أخبار اقتصادية- عالمية

إيران تنفق 10 مليارات دولار على التنظيمات الإرهابية في المنطقة سنويا

إيران تنفق 10 مليارات دولار على التنظيمات الإرهابية في المنطقة سنويا

لم ينف أي مسؤول إيراني دعم بلاده لما بات يعرف من قبل الخبراء والمحللين بالأذرع الخارجية، في إشارة إلى ثلاثة من أخطر التنظيمات المسلحة في العالم - الحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني والحشد الشعبي في العراق - بل يمكن لأي متصفح للإنترنت أن يجد عشرات ومئات التعليقات من مسؤولين إيرانيين، لا تقف عند حدود الإشادة اللفظية بالثلاثي التابع لها، وإنما بإقرار تام بأن طهران تدعم تلك التنظيمات معنويا وعسكريا وماليا.
ومقابل تلك الإشادة، لن تجد أي مسؤول إيراني يتطرق من قريب أو بعيد إلى حجم التكلفة المالية أو في الحقيقة العبء المالي الذي تمثله التنظيمات الإرهابية التي تدعمها على الميزانية الإيرانية، وحجم الخسائر الاقتصادية التي تتحملها إيران نتيجة مواصلة دعمها لتلك التنظيمات، أو إلى أي مدى تمثل المساندة المالية اقتطاعا من حصة التنمية التي يمكن أن توجه للشباب الإيراني.
لكن تناقض الخطاب السياسي للقيادة الإيرانية سواء من الحاكم الفعلي للدولة وهو المرشد الإيراني على خامنئي، أو للرجل الذي يحتل منصب الرئاسة حسن روحاني دون أن تتجاوز صلاحياته كثيرا ما يحدده له المرشد، هذا التناقض بين خطابهما السياسي الذي ينصب دوما على الالتزام برفع مستوى معيشة شعبهما، وبين واقع فعلي يشير إلى استنزاف ثروات المجتمع الإيراني لمصلحة مشروع توسعي يقوم على استخدام ما يعرف بالطابور الخامس في قلب العالم العربي للهيمنة عليه.
ويطرح هذا التناقض في الخطاب السياسي تساؤلات عدة تبدأ من حجم التكلفة المالية لدعم التنظيمات الإرهابية التابعة لها في قلب العالم العربي، ولا تنتهي عند البحث في التداعيات السياسة لتلك التكلفة على مستقبل إيران وشعبها، وبين سؤالي البداية والنهاية تقع عشرات الأسئلة قد تسمح الإجابة عنها برسم صورة حقيقية لمشهد إيراني داخلي معقد ومتشابك للغاية، لكن تفتيته وفضح لبناته الأساسية سيكشفان عن مسعى جاد ودؤوب لدولة تستغل المذهب وأتباعه أينما كانوا لتشييد أركان إمبراطورية، لن يحتل فيها هؤلاء الأتباع مهما علت أسماؤهم وارتقى شأنهم إلا الدرجة الثانية حتى إن أظهروا الولاء للإمبراطورية الفارسية وأحسنوا التبعية وأجادوا الأداء في خدمتها.
لكن سؤال التكلفة الذى تتحمله الخزانة الإيرانية لدعم تلك التنظيمات الثلاثة على سهولته يبدو أكثرها صعوبة وتعقيدا، إذ ينفي البروفيسور إسماعيل حسين زاده الخبير في الاقتصاد الإيراني بشكل قاطع القدرة على تحديد رقم بعينه بشأن إجمالي تكلفة دعم الاقتصاد الإيراني للتنظيمات الثلاثة التي تدعمها إيران في العالم العربي.
ويضيف لـ "الاقتصادية"، أنه لا يمكن وضع رقم محدد سواء تعلق الأمر بإجمالي قيمة الدعم المالي الموجه من طهران للتنظيمات الثلاثة أو لكل تنظيم بمفرده.
وحول أسباب صعوبة ذلك، يقول زاده: "أولا عملية الدعم المالي لا تتم بشكل رسمي يسجل في الأوراق الرسمية، ويظهر كبند واضح ومفصل في الميزانية العامة، وثانيا هناك أكثر من جهة في الدولة تسهم في عملية تمويل تلك التنظيمات بنسب مختلفة، وثالثا عملية الإسناد المالي لا تدخل ضمن الطرق التقليدية مثل تقديم أموال بشكل مباشر لقادة تلك التنظيمات، صحيح أنه أحيانا ما يحدث هذا، ولكن نظرا لاعتبار المجتمع الدولي بعض تلك التنظيمات إرهابية، والقلق الدولي من البعض الآخر باعتبارها تنظيمات موازية للمؤسسات الرسمية للدولة، سنجد أن الإسناد المالي الإيراني لها يتم بطرق ملتوية منها على سبيل المثال شراء الحكومة الإيرانية صفقات ضخمة من السجاد من التجار الإيرانيين ثم بيعها لبعض التجار اللبنانيين الداعمين لحزب الله بأسعار زهيدة للغاية، على أن يقوم هؤلاء بتصريفها في الأسواق المحلية وحتى الإقليمية أو الدولية وتمويل الحزب عبر الأرباح المحققة من عملية البيع، ورابعا في البلدان الثلاثة اليمن ولبنان والعراق لا توجد حكومات مركزية قوية ومن ثم لا يوجد نظام ضريبي أو مصرفي بالمعنى الحقيقي، حيث توجد رقابة صارمة من السلطات الحكومية على الإيداعات والتحويلات المالية، وفي كثير من الأحيان تقوم إيران بتمويل تلك التنظيمات بشكل غير مباشر عن طريق صفقات تجارية مع الأجنحة المالية لتلك التنظيمات المسلحة، التي اكتسبت خبرة كبيرة في أساليب التحايل المالي، ومن ثم يتم إدخال الأموال الإيرانية إلى مصارف الدول الثلاث بشكل مباشر ولكن تحت أسماء وعناوين وهمية".
ويستدرك زاده قائلا: " إن إيران تمول تلك التنظيمات بالسلاح، أو تقوم بسداد فواتير صفقات السلاح التي تعقدها تلك التنظيمات مع مافيا السلاح الدولية في أوروبا الشرقية وبعض بلدان أمريكا اللاتينية، وهذا كله يجعل من شبه المستحيل وضع رقم محدد بقيمة تمويل طهران لتلك التنظيمات الثلاثة".
ويشير زاده إلى أنه على الرغم من ذلك فإنه يمكن القول إن إجمالي التمويل الإيراني للتنظيمات الثلاثة سيراوح بين خمسة وسبعة مليارات دولار سنويا في الظروف الاعتيادية وفي فترات الهدوء النسبي، وهذا يمكن حسابه من العدد الإجمالي لأعضاء تلك التنظيمات حيث تدفع لهم إيران مخصصات مالية شهرية، وكذلك من حجم التوسع في الأنشطة التي تقوم بها تلك التنظيمات اجتماعيا لتجنيد المزيد من الأعضاء، أما في فترات الصدام والجبهات المفتوحة مثل التصدي السعودي للتمدد الإيراني في اليمن ولبنان أو الحرب التي يشنها الحشد الشعبي على بعض مكونات المجتمع العراقي تحت مسمى محاربة الإرهاب، فإن إيران تكون سخية للغاية مع التنظيمات الثلاثة، إذ يمكن أن تصل القيمة الإجمالية لعملية الإسناد المالي للحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي إلى ما يتجاوز عشرة مليارات دولار سنويا، وهذا لا يتضمن تكلفة التمويل بالأسلحة الثقيلة مثل الصاروخ الإيراني الذي استهدف المملكة أخيرا".
لكن البعض يعتقد أن ضخامة التكلفة المالية لتمويل طهران لتلك التنظيمات، بات يتجاذبها حاليا تياران رئيسان داخل المجتمع الإيراني، فالتيار الأول يصر على أهمية تلك التنظيمات لاستكمال المشروع الإيراني بتأسيس إمبراطورية قومية، وأن ما تدفعه إيران حاليا لتلك التنظيمات من أموال لا يقاس بحجم الفوائد التي ستجنيها لاحقا عند تأسيس الإمبراطورية والاستغلال التام للأسواق العربية، أما التيار الآخر فيناقش الأمر من زاوية ما يعرف بالبدائل المهدرة اجتماعيا نتيجة تمويل تلك التنظيمات في وقت تشهد فيه إيران أوضاعا مالية مضطربة.
جرهام فليمنج الباحث الاقتصادي يعتقد أن التيار الأول ويمثله المرشد والحرس الثوري الإيراني تختلط لديه الرغبة القومية بالمصالح الخاصة، فقادة الحرس الثوري الإيراني هم المهيمن الفعلي على المقدرات الاقتصادية للدولة، والتكلفة الحقيقية لتمويل الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي تعد أحد الأسرار الرئيسة للدولة تماما كالمشروع النووي، وهذا التيار يبني قناعته على أساس أن مشروع الطموح القومي لبناء الإمبراطورية الإيرانية هو المشروع الأعظم الذي يجب أن تسخر من أجله الإمكانات كافة، ومن ثم فإن عملية تمويل الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي مبررة اقتصاديا، حتى إن كانت على حساب انخفاض مستوى معيشة الإيرانيين".
ويضيف فليمنج: " لكن هذا جزء من المشهد، والجزء الآخر يرتبط بهيمنة الحرس الثوري على المقدرات الاقتصادية لإيران، وقد أوجد ذلك مجموعات مصالح داخل قادة الحرس الثوري، ترتبط مصالحها الاقتصادية باستمرار وتوسيع نطاق تمويل طهران لتلك التنظيمات حتى إن انعكس ذلك سلبا على مجمل الاقتصاد القومي".
ويشير فليمنج إلى أن قادة الحرس الثوري يحققون أرباحا شخصية ضخمة من تمويل تلك التنظيمات من أموال الشعب الإيراني، سواء تمثل ذلك في نهب جزء من تلك الأموال المخصصة لتلك التنظيمات بطرق غير مشروعة وفاسدة، أو عبر ما يمكن اعتباره شكلا من أشكال الابتزاز، إذ إن قادة الحرس الثوري ومن خلال تمويل قادة الحشد الشعبي على سبيل المثال يتحكمون فيمن سيكون في المناصب القيادية، وهؤلاء القادة بدورهم يقومون بدفع مبالغ أقرب إلى إتاوات لقادة الحرس الثوري المتنفذين في إيران لضمان توليهم المناصب القيادية، إذا فإن تبادل المصالح بين الطرفين يضمن استمرار شبكة التمويل الإيراني لتلك التنظيمات".
ويعتقد فليمنج أن التيار الثاني مدني بالأساس وهش وضعيف ويتساءل هذا التيار عن جدوى ضخ تلك الأموال في الوقت الذي ترتفع فيه مستويات البطالة بين الشباب الإيراني، ويتدنى مستوى المعيشة مقارنة بعديد من دول الجوار الجغرافي، وهذا التيار يتم قمعه بطريقة قوية ومنهجية تحول عمليا دون تبلوره إلى شكل من أشكال المعارضة المكتملة.
ومع هذا، فإن الخسائر الاقتصادية لإيران نتيجة استمرار عملية التمويل للتنظيمات المسلحة الموالية لها، باتت تلقي بظلال كثيفة على الاقتصاد الإيراني، فالمقاومة التي تلقاها تلك التنظيمات في مجتمعاتها تدفع إيران إلى ضخ المزيد من الأموال لها لتحول دون انهيارها، خاصة أن أغلبها فشل في إيجاد آلية مالية داخلية قادرة على التمويل الذاتي له بشكل دائم ومستمر، ودون الدعم المالي والعسكري الإيراني لتلك التنظيمات فإنه من المشكوك فيه أن تحظى بالقدرة على البقاء.
وثبت بالتجربة أن تلك التنظيمات لا تمتلك مقومات مالية مستقلة عن إيران، ففي عام 2014 اضطرت طهران إلى تقليص التمويل المالي لحزب الله، بسبب انخفاض أسعار النفط والضغوط المتزايدة للعقوبات الدولية في ذلك الوقت، وقد أثر ذلك على الأنشطة السياسية والاجتماعية والعسكرية للحزب داخل لبنان.
وفي كانون الثاني (يناير) عام 2015 اضطرت مؤسسة الخدمة الاجتماعية التابعة للحزب إلى خفض ميزانياتها، وتلقى الموظفون مدفوعاتهم بعد أشهر، وفي بعض الحالات تم تسريحهم، وتم تخفيض تمويل المنظمات المدنية الشيعية حتى السنية التي تدور في فلك الحزب، والاستثناء كان قيادة الحزب في سورية.
ويرصد الدكتور بادي مكارني عددا من الخسائر الاقتصادية الإيرانية نتيجة استمرار تمويل التنظيمات الإرهابية في الشرق الأوسط، ويوضح لـ "الاقتصادية"، أن المواطن الإيراني خاصة من الطبقة المتوسطة لم يشعر بتغيير حقيقي في أوضاعه الاقتصادية، رغم ادعاء الحكومة أن الأوضاع المعيشية ستتحسن نتيجة رفع العقوبات الاقتصادية الدولية عنها، وهذا يعود في جزء منه إلى سوء الإدارة الاقتصادية، إضافة إلى زيادة المخصصات المالية الإيرانية للتنظيمات الموالية لها في الشرق الأوسط.
ويضيف مكارني، أن تردي الأوضاع المعيشية وسوء الإدارة قد عززا حالة الإحباط المتزايدة لدى الإيرانيين خاصة الفئات الشابة، وأوجد حالة من الشعور بعدم الانتماء المجتمعي والعداء لأنماط إدارة الدولة.
وأشار مكارني، إلى أن الدعم المالي المتواصل ولسنوات من قبل الإيرانيين لتلك التنظيمات أوجد مراكز قوى تحتكر التعامل مع ذلك الملف سواء في الأجهزة الأمنية أو المؤسسة العسكرية وتحديدا الحرس الثوري أو في المؤسسات المالية المسؤولة عن توجيه تلك الأموال إلى تلك التنظيمات، دون أن تسجل في الوثائق الرسمية للدولة الإيرانية.
ويؤكد مكارني، أن تلك المراكز باتت تضغط وبقوة على الدولة نظرا لما تتمتع به من صلاحيات تستغلها سواء لتحقيق رؤيتها الخاصة أو مصالحها المالية المباشرة، ومن ثم باتت معرقلا لرؤوس الأموال المحلية الراغبة في الاستثمار، سواء بالحصول منها على ما يمكن وصفه بإتاوات مالية أو مشاركتها في النشاط الاستثماري تحت دعاوى احتياجات الأمن القومي.
ويرى مكارني، أن مواصلة طهران دعم تلك التنظيمات ماليا، أوجد مناخا من العداء مع جيرانها في منطقة الشرق الأوسط، وحد بشكل كبير من إمكانية استفادتها اقتصاديا من تعزيز علاقتها التجارية مع المحيط الإقليمي لها، ما أفقدها فرصا استثمارية ضخمة.
وفي هذا السياق، تحمّل الدكتورة روز بنيامين المجتمع الدولي وتحديدا الإدارة الأمريكية السابقة المسؤولية عما تصفه بزيادة قدرات إيران الإرهابية، وتضيف لـ "الاقتصادية"، أن الخطأ الجوهري في الاتفاق النووي الذي وقعته إدارة أوباما مع الإيرانيين حصر المشكلة الإيرانية في الملف النووي، وليس في جوهر السياسة الإيرانية القائمة على التدخل في شؤون الدول الأخرى.
وتشير روز إلى أن دعم إيران للمنظمات الإرهابية ازداد بشدة بعد رفع العقوبات الاقتصادية عنها، وعلى الرغم من أن ذلك يترك بصمات مكلفة اقتصاديا، إلا أن طهران تواصل المضي قدما في ذلك أملا في السيطرة على الأسواق السورية والعراقية واليمنية لاستيعاب منتجاتها الرديئة التي فشلت في اختراق الأسواق العالمية.
وترى روز أنه بقدر التصدي الشعبي والحكومي لتلك التنظيمات المسلحة ورفع التكلفة المالية والبشرية التي تتحملها إيران لدعم تلك التنظيمات، فإن الحرس الثوري الإيراني سيواصل دعمه لها، وسيعمل على قمع أي اعتراضات داخلية من استنزاف المقدرات الاقتصادية للبلاد لمصلحة مشروع توسعي ستستفيد منه مجموعة محددة من القادة الدينيين والعسكريين في الأساس.

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية