبين كيف يمكن أن يؤدي التباطؤ في نمو الإنتاجية "الذي يمكن أن تكون له أسباب كثيرة" مباشرة إلى انخفاض حصة اليد العاملة من الدخل القومي. والفكرة هي أن تباطؤ نمو الإنتاجية يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة "بسبب انخفاض الطلب على المدخرات"، ما يسمح للعمال بالاستثمار أكثر وأكثر، بصبر، في تعليمهم ومهاراتهم. حين تتضافر هذه العوامل معا، فإن هذا يعني أنه في الوقت الذي يعزز فيه العاملون رأس مالهم البشري بحسب الأصول، يصبح رأس المال المادي نادرا نسبيا، ما يدفع إلى انخفاض أسعار العمالة بالنسبة إلى رأس المال.
وهناك تفسير بديل هو أن انخفاض المنافسة "والجانب الآخر لها، زيادة الأرباح الاحتكارية" يضر في الوقت نفسه بالإنتاجية وحصة اليد العاملة من الدخل. ناقشنا سابقا كيف يمكن من الناحية النظرية أن الهوامش السعرية الدسمة من قبل الشركات يمكن أن تؤذي العمال والإنتاجية. جيسون فيرمان، الذي كان رئيسا لمجلس المستشارين الاقتصاديين في عهد باراك أوباما، يبحث منذ فترة طويلة في الأدلة على أن هذا يحدث. يجادل هو وبيتر أورزاغ "في بحث قُدِّم في المؤتمر نفسه الذي قُدِّم فيه بحث كل من ستانزبيري وسمَرْزْ" الآن بأن حجة السبب المشترك المذكورة هي الطريقة الصحيحة للنظر إلى الأمور: "إن الحد من ديناميكية "الشركات" وانخفاض المنافسة يمكن أن يؤدي إلى انخفاض الإنتاجية وعدم المساواة على حد سواء" - حيث تشتمل الأسباب الأساسية على ارتفاع الحواجز أمام المنافسة بسبب التغيرات في الهيكل الاقتصادي "مثل آثار الشبكة في الاقتصاد الرقمي" ومؤسسات السوق "المستثمرون أنفسهم الذين يمتلكون شركات متنافسة"، والسياسات "متطلبات أكثر للترخيص المهني".
هذه ليست مسائل لا بد فيها من أن نقبل فكرة ونرفض الفكرة المقابلة. يمكن النظر إلى تعزيز الإنتاجية على أنه مفيد بحد ذاته حتى لو كانت مكافآت العمال أقل مما اعتادوا عليه؛ ويمكن للمرء أن يهتم بإعادة الارتباط بين الإنتاجية والأجور بغض النظر عن معدل النمو. لكن الفكرة الرئيسية المهمة هي بالتأكيد: هناك احتمال كبير أن إجراءات السياسة الاقتصادية التي تعيد النمو طويل الأجل هي الإجراءات نفسها التي تعيد ارتباطه بأجور العمال.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES