FINANCIAL TIMES

النفط يطوي صفحة الأسعار الضعيفة

النفط يطوي صفحة الأسعار الضعيفة

في الوقت الذي زحف فيه مؤشر الحرب الباردة في الشرق الأوسط إلى أعلى بشكل مطرد في الأسبوع الماضي، كانت سوق النفط سريعة في الانتباه لذلك: ارتفعت الأسعار إلى نحو 65 دولارا للبرميل للمرة الأولى منذ عام 2015.
لكن إلى جانب حملة مكافحة الفساد في السعودية والتطورات الأخيرة في المنطقة هناك أدلة متزايدة في الخليج تشير إلى أن القوة المتجددة للنفط تعود إلى ما هو أكبر من تصاعد وتيرة المخاطر السياسية.
على بعد أكثر من 112 كيلو مترا جنوب شرق مضيق هرمز – أهم مضائق العالم التي تمر منها إمدادات النفط - تسلط رحلة واحدة لأكبر السفن في العالم الضوء على السبب في أن كثيرا من تجار الطاقة يعتقدون أن صعود النفط يمكن أن يدوم، حتى في حال انخفاض الحرارة السياسية.
"سي ويز لورا لين"، وهي ناقلة نفط عملاقة طولها يعادل ارتفاع مبنى إمباير ستيت، ظلت راسية قبالة ساحل عمان منذ أكثر من عامين، وهي محملة بشحنة تحوي أكثر من ثلاثة ملايين برميل من النفط الخام.
دائما ما كانت هذه السفينة الفريدة من نوعها تعتبر انتصارا للحجم على المنطق. بحجم يزيد نحو 50 في المائة على ثاني أكبر ناقلة نفط، تعد السفينة "سي ويز لورا لين" واحدة من اثنتين فقط من ناقلات النفط الخام العملاقة جدا التي لا تزال تعمل في المحيطات ـ نظيراتها من الناقلات تم تحويلها منذ فترة طويلة إلى مكان تخزين ثابت وإلى سفن لخدمات التفريغ لحقول النفط الموجودة في البحر.
لكن كونها فريدة من نوعها يمنحها مكانة خاصة في سوق النفط، ويجعل تحركاتها توفر أدلة تشير إلى الطريقة التي ينظر بها أقوى التجار إلى مدى سلامة عملية العرض والطلب.
"فيتول"، الشركة التي يديرها التنفيذي، إيان تايلور، التي يوجد مقرها في بريطانيا، سارعت إلى استئجار تلك السفينة عندما اشتدت تخمة النفط في مطلع عام 2015، في الوقت الذي هوت فيه الأسعار من أكثر من 100 دولار للبرميل إلى أقل من 30 دولارا.
الشركة أوقفت السفينة بالقرب من مضيق هرمز وعبأت خزاناتها العملاقة بكمية من النفط الخام رخيص الثمن مقدارها ثلاثة ملايين برميل، بغية تخزينه حتى تنتعش الأسعار، وتحقيق أرباح ضخمة في سوق العقود الآجلة في الوقت الذي انتشرت فيه حالات مماثلة من التخزين العائم في مناطق إنتاج النفط في جميع أنحاء العالم.
بعد مضي عامين، مع تقليص كل من منظمة أوبك وروسيا إمدادات النفط بواقع 1.8 برميل يوميا منذ شهر كانون الثاني (يناير) في محاولة لإنهاء تخمة النفط، تم منذ ذلك الحين سحب معظم الخام المخزن في البحر في الوقت الذي ازداد فيه ببطء الشح في السوق.
مع ذلك صمدت "فيتول" وأبقت "سي ويز لورا لين" بكامل حمولتها تماما قبالة ساحل الإمارات وعُمان، حتى عندما عمل شح السوق على تراجع ربحية تخزين النفط - وأشارت إلى أنها غير مقتنعة بعد بأن انتعاش النفط في عام 2017 يقوم على أسس متينة.
وحتى في آب (أغسطس) عندما تحول مؤشر خام برنت إلى هيكل معروف باسم الميل إلى التراجع، حيث تكون الأسعار الفورية أعلى من الأسعار الآجلة، ما يؤدي إلى إزالة مقدار التغير الذي يسمح للتجار بجني أرباح سهلة من خلال أماكن التخزين، بقيت السفينة محملة بشحنتها.
لكن هذا الأسبوع تراجعت "فيتول" أخيرا. وفقا لتعقب الأقمار الصناعية لتحركاتها وإبحارها، تظهر الناقلة أن الشركة قررت بشكل مفاجئ تفريغ معظم حمولتها من النفط، ما أدى إلى رفع جسمها البالغ طوله 380 مترا خارج مياه البحر.
وبحسب أشخاص مطلعين على العمليات التشغيلية للسفينة، تم تحميل معظم حمولتها على ناقلات أصغر حجما لإيصالها إلى المصافي المتعطشة، التي يتعين عليها أخيرا، بعد مرور ثلاث سنوات من تخمة النفط، أن تزيد الأسعار التي تدفعها مقابل الحصول على براميل النفط التي تحتاج إليها.
وجاء قرار تفريغ الحمولة عندما حلق الطلب على النفط عاليا، بمساعدة انخفاض الأسعار وبعض النمو الاقتصادي العالمي الأقوى منذ الأزمة المالية. كما كانت الصفقة التي تقودها منظمة أوبك فاعلة أيضا في تقليص كميات المخزون الذي يتوقع أن يتقلص أكثر في وقت لاحق هذا الشهر.
هذه إشارة واضحة إلى أنه ربما تكون عناوين الأخبار الرئيسية هي التي تدفع أسعار النفط إلى أعلى بسبب التوترات المتزايدة بين السعودية وإيران وحزب الله والميليشيات الحوثية، يعتقد كثير من تجار النفط أن السوق دخلت فعليا في مرحلة جديدة.
ومع أن كمية النفط الخام التي تم تفريغها من السفينة ربما تكون في النهاية مجرد قطرة في بحر – على اعتبار أن "فيتول" أكبر شركة مستقلة لتجارة النفط في العالم تتداول بأكثر من سبعة ملايين برميل من النفط يوميا - إلا أن أهميتها تفوق كثيرا عدد البراميل.
الطلب في ارتفاع، والمخزونات متناقصة، ويبدو أن التخزين البحري أصبح من الماضي، حتى بالنسبة إلى أكبر المشغلين وأكثرهم خبرة. في هذه الحالة، حتى إن خفت وتيرة التوترات في الشرق الأوسط، يتهيأ تجار النفط لأيام أفضل بالنسبة إلى النفط الخام.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES