Author

كيف وقف الفساد في وجه الاقتصاد والتنمية؟

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

معلوم لدى الجميع أن آفة الفساد أحد أكبر المعوقات إن لم تكن أكبرها وأخطرها، فالفساد يقف حجر عثرة كأداء في وجه أي تقدم مأمول للاقتصاد والتنمية في أي بلد حول العالم، ومعلوم أيضا أن وجوده واستشراءه أسهما بدرجة كبيرة جدا في تشكل كثير من التحديات والمعوقات التنموية الأخرى، كتفاوت الدخل الكبير بين شرائح أفراد المجتمع، وتسببه في تفشي أنماط الفقر وارتفاع المديونيات على الشرائح الأدنى والمتوسطة الدخل، ما يسهل استسلامها لإغراءاته لاحقا والوقوع فريسة سهلة المنال له.
كما أسهم الفساد في تفاقم تحديات تنموية أخرى ثقيلة الوزن؛ كتحديات احتكار الأراضي وزيادة اكتنازها، سواء عن طريق الاستحواذ المخالف نظاميا على مساحات هائلة منها، أو عن طريق تخزين الأموال والثروات الطائلة التي توافر جزء منها من متحصلات الفساد، وكلا الطريقين كان حتى وقت قريب بعيدا تماما عن الرقابة والمتابعة والرصد الحكومي، ما أسهم بدوره في تشكل أزمة الإسكان محليا، وأسهم أيضا عبر تشحيح المعروض من الأراضي مقابل تنامي الطلب الإنتاجي والإسكاني في زيادة مفرطة في الأسعار، وزيادة تابعة لها في تكلفة الإيجارات التجارية والسكنية على حد سواء، وتسببها في ارتفاع متسارع لتكلفة الإنتاج والتشغيل وتكلفة المعيشة.
كما أسهم الفساد عبر تفتيته الخفي والفتاك لأشكال المنافسة الشريفة في بيئة الأعمال، في زيادة تحديات التوظيف بصورة عامة، وتوطين فرص العمل في القطاع الخاص بصورة خاصة، كيف لا، وقد أوجد مخارج سرية للهروب من القيود والضوابط النظامية، مكنت أي مخالف أو معارض لتلك الأنظمة الهادفة للتوطين من التهرب منها، بل التورط في أشكال أخرى من المخالفات النظامية كالتوطين الوهمي، والظهور بصورة أزهى حتى من المنشآت المتقيدة بمعايير التوطين، ومنح تلك المنشآت المخالفة مراكز متقدمة غير مستحقة لها، مكنتها بوجه غير مشروع من التفوق على المنشآت الملتزمة وغير المخالفة!
الخلاصة؛ أنك إذا بحثت وراء أسباب أغلب التحديات التنموية الراهنة، فإنك ستجد شبح الفساد جاثما خلفها كالمارد العملاق. والأهم من كل ذلك أننا سنكتشف أن أية سياسات أو برامج لحلول مقترحة لتلك التحديات التنموية، سرعان ما ستشاهد سقوطها المدوي، وفشلها في تحقيق الأهداف المأمولة، نتيجة غياب المعالجة الجذرية لأشكال الفساد الجاثمة في الخلف، التي كما أنها تسببت بداية في وجود تلك التحديات وتحولها إلى أزمات تنموية واقتصادية واجتماعية، فإن استدامة وجودها واتساع دوائره الخفية، أسهما أيضا في زيادة مناعة تلك التحديات أمام أي حلول أو سياسات لحلها ومعالجتها.
لا غرابة أبدا أن تشاهد قريبا تهاوي وانهيار كثير من تلك التحديات التنموية الكأداء (فقر، بطالة، أزمة إسكان، غش وتستر تجاري ... إلخ)، بعد أن بدأت الدولة بالتعامل الجاد والجسور مع الفساد من قمة رأسه، والانطلاق من الأعلى نحو الأسفل، والدخول في تفاصيل مبهمة لعالم خفي طالما غابت عنه يد النظام والعقاب، أؤكد لا غرابة أن نرى جميعا كيف سيتهاوى كثير من تلك التحديات التنموية، أو التشوهات الهيكلية بمعنى أدق، بعد أن قامت الدولة بقطع الشريان الرئيس المغذي لوجودها!
ولا غرابة أيضا أن نشهد جميعا انفتاح كثير من الفرص الاقتصادية والاستثمارية المجدية أمام الجميع على قدم من العدالة والمساواة والمنافسة، وتقدم كثير من المزايا الإيجابية لتلك الفرص إلى الأمام، بعد أن غيبتها لعقود طويلة آفات الفساد خلف كثير من الجدران والمعوقات، التي سيسهم استثمارها بصورة كبيرة جدا في تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي، ويسهم أيضا في زيادة ممكنات النمو الاقتصادي وتنويع قاعدته الإنتاجية، وإيجاد فرص العمل المجدية أمام أفراد المجتمع دون تمييز أو إقصاء لأحد، وهو الأمر الذي لا يتطلب سوى منحه وقتا كافيا ليأخذ مفعوله وتأثيره، وهو الأمر الذي قد لا يستغرق أكثر من عقد من الزمن من تاريخه، علما بأن الإيجابيات المنتظرة ستتدافع مرحلة بعد مرحلة، حتى يكتمل بناء منظومة الاقتصاد الوطني بناء على الأسس الجديدة، الأسس النقية من أشكال الفساد بكل أنماطه وتشوهاته وأخطاره، وهو ما يجب أن يكون مستقرا في أذهان الجميع والأطراف كافة. والله ولي التوفيق.

إنشرها