default Author

دور أكبر لسياسة المالية العامة «1 من 2»

|

يمر الاقتصاد العالمي بعدد من التحولات الكبرى، منها تباطؤ الإنتاجية، والتغير التكنولوجي، والاندماج الاقتصادي العالمي. ويفرض هذا متطلبات جديدة على السياسات العامة من أجل تيسير هذه التحولات، مع تخفيف الأثر عن الأطراف المتضررة. ولسياسة المالية العامة دور أكبر في تعزيز النمو الاحتوائي والمستدام. وفي الوقت نفسه، يتعين فهم المخاطر وإدارتها بصورة أفضل نظرا لما يحيط بالآفاق من عدم يقين كبير، إلى جانب الأعباء التي تتحملها الميزانيات العمومية الحكومية. ومن ثم، تواجه سياسة المالية العامة مهمة شاقة تتمثل في تحقيق نتائج أكبر بجودة أفضل في بيئة زادت فيها القيود.
لجأت الاقتصادات المتقدمة إلى تيسير موقف المالية العامة بما يعادل 0.2 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في عام 2016، فيما يعد خروجا عن الاتجاه العام الذي اتسم بالتقشف المالي التدريجي طوال خمس سنوات. ومن المتوقع أن يظل موقفها المالي الكلي محايدا بوجه عام في عام 2017 والسنوات التالية. ونتيجة لذلك، يُتوقع أن يصل الدين العام في الاقتصادات المتقدمة إلى مستوى مستقر على المدى المتوسط، بمتوسط يتجاوز 100 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، بدلا من أن ينخفض كما أشارت التوقعات السابقة.
وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يبدو أن تدهور مراكز المالية العامة قد توقف، وإن كان التحسن المتوقع يعتمد بشكل أساسي على التطورات في أسواق السلع الأولية. وتقوم البلدان المصدرة للنفط بتنفيذ خطط تقشفية كبيرة لتحقيق الاتساق بين النفقات والإيرادات، ومن المتوقع أن يهبط عجز ماليتها العامة بنحو 150 مليار دولار أمريكي بين عامي 2016 و2018 "على أن يكون التحسن في العام المقبل مستمدا من الرصيد غير النفطي في الأساس". وفي البلدان المستوردة للنفط، يُتوقع بقاء عجز المالية العامة مستقرا بشكل عام كنسبة من إجمالي الناتج المحلي في 2017، ثم يبدأ الضبط المالي بالتدريج على المدى المتوسط.
وتشوب آفاق المالية العامة العالمية أجواء من عدم اليقين بشأن السياسات المستقبلية والمخاطر التي تهدد الاقتصاد الكلي. ومما يسهم في عدم اليقين بشأن السياسات عدم وجود تحديد دقيق لحجم التحفيز المالي المتوقع والعناصر التي يتألف منها في الولايات المتحدة، وإجراء عدد من الانتخابات في أوروبا، إضافة إلى مؤتمر الحزب الشيوعي المرتقب في الصين. وفي اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، يمكن أن تتفاقم مخاطر الديون وتتحقق الالتزامات الاحتمالية، ولا سيما المرتبطة بالضمانات الحكومية الضمنية على اقتراض الشركات، إذا زادت سرعة ارتفاع أسعار الفائدة وحدثت زيادة كبيرة في سعر الدولار الأمريكي وانخفضت أسعار السلع الأولية.
أُعيد تقييم دور سياسة المالية العامة في العقد الأخير على أثر ظروف محددة من أبرزها الأزمة المالية العالمية، إضافة إلى الأبحاث الأكاديمية الجديدة التي استخدمت بيانات الاقتصاد الكلي والدراسات المسحية. ويُنظَر إلى سياسة المالية العامة عموما باعتبارها أداة فعالة لتشجيع النمو الاحتوائي ويمكن أن تسهم في استقرار الاقتصاد، ولا سيما أثناء فترات الركود العميق وحين تصبح السياسة النقدية أقل فعالية. وفي الوقت نفسه، تزداد أهمية الإدارة المالية العامة السليمة مع ارتفاع مستويات الدين ووجود تحديات ديمغرافية طويلة الأجل وزيادة المخاطر التي تواجه المالية العامة. وعلى وجه الخصوص، ينبغي أن ترتكز السياسات على إطار موثوق للمدى المتوسط يضمن بقاء الدين في حدود يمكن تحملها، وإدارة المخاطر بكفاءة، وتشجيع البلدان على بناء هوامش أمان أثناء فترات الصعود الدوري. وعلى وجه الإجمال، هناك ثلاثة أهداف رئيسية ينبغي الاسترشاد بها في إدارة سياسة المالية العامة، وإن كانت محدودية موارد الموازنة والمفاضلات التي قد يتعين إجراؤها تشكل قيدا على قدرة الحكومات على تحقيقها بشكل متزامن.
يجب أن تعتمد الاستجابة المالية المضادة للاتجاهات الدورية على أدوات الضبط التلقائي بصفة أساسية وأن تتسم بالاتساق "أي تتوسع في أوقات العسر وتتقشف في أوقات اليسر". ومع ذلك، يمكن استخدام الدعم المالي الاستنسابي إلى جانب الإصلاحات الهيكلية واستمرار التيسير النقدي في البلدان التي تعاني ضعفا في الطلب لفترة مطولة وقيودا على سياستها النقدية، مثل اليابان، وذلك لكسر دائرة الدين والانكماش عن طريق رفع إجمالي الناتج المحلي الاسمي. وفي منطقة اليورو يتطلب المركز الدوري المجمع اتخاذ موقف أكثر توسعا بقليل في عام 2017، لكن تحقيقه سيكون صعبا دون طاقة ضريبية مركزية.

إنشرها