Author

هل الفساد يرفع الأسعار في السوق؟

|
كبير الاقتصاديين في وزارة المالية سابقا

إذا كانت السلعة أو الخدمة غير المسعرة حكوميا يبيعها أو يعرضها كثيرون سواء بالجملة أو التجزئة، حيث يستبعد وجود تواطؤ أو اتفاق بينهم يتحكمون من خلاله في الإنتاج أو السعر، فإنها تعتبر سلعة في سوق تنافسية. طبعا بافتراض أن المشترين كثيرون. وأهم نتيجة للسوق التنافسية أن السعر ولو بالتقريب موجود أصلا في السوق، وهو الذي يفرض نفسه على البائع وليس العكس. هذه النقطة لها تفاصيل كثيرة، توضح من خلال مصطلحات وعبارات لفظية وأساليب بيانية وكمية في كتب نظريات الاقتصاد الجزئي، أو نظرية السعر. وكلها لا تخلو من تعقيد.
والسوق التنافسية لا تمنع من وجود حالات استغفال واستغلال فرد أو أفراد بعينهم. ولكنها ليست الحالة العامة في السوق.
التنافس لا يمنع ارتفاع أو انخفاض الأسعار. ولكنه يكون ارتفاعا أو انخفاضا عاما، نتيجة مؤثرات في العرض والطلب في السوق التنافسية. أي أن الارتفاع أو الانخفاض لأسباب خارجة عن إرادة بائع أو بائعين بأعينهم. وبهذا فسر جمهور الفقهاء امتناع الرسول صلى الله عليه وسلم عن التسعير عندما غلا السعر وطلب منه بعض الصحابة رضوان الله عليهم التسعير.
أمثلة لسلع سوقها تنافسية: إنتاج المزارع الكثيرة الذي يطرح للبيع في الأسواق ــ الوحدات السكنية من شقق وغيرها المعروضة للبيع أو الإيجار داخل المدن ــ السلع التي تباع في الأسواق المركزية "السوبر ماركت" ــ السيارات المستعملة في معارض السيارات ــ الصيانة في محال وورش الصيانة.
هل يتصور أن يرفع الفساد سعر السلعة؟ وللتذكير، السلع المسعرة حكوميا خارج النقاش.
نعم يتصور ولكن ليس في كل فساد، بل في حالات اعتمادا على طبيعة السوق. وهنا أذكر بعضها، والمقام لا يتيح مجالا للإطالة أو الحديث عن غيرها.
حالة أولى فساد يؤدي إلى رفع تكلفة إنتاج أو تكلفة بيع ما يقبل أن ينتج. مثلا، لنفترض أن معامل كثيرة لسلعة ما عليها رقابة من جهة حكومية واحدة، وأن الجهة المسؤولة عن الرقابة فاسدة، ما يضطر تلك المعامل إلى الدفع لها زيادة على المفترض نظاما. وما يدفعونه طبعا يزيد التكاليف عليهم، مثله مثل زيادة تكاليف اليد العاملة أو غيرها عليهم. وزيادة التكاليف ترفع ولو جزئيا أسعار منتجات تلك المعامل.
حالة ثانية: فساد لا يرفع التكلفة، ولا السعر على المشتري في السوق التنافسية، ولكنه يخفض أرباح صاحب الحلال. مثال، لنفترض مندوب مشتريات في أحد المعارض، يشتري من سوق الجملة سلعة تبيعها معارض كثيرة على المستهلكين. أي أن سوقها تنافسية، ما يعني أن أسعارها بالتجزئة معروفة في السوق. ولنفترض أن مندوب المشتريات يدعي لصاحب المعرض أنه يشتري سعر "الدرزن" بالجملة بـ30 ريالا، بينما السعر الحقيقي 28 ريالا. الحصيلة أن مندوب المبيعات يختلس من أرباح صاحب المعرض، ولكن السعر على المستهلك لم يتأثر.
حالة ثالثة: تلقي الركبان الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم. ومعناه تلقي من يقدم إلى المدينة ليبيع سلعته، وربما يستغل جهله بالسوق ويشتري منه بسعر بخس أقل من السعر الذي سيبيع به لو ذهب إلى السوق. تلقي الركبان يقلل من ربح صاحب الحلال، ولكنه لا يرفع السعر على المشتري النهائي، إذا كانت السلعة تنافسية. ويشبهه ما يحدث في حراج السيارات حيث يتلقى سماسرة زبائن وربما اشتروا منهم بسعر بخس أقل من سعر السوق.
حالة رابعة: مزادات وهمية. نعرف وجود اتهامات بوجود مزادات وهمية عند بيع أراض. هل ترفع هذه المزادات أسعار الأراضي على المشتري النهائي؟
المزادات سواء كانت وهمية أو غير وهمية لا ترفع الأسعار على المستفيد أو المشتري النهائي في السوق التنافسية، أي التي فيها بائعون ومشترون كثيرون. ولكن الوهمية تغير في توزيع الأرباح بتقليل أرباح بعض البائعين والوسطاء والسماسرة والدلالين على حساب البعض الآخر. وفي هذا هي تشبه حالة فساد موظف المشتريات في المعرض أو حالة تلقي الركبان.

إنشرها