FINANCIAL TIMES

جوردون براون: علاقتي ببلير لم تتعاف قط

جوردون براون: علاقتي ببلير لم تتعاف قط

جوردون براون انتظر سبعة أعوام للوصول إلى 10 داونينج ستريت. الرجل الذي اعترف بأنه لم يُتقن قط القدرة على نحت صورته العامة في 140 حرفاً، قدّم أخيراً روايته الخاصة عن حياته السياسية التي انتهت بهزيمة انتخابية وخيبة أمل ساحقة في عام 2010.
انسجاما مع سمعته، قاوم رئيس الوزراء الأسبق من حزب العمال، الضغوط المعتادة لإصدار مذكرات فورية. على نحو محبط للقارئ العابر "وربما الناشر"، قاوم أيضا إغراء الانخراط في كثير من الشائعات. ما يعطيه براون بالفعل هو نوع من تصفية الحسابات، وانتقاد الذات أكثر مما قد نتوقع، وشعور بإحباط عميق أن انتظاره الطويل ليُصبح رئيسا للوزراء انتهى بكفاحه للتكيف مع الوظيفة ورؤية إرثه الاقتصادي ينهار.
سيتم تذكّر فترة رئاسة براون على أنها حاشية لاحقة لأعوام توني بلير. في كل مكان في كتاب "حياتي عصرنا" الذي يدل على الندم، هناك أدوار لبلير الذي أبقاه فترة لا بأس بها في انتظار الوظيفة العُليا، وللديمقراطيين الليبراليين الذين رفضوا إبرام اتفاق ائتلافي معه بعد خسارته أغلبية مجلس العموم، ولمُحافظ بنك إنجلترا، ميرفين كينج، الذي أعطى الصدقية لخطة منافسه، ديفيد كاميرون، التقشفية. لكن براون، بعد عشرة أعوام على توليه منصب رئيس الوزراء في عام 2007، استنتج أنه فشل في نهاية المطاف لأنه لم يتمكن من تبني سياسة "رقيقة". وهو يدعي أن هذا كان بسبب "شعور داخلي بأن ما كان مهماً لم يكُن ما قلته عن نفسي، لكن ما يُمكن أن تفعله حكومتنا لبلادنا".
براون، المولود في عام 1951، ابن كاهن كنسية، من فايف "في اسكتلاندا"، اكتسب شعوراً بالمهمة السياسية بعد أن أدرك "مستويات البطالة والحرمان" في وسط اسكتلندا. في كتابه "حياتي، عصرنا"، يصف حياة مبكرة سعيدة "ركّزت على ممارسة الرياضة أكثر من الدراسة"، وهو يعبر بشكل مؤثر عن كيف تركته إصابة أثناء لعبة الرجبي لا يرى بعينه اليسرى وأضعفت قدرة اليُمنى على الإبصار. وفي عام 2009، في داونينج ستريت، خشي أنه ربما كان على وشك خسارة نظره بالكامل.
ما لا شك فيه أن الجدية الأخلاقية كانت مهيمنة على الحياة المهنية لبراون. لكن العرض الذاتي في "حياتي، عصرنا" - عن رجل المبادئ غير المستعد للمشاركة في تفاهات السياسة الحديثة - ليس صحيحا بالكامل. قبل كل شيء، جاذبية براون عندما تولى المنصب من توني بلير كانت أنه لم "يكُن براقا، مجرد جوردون"، العبارة التسويقية التي استخدمها فريقه لإظهار مدى اختلاف وزير المالية السابق عن رئيسه السابق المهووس بالتغطية الإعلامية. الشعب في البداية أحب نهجه العملي الصريح.
ما من أحد أجبر براون على ممارسة عمله اليومي في داونينج ستريت في "غرفة حرب" مُحاطة بشاشات تلفزيون. هذه البدعة أُلغيت على الفور من قِبل كاميرون.
كذلك تجربة أنجيلا ميركل لا تُشير إلى أن كشف النفس الداخلية للشخص على وسائل الإعلام الاجتماعية هو الطريقة الوحيدة لتحقيق النجاح في السياسة الحديثة، رغم أن براون يُشير إلى أن المستشارة الألمانية تغلّبت على تحفّظها الطبيعي "ربما بدون قصد" من خلال صقل صورتها باعتبارها "موتي" - أم الأمة.
براون لديه عذر آخر: أنه كان اسكتلندياً فوق الحد. يكتب "ربما يتبين أن عام 2007 هو العام الأخير الذي يُصبح فيه شخص اسكتلندي رئيساً لوزراء المملكة المتحدة". قد يكون محقاً، على الرغم من أن شعبية روث دافيدسون، زعيمة حزب المحافظين الاسكتلندية المشاكسة، قد تختبر نظريته قريباً.
لكن كل هذا يُخفي سبباً أبسط لفشل براون النهائي رئيسا للوزراء. مرت الأشهر في الوقت الذي كان فيه الهتافون من وسائل الإعلام وأعضاء البرلمان ينتظرون منه وضع أجندة يسار الوسط الخاص به، الأجندة التي يُفترض أن بلير قمعها. لكن مساعي براون في وقت متأخر من الليل في داونينج ستريت غالباً لم يكن يبدو أنها تولد شيئا يذكر بخلاف بعض الوعود بتوفير "الوظائف البريطانية للعاملين البريطانيين"، وخطة لرفع أعلام الاتحاد على المباني العامة ومخطط لمستشفيات "نظيفة جداً".
يقول إن "ندمه الأكبر" كان فشله في إقناع الشعب البريطاني بأن سياسته التقدمية هي أفضل استجابة للانهيار، وليس عقدا من التقشف الذي افتتحه انتصار كاميرون في انتخابات عام 2010. ويُصر براون على أن حزب العمال لم يقترض مبالغ فوق الحد ولم ينفق فوق الحد قبل الانهيار، وأن مهاراته الضعيفة في الاتصال فقط هي التي فشلت في إقناع الشعب بتصديق روايته "الاستثمار من حزب العمال مقابل التخفيضات من حزب المحافظين". الذين في الخندق يتذكرون أن المشكلة الأساسية لم تكُن عدم وجود اتصال بل عدم وجود خطة.
بالنسبة إلى الذين يأملون في اكتشاف سبب وصوله إلى مقر الرئاسة وهو غير مستعد إلى هذه الدرجة، كتاب براون يكشف لنا عن القليل: تعمُّق بَحْثِه في داخل ضميره يقطع شوطا محدودا فقط. وهو يُحيي ادّعاءه بأن بلير خالف "المفاهمة الصريحة، لكن التي قيلت بينهما في محفل خاص" أنه سيُغادر مقر الرئاسة في وقت ما من فترة ولايته الثانية، لكنه أنه أبقى براون ينتظر فترة أطول، بالتالي قوته السياسية تلاشت مع مرور الوقت.
في أماكن أخرى يبدو براون في حالة إنكار ويفشل في تسليط ضوء جديد على بعض من أحداثه الأكثر إثارة للجدل في حياته المهنية، مثل ما يُسمى "مؤامرة بيت الكاري" في عام 2006 من قِبل بعض الحلفاء، الذين استقالوا بشكل جماعي للضغط على بلير. براون، وهو أستاذ في المكر السياسي، ينفي أنه كان على علم بالمؤامرة: يقول "لقد ساعدتُ بتهدئة التمرد".
القرّاء مدعوون إلى تصديق أن أحد أسباب تخلّي براون عن خطته لإجراء انتخابات مبكرة في عام 2007 لم يكُن لأنه كان يفتقر إلى الشجاعة للدخول فيها، لكن لأنه اكتشف في اللحظة الأخيرة أن حزب العمال لا يستطيع تحمّل تكاليف إجراء حملة. يكتب "اكشتفتُ الآن، على نحو يثير انزعاجي الشديد، أنني ورثت منظمة حزبية حيث حالة مواردنا المالية الخطرة وضعتنا على بُعد خطوة واحدة من الإعسار المالي".
على الرغم من أن مثل هذه الروايات مُحبطة، إلا أن هناك أيضاً شعورا بأن براون ربما يكون بشكل عام قاسياً قليلاً على نفسه. فهو يدعي أنه كان رئيس الوزراء غير المناسب لعصر وسائل الإعلام الاجتماعية - لكنه بلا شك كان الشخص المناسب، في الوقت المناسب، للتعامل مع الأزمة المالية لعام 2008. وفي حين إن براون يقبل بعض الانتقاد لعدم تنظيم الحي المالي في لندن بشكل أكثر فعالية عندما كان وزيراً للمالية، إلا أنه ارتقى لتحدي التعامل مع الأزمة وذلك منح فترة رئاسته هدفا كان مفقودا حتى ذلك الحين؛ حشده الجهود لاستجابة دولية في قمة مجموعة العشرين في لندن في نيسان (أبريل) 2009 سيذكره التاريخ على أنه أفضل أوقاته. يقول "ربما نكون قد أنقذنا العالم من كساد عظيم ثان".
الأعوام العشرة التي قضاها في وزارة المالية تميّزت بنمو قوي واثنين من القرارات المهمة - إنشاء بنك إنجلترا المستقل وإحباط محاولة بلير إشراك بريطانيا في اليورو. يكتب "علاقتي ببلير لم تتعاف قط في الواقع". يعترف براون بارتكاب أخطاء عندما تولى منصب وزير المالية، ولا سيما القرار المشؤوم بإلغاء الحد الضريبي الأدنى على الدخل بنسبة 10 في المائة، لكن فترة ولايته كانت مصحوبة أيضاً بوضع الحد الأدنى الوطني للأجور وتجديد ضخم للمجال العام في بريطانيا.
"صاحب القبضة الحديدية الخافتة" هو أيضاً سخي بشكل مفاجئ تجاه الذين اشتبك معهم بشكل متكرر خلال فترة عمله في السياسة، بمن في ذلك أليستير دارلينج، وزير ماليته، وحتى مع بلير في بعض الأحيان، علماً أن علاقتهما السياسية امتدت إلى 24 عاماً بالغة الخطورة ومُنتجة بشكل عام في المعارضة وفي الحكومة.
كان براون لا يزال يملك فرصة واحدة في جعبته. بعد أربعة أعوام من مغادرة مقر الرئاسة بدا أن اسكتلندا تتجه نحو الاستقلال عندما خرج من مخبئه على ضفاف نهر فورث عشية الاستفتاء في البلاد. كنتُ هناك في القاعة في منطقة ماريهيل في جلاسجو عندما صعد براون إلى المنصة لمخاطبة النشطاء المؤيدين للاتحاد، الذين كانت وجوههم ممتقعة بعد أسابيع من الإساءة وإخبارهم أنهم ليسوا "اسكتلنديين حقيقيين". كان براون يرتجف من الحدة. دمدم قائلاً "ارفعوا رؤوسكم عالياً".
"دعونا نُخبر القوميين أن هذا ليس علمهم، ولا بلادهم، ولا ثقافتهم، ولا شوارعهم". الرعد في صوته اندرج في تصفيق حار في القاعة الفيكتورية القديمة. كتاب براون هو تذكرة بمدى الإحباط الذي يمكن أن يُشعِر به الآخرين. لكن كما تبين من كلمته في ماريهيل، إنه حين يكون رائعا، فإنه يكون رائعا تماما بالتأكيد.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES