Author

«حتى لا تكون فتنة»

|

يتميز الشعب السعودي عن غيره من شعوب المنطقة بأنه شعب لا يحترف السياسة كثيرا، ولا يبحر في دهاليزها ومنعطفاتها الملتوية، ولكنه شعب يحب أن يبحر في دينه الحنيف ويتسلح بمبادئه الوسطية السمحاء، ويلتهم علومه الغراء، إنه باختصار شعب متدين يحب دينه الإسلامي ويفتديه بإخلاصه وولائه.
ولذلك حينما ظهرت جماعة الصحوة في عام 1379 وهي تلبس رداء الدين الإسلامي، ثم ظهرت أجيال الصحوة بين المجتمع السعودي راجت أفكارهم الملتوية المنحرفة وتلقفها المجتمع السعودي بسرعة ــ عن حسن نية ــ وانتشرت في كل طبقات المجتمع السعودي كما تنتشر النار في الهشيم.
والمؤسف أن جماعة الصحوة نجحت على مدى ثلاثين سنة في إخفاء قناعها السياسي البشع الذي كانت ترتديه، فمثلا كانت هذه الجماعة تضع في أجندتها قضية رفض الأنظمة السياسية العصرية كالنظام الجمهوري، والنظام الفيدرالي، بل حتى النظام الملكي الذي ننعم فيه. كانت الجماعة ترفضه وتتحين الفرص للتخلص منه، والأبشع من ذلك كانت الجماعة تستهدف استبدال النظام الملكي السعودي بنظام الخلافة الإسلامية، وتستبدل اسم المملكة العربية السعودية باسم بلاد الحرمين الشريفين، إلى غير ذلك من المظاهر السياسية الجوفاء التي تتعدى حدود الواقع المزدهر الذي تعيشه المملكة، وتنقلنا إلى عوالم من الظلامية الدامسة والجهالة السياسية المدمرة والغوص في شتى صنوف الإرهاب والقتل.
بإختصار شديد كانت جماعة الصحوة تحيك مؤامراتها السياسية التي تستهدف تدمير كياننا السعودي الرشيد، وتحل محله كيانا جاهلا مجهولا يدفع المجتمع السعودي إلى دياجير الإرهاب والظلام والتخلف. ولكن رحمة الله وسعت كل شيء وأدركت حكومتنا الرشيدة أن أكثر من نصف رجال الصحوة السعوديين هم ــ مع الأسف ــ أعضاء في المنظمات الإرهابية التي ترعاها حكومة قطر، وهي الحكومة التي تجند نفسها ونفيسها وتحيك المؤامرات الدنيئة لإسقاط النظام الملكي في مملكة الخير والإنسانية.
وإزاء هذا السفه من قبل جماعة الصحوة أعلن الأمير محمد بن سلمان أخيرا أن الحرب ضد جماعة الصحوة قد بدأت، وبدأت الآن، ونحمد الله سبحانه وتعالى أن الأمير محمد يملك في يده ملف المؤامرة الدنيئة التي كانت جماعة الصحوة تحيكها ضد هذا الكيان الإسلامي الرائد.
إن نموذج الخلافة الإسلامية الذي تسعى إليه جماعة الصحوة يتمثل بالضرورة في الصورة التقليدية النمطية للخليفة التي يكون فيها شخص واحد يتسمى بمسمى الخليفة، ويحمل ذلك اللقب المهيب بهيلمانه المتشعلق في الأبهة والكبرياء، كما تعبر عن ذلك الصور النمطية للخليفة التي نقرؤها في عناوين التاريخ، التي تبتعد كثيرا عن عهد الخلافة الراشدة. والفكرة الأساسية للخلافة ــ فيما قرأنا ــ عند جماعة الصحوة هي أن الوطن دار للمسلمين كافة، فلا وجود لحدود جغرافية تُقَطع الوطن وتوزع أشلاءه على مجموعة من الممالك أو المحميات، فمساحة الدولة تتوسع وتتقلص بحسب قوة السلطة وضعفها وقدرتها على التمدد والانتشار، كما كان ذلك يحدث في دول الخلافة الأموية والعباسية المتعاقبة على مدار تاريخنا الإسلامي المديد، أي أن مفهوم دار الإسلام الذي يعبر عن منطق الدولة الإسلامية القديمة يستمد هويته من مجموعة الأفراد القاطنين فيه، فهي أمة تقوم هويتها على الدين والعقيدة، ولا تستمدها من الجغرافيا أو الأرض، فالأرض متغيرة ودار الإسلام تتغير وتتبدل بناء على حركة الفتح والجهاد، وبناء على التمدد والتقلص على الأرض.
وعلى مدى تاريخ العصرين الأموي والعباسي قرأنا كثيرا من المآسي المؤسفة والمؤلمة، ولكن جماعة الصحوة تتحايل على تلك الأحداث بالفكرة الساذجة، فكرة التمدد والتقلص في الأرض.
وهذا من الناحية الواقعية غير معقول أو مقبول، وثبت أنه مجرد أضغاث أحلام رأيناها ولمسناها في التفكير الساذج لجماعة الصحوة وتطلعاتها الوهمية التي ذهبت أدراج الرياح.
ولعل من أخطر الأسس التي تقوم عليها الحركة الصحوية أن الولاء للعقيدة وليس للوطن، أي أن هذه الحركة ُتلغي من قلوب المواطنين قضية الولاء للوطن، بحيث يصبح الوطن في نفوس المواطنين مجرد مكان للإقامة والسكن قابل للتغيير والترحال، بمعنى أن جماعة الصحوة تلغي مقولة إن حب الوطن من الإيمان.
كذلك يؤمن الصحويون بوجوب الاقتحام المنظم لكل المنابر والمؤسسات لفرض السيطرة الصحوية على جميع القطاعات والمؤسسات، وبالذات السيطرة على الإعلام، ويعبر أحد رموز الصحوة عن ذلك بقوله إننا بحاجة إلى حركة جهادية في جميع مؤسسات الإعلام حتى تصنع الإعلام الصحوي الإسلامي الذي نأمل أن يكون بديلا عن الإعلام الليبرالي الذي تسيطر عليه الحكومات!
واضح تماما من هذه الأفكار التي يتغنى بها الصحويون أن الجماعة تعيش في عالم افتراضي حالم بعيد عن الواقع، ولذلك فإن المثقفين السعوديين سبق أن أطلقوا صرخة بعنوان "حتى لا تكون فتنة" في وجه جماعة الصحوة، وناشدوهم أن يراجعوا أنفسهم ويعودوا إلى سواء السبيل، ويتدثروا بالوطن، ويقلعوا عن ثقافة الكراهية، ويفسحوا المجال للرأي والرأي الآخر، ويقروا التعددية وحق الآخر في العيش والتعبير، ويكون الوطن واحة خير ومحبة للجميع، بعيدا عن نزق العنصرية والأحادية البغيضة التي نهى عنها ديننا الإسلامي الحنيف في قوله تعالى ".. وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، صدق الله العظيم.

إنشرها