Author

نمو لوجستي في التجارة الإلكترونية

|

ظهر مصطلح ما وراء الأسواق meta-market مع مطلع القرن الحالي، والمعنى المقصود هو تبادل السلع بين البائع والمشتري دون الحاجة إلى أسواق فعلية حقيقية واقعية، بل يمكن شراء التصاميم من شركة في دولة ما، ويتم الدفع لشركة أخرى في العالم بينما التجميع في شركة أخرى والشحن والتسليم في بلد مختلف، كل ذلك يتم من خلال استخدام الإنترنت فقط. وبالطبع هذه التطورات جاءت مع انطلاق ثورة الاتصال عبر الشبكة العالمية العنكبوتية، ولكن في تلك المرحلة من انطلاق هذا النوع من التعاملات التجارية انحصرت التوقعات حول عمليات من نوع B2B، أي عمليات تجارية بين مؤسستي أعمال، ولم يكن النوع الآخر B2C أي العميل مع المؤسسة يشكل فرصا حقيقية للنمو، ولذا انصبت الجهود حينها على تطوير المواقع الإلكترونية أو مجرد برمجة بعض الإجراءات الورقية لتصبح إلكترونية، حتى ظهرت أجهزة الجوال المتطورة، ونما معها استخدام الأفراد التطبيقات الإلكترونية. هذا التقدم التكنولوجي الضخم أدخل العالم فعلا ومباشرة إلى مرحلة تجارة ما وراء الأسواق، أو التجارة الإلكترونية، وأصبح حجم التجارة الإلكترونية بين المستهلكين والشركات يقدر اليوم بأكثر من 3.8 تريليون دولار، فلم يعد يفصل المكان ولا حتى الزمان أي شخص من البيع والشراء وتبادل السلع.
وعلى الرغم من هذه التحولات الهائلة جدا في التجارة العالمية نحو أسواق التجارة الإلكترونية إلا أن حجمها في الشرق الأوسط يقل بكثير عن 2.5 في المائة من حجم التجارة العالمية الإلكترونية، وهذا يعطي مؤشرا على حجم الفرص الاستثمارية في هذا المجال في الشرق الأوسط، فالصين مثلا لم تكن تتجاوز حصتها في عام 2014 6 في المائة ثم تجاوزت 33 في المائة عام 2015، أي في عام واحد نمت الصين بأكثر من 24 في المائة، وبالتأكيد أثر هذا في حجم الأعمال وأيضا في الفرص الوظيفية والنمو في الناتج المحلي. فهذه التجارة الإلكترونية تتطلب وجود قطاع سريع النمو من صناديق رأس المال الجريء ورواد الأعمال وابتكارات مغيرة للسوق ووسائل الدفع، كما يتطلب الأمر تحسينات عميقة في الخدمات اللوجستية والتوصيل، فالصين كمثال هنا شهدت صعودا كبيرا في المدفوعات الرقمية، وتوسعت بشكل غير مسبوق في الإمكانات اللوجستية.
باستطلاع هذه المقومات التي تمت الإشارة إليها وإلى التجر،بة الصينية نجد أن الفرص واعدة جدا في المملكة لتحقيق نمو مماثل، فاستخدام الإنترنت في المملكة في تزايد ملحوظ، وهناك 24 مليون مشترك في خدمة النطاق العريض، كما أن 80 في المائة من مستخدمي الإنترنت هم من الشباب، أضف إلى ذلك أن صندوق الاستثمارات العامة أنشأ قبل مدة برنامج صندوق الصناديق للاهتمام برأس المال الجريء، وهناك اهتمام واسع بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في المملكة. لذا فإن البيئة الاقتصادية مهيأة تماما لتحقيق قفزة نوعية في السوق الإلكترونية في المملكة، ونحتاج إلى خطة عمل، وتحفيز، وتدريب، تشترك فيها جهات عدة لعل أهمها المؤسسة العامة للتدريب المهني والتقني، حيث يمكنها تخريج أفواج من رواد الأعمال في هذه الأسواق الحديثة.
وكما أشرنا أعلاه فإن البيئة اللوجستية لخدمات النقل هي المحرك الأساس لانتشار ثقافة التسوق الإلكتروني، ونحتاج إلى تطوير شامل لمؤسسة البريد السعودي نحو تعزيز هذا المفهوم وتعزيز نقل وتخزين السلع من خلال وسائل نقل متطورة وسريعة. من الجدير بالذكر أن صندوق الاستثمارات العامة يهتم بمثل هذه المشروعات خاصة أن هناك شراكة بين المملكة والإمارات بشأن إنشاء منصة للتسوق الإلكتروني باسم "نون. كم"، ومن المتوقع أن تحفز هذه المنصة عالم التجارة الإلكترونية في المملكة بشكل غير مسبوق.

إنشرها