FINANCIAL TIMES

لغز في رابعة النهار .. انكشاف فنزويلا النفطية ماليا

لغز في رابعة النهار .. انكشاف فنزويلا النفطية ماليا

أكدت وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز ليلة الإثنين الماضي، ما كان يستعد له كثير من المحللين والمستثمرين في الأعوام الأخيرة: فنزويلا الآن مصابة بالإعسار رسمياً عن سداد ديونها السيادية، بعد تفويت دفعات فائدة بقيمة 200 مليون دولار على اثنين من السندات الحكومية.
على أنه لا تزال هناك أسئلة أكثر من الإجابات المتعلقة بخطط فنزويلا "لإعادة تمويل وإعادة هيكلة" التزاماتها المالية، ومستقبل هذا البلد الغني بالنفط، والمتعثر اقتصادياً في أمريكا اللاتينية يعد من الأمور الملغزة.

بكم تدين فنزويلا؟
على فنزويلا دين بنحو 63 مليار دولار من السندات الأجنبية المستحقة، وفقاً لشركة تورينو كابيتال، بينما يقدّر البنك المركزي إجمالي ديون البلاد الخارجية بنحو 90 مليار دولار. الرقم الحقيقي، كما يقول معظم المحللين، هو أعلى من ذلك بكثير.
"بي دي في إس آيه" شركة النفط الحكومية، باعت سندات بقيمة 28.6 مليار دولار وتدين بمليارات أخرى من الدولارات على شكل "كمبيالات".
وتدين فنزويلا بمبلغ آخر مقداره أربعة مليارات دولار أو نحو ذلك للدائنين الذين أخذوا الموضوع إلى محكمة "المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار" التابعة للبنك الدولي. ويعتقد ستيوارت كَلفرهاوس، كبير الاقتصاديين في شركة إكسوتيكس، أن إجمالي ديون القطاع العام الخارجية يراوح بين 100 مليار دولار و150 مليار دولار.

ماذا تريد فنزويلا أن تفعل؟
حتى هذا غير مؤكد. تحدث رئيس فنزويلا نيكولاس مادورو عن "إعادة تمويل وإعادة هيكلة" التزامات البلاد الخارجية.
على أن إعادة التمويل عادة ما تنطوي على شيء طوعي، في حين أن إعادة الهيكلة تعني "تقليص قيمة أصول" الدائنين قسراً. الأكثر أهمية من ذلك، العقوبات الأمريكية المفروضة هذا الصيف تعني من الناحية العملية أن هذين الخيارين غير مطروحين.
قيام مادورو بتعيين نائب الرئيس طارق العيسمي كمفاوض رئيس مع حاملي السندات يُعقّد الأمور أكثر. العيسمي نفسه خاضع للعقوبات من قِبل الولايات المتحدة بسبب ادعاءات بأنه مهرب مخدرات، ما يعني أن مجموعات الاستثمار الأمريكية - أكبر حاملي السندات الفنزويلية - لا تستطيع الدخول في محادثات معه.
هذا أدى إلى بقاء معظم حاملي السندات الدوليين في المنزل بدلاً من المخاطرة بالتعرض دون قصد للعقوبات الأمريكية، ونتيجة لذلك، كان ذلك "حدثا مخيبا للآمال"، كما قالت سيوبهان موردين، رئيسة استراتيجية الدخل الثابت لأمريكا اللاتينية في بنك نومورا، مُشيرةً إلى أن عشرة مستثمرين غير فنزويليين فقط ربما كانوا قد حضروا.
وكتبت في مذكرة إلى العملاء: "لم يكُن هناك بيان رسمي عن دفعات الفوائد التي تم تفويتها على الرغم مما كان من الممكن أن يكون مكاناً مثالياً للتوضيح. تستمر الازدواجية مع إصرار المسؤولين على محاولة كسب الوقت وطلب مهلة إضافية من الدائنين، وفي الوقت نفسه الالتزام بدفع ديونهم".

إذن لماذا تفعل فنزويلا هذا؟
مع حكومة مؤهلة وسياسات اقتصادية يغلب عليها الطابع التقليدي، ربما تتمكن فنزويلا من التعامل مع عبء ديونها. وعلى الرغم من أن الصادرات النفطية تتراجع، إلا أنها لا تزال تفتخر بأكبر احتياطي مؤكد في العالم والأسعار هي الآن عند أعلى مستوياتها منذ أكثر من عامين.
سوء الإدارة المزمن من قِبل الحكومات في عهد هوجو شافيز من قبل ومادورو الآن، علاوة على تراجع النفط كان له تأثير سلبي. وفقاً لصندوق النقد الدولي، فتقلّص الاقتصاد بمقدار الثُلث خلال الأعوام الخمسة الماضية.
المخاوف من أن العجز سيؤدي إلى رفع دعاوى قضائية من قِبل الدائنين التي يُمكن أن تُهدد عائداتها من صادرات النفط الحيوية، هي التي دفعت فنزويلا للبقاء ملتزمة بالسداد لفترة أطول مما توقع كثيرون.
وقد تمكّنت من هذا إلى حد كبير من خلال الهبات من الصين وروسيا، ووضع الفنزويليين العاديين في ظروف عصيبة عن طريق الحد من الواردات بشكل حاد.
خيارات البلاد تبدو محدودة. إضافة إلى تفويت الدفعات يوم الإثنين الماضي على السندات المستحقة في عامي 2019 و2024، فإن فنزويلا متأخرة عن دفع 420 مليون دولار من الفوائد على ما يساوي 8.6 مليار دولار من السندات المستحقة في عام 2023، وأعوام 2025، و2026 و2028، ما يدل على "ضغوط مالية كبيرة" تواجهها البلاد، كما تُشير وكالة ستاندرد آندر بورز.
احتياطات العملة الأجنبية تظل أقل من عشرة مليارات دولار - وكثير من هذا موجود على شكل ذهب، الذي سيكون من الصعب تسييله. الصين تشعر بالحذر من تعميق تعاملاتها المالية مع فنزويلا، في الوقت الذي تعمل فيه البلاد منذ فترة على إعادة هيكلة بعض من قروضها الثنائية من روسيا.
ماذا كان رد فعل الأسواق؟
بشكل سيئ. سعر سندات فنزويلا المستحقة في تشرين الأول (أكتوبر) من عام 2019 انخفض من نحو 50 سنتا على الدولار إلى نحو 24 سنتا في الأسبوع الماضي، بسبب ذعر المستثمرين بعد الإعلان عن إعادة الهيكلة وانسحاب متداولي المصارف من السوق، ما تسبب في انخفاض الأسعار. انتعش السعر قليلاً يوم الإثنين الماضي، قبل التراجع مرة أخرى يوم الثلاثاء الماضي، بعد أن دخلت فنزويلا مرحلة الإعسار.
كان بعض المستثمرين يرجون أن الصعوبة التي ستواجهها فنزويلا في إعادة هيكلة ديونها - مقترنة بجدول دفعات أقل إرهاقاً في الأشهر المقبلة - قد تسمح ببعض المجال حتى أواخر عام 2018.
تفويت الموعد النهائي للدفعات يوم الإثنين الماضي على سنداتها السيادية يجعل ذلك الرأي يبدو متفائلاً للغاية. الرأي المتصلب على نحو متزايد تظهر آثاره في تكلفة مقايضات التأمين ضد إعسار السندات الفنزويلية، وهو نوع من التأمين على السندات التي ارتفعت أكثر منذ الإعلان عن إعادة الهيكلة.

هل بإمكان فنزويلا تخليص نفسها من هذه الفوضى؟
بإمكان روسيا تقديم قرض بضمان أصول النفط الفنزويلية الذي يُمكن أن تستخدمه الحكومة إما في الدفع للدائنين، أو إعادة شراء بعض من سنداتها بسعرها الحالي المنخفض للغاية.
كما يُمكن أن تسعى فنزويلا إلى تحسين وضعها في المالية العامة من خلال فصل شركة بي دي في إس آيه عن الدولة، ثم إعلان الإعسار بالنسبة لسندات الدولة.
بيد أن ذلك يتطلب البقاء ملتزمة بمواعيد السداد على سندات شركة النفط. هذا من الناحية النظرية يُمكن أن يمنع الدائنين من قطع مبيعات النفط عن شركة بي دي في إس آيه، مع السماح في الوقت نفسه للدائنين السياديين في فنزويلا بالمعاناة.
السبب في ذلك هو أن مقاضاة البلدان هي أصعب بكثير من مقاضاة الشركات ذات الأصول التي يُمكن الاستيلاء عليها.
يُمكن إعادة هيكلة ديون فنزويلا الحكومية من الناحية النظرية دون تبادل تقليدي للديون، من خلال ما يُسمى "بنود القضايا الجماعية" التي تُلزم جميع الدائنين بأي صفقة يُتفق عليها بأغلبية معينة.
سندات شركة بي دي في إس آيه لا تشتمل على شروط الإجراء الجماعي، لكن سندات فنزويلا تشتمل عليها في الغالب، الأمر الذي قد يسمح لحاملي السندات المذكورين بالتصويت للموافقة على إعادة هيكلة دون التعرّض للعقوبات الأمريكية.

هل يُمكن أن ينجح ذلك؟
على الأرجح لا. عمليات إعادة الهيكلة عادة تستند على أساس برنامج تعديل اقتصادي، لمنح الدائنين الثقة أن الخسائر التي عليهم ابتلاعها ستُؤدي إلى تحقيق أرباح دائم. يقول إدوارد جلوسوب من وكالة كابيتال إيكونوميكس: "ما لم تتمكن الحكومة من إقناع الدائنين بقدرتها على سداد الديون المستقبلية، من الصعب التنبؤ بنقطة يُمكن بدء أية مفاوضات ناجحة منها".
علاوة على ذلك، فصل شركة بي دي في إس أيه عن الحكومة سيتطلب حذقا ومهارة. شركة كريستاليكس للتعدين الكندية تُقاضي فنزويلا منذ فترة وتُجادل أن شركة بي دي في إس أيه هي "الشخصية الثانية" للدولة. إذا فازت شركة كرستاليكس، فإنها ستفتح المجال أمام جميع الدائنين لمحاولة الاستيلاء على أصول فنزويلا وشركة بي دي في إس أيه دون تمييز بينهما.
النتيجة الأكثر احتمالاً، كما يقول المستثمرون والمحللون، هي فترة طويلة من الانقطاع المالي مع إعادة هيكلة تُعيقها العقوبات الأمريكية، فيما تواجه فنزويلا وابلا من الدعاوى القضائية التي ستجعلها مشغولة لأعوام كثيرة مقبلة.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES