Author

تغلغل الفساد في عمليات ذوي العلاقة حكوميا

|
عضو اللجنة المالية والاقتصادية ـ مجلس الشورى
هذا المقال لا يهدف إلى التعريف بمشكلة المعاملات مع ذوي العلاقة في القطاع الخاص والشركات المساهمة، فهي قضية لها أبعاد متعددة، ونظام الشركات يلزم الشركات السعودية بالإفصاح عن مثل هذه العمليات، ولا يكاد يخلو تقرير لمجلس الإدارة من الإشارة إلى عمليات ومعاملات مع ذوي العلاقة، وهذا وصل إلى مراحل متقدمة في المعايير الخاصة بهذا الموضوع، لكن ما يجب الالتفات إليه اليوم ونحن نعلن الحرب على الفساد هو أهمية تطبيق معايير الإفصاح عن المعاملات مع ذوي العلاقة وتقييم تأثيرها بشكل صحيح في كل الجهات الحكومية بأنواعها. فمن المهم ونحن نحارب الفساد أن نطور الإجراءات والأساليب ونفهم الأسباب التي مكنت من اقتراف جريمة الفساد، بحيث يتم إغلاق الثغرات القائمة حاليا. الفساد في معناه الشامل ليس مقصورا على الاختلاسات المباشرة أو حتى سوء استخدام السلطة، بل هو في أساسه التحيز نحو فئة من فئات المجتمع دون وجه حق لأسباب متنوعة، من ذلك أن يعمل المسؤول الحكومي مثلا على ترسية عقود معينة على أفراد من قبيلته فقط، أو قد يوجه خدمات وزارته نحو منطقة بعينها لمجرد أنه ولد فيها أو أن له صلة قرابة هناك، وبعض المشاريع قد تنفذ في مناطق بعيدة ليس من أجل الخدمة بل فقط من أجل الحصول على بدلات معينة ومكافآت عن الساعات الإضافية، وبعض المشاريع قد تقبل لمجرد أنه تنشأ عنها فرص عمل لأشخاص مقصودين، وكثير من كبار الموظفين قد يستخدمون تأثيرهم ونفوذهم في الجهات الحكومية من أجل أن يتم التعاقد مع مؤسسات وشركات تتبع لهم مباشرة، وإن كانت مسجلة بأسماء غيرهم أو تتبع لأبنائهم أو أقاربهم، حتى لو تم الإنجاز بطريقة جيدة فإن هناك استغلالا مباشرا للسلطة. ورغم أنه لا يوجد نظام يمنع أي مؤسسة من التقدم للمنافسة على المشاريع الحكومية ولا يوجد ما يمنع أي شخص من المنافسة على وظيفة لمجرد أن هناك علاقة ما مع أحد كبار موظفيها، لكن في اعتقادي أن هذه مسألة تحتاج إلى مراقبة من أجل الحماية من الفساد الذي ينتج من العلاقات والقرابة بين المسؤولين وبين أصحاب هذه الشركات، وهنا أقترح أن يتم تطوير معيار للإفصاح عن المعاملات مع ذوي العلاقة من خلال التقارير التي ترفعها الجهات الحكومية إلى مجلس الوزراء، ويقوم مجلس الشورى بمناقشتها، بحيث توضح الجهة الحكومية حجم العمليات والمشاريع التي نفذتها مع جهات لها علاقة بالمسؤولين في الجهة، وأن يتم تقييم تأثير هذه العلميات والمشاريع من قبل ديوان المراقبة العامة. ليس هذا فحسب، بل يمكننا تطوير إجراءات أكثر صرامة في هذا الشأن بحيث أن يقدم كل مسؤول تقريرا سنويا عن المؤسسات التي تعمل في الجهة الحكومية وله علاقة بها، وأن يرفع هذا التقرير إلى المسؤول الأعلى في الوزارة أو الجهة الحكومية، وهذا سيمكن المسؤول الأعلى من تتبع القرارات وفهم أبعادها، كما يمكننا تفعيل نشاط المراجعة الداخلية بهذا الشأن أبن يتم التأكد من خلو قرارات الجهات الحكومية من تأثير مثل هذه العلاقات، وفي هذا كثير من الحديث والتعليقات. ومن أهم عناصر العمليات مع ذوي العلاقة حجم المكافآت والمزايا التي حصل عليها كبار التنفيذيين والمسؤولين في الجهة الحكومية، فلابد أن تفصح الجهات الحكومية بشكل مستقل عن حجم المكافآت والبدلات والمزايا التي حصل عليها كبار المسؤولين فيها. مثل هذا العمل سيسمح بكثير من التبصر لما تقوم به الجهات الحكومية واتجاهات المشاريع وأيضا اتجاهات الإنفاق، وهل هناك علاقة بين هذه الاتجاهات وبين المسؤولين بأشخاصهم وبين حجم المكافآت والمزايا التي تم الحصول عليها. لقد كانت التجارب العالمية واضحة بشأن خطورة العمليات مع ذوي العلاقة، وما زالت الممارسات تتطور وتبتكر الجهات كثيرا من التصرفات للتمويه عن هذه العمليات، ولذا فإن محاربتها تعتبر مسألة أساسية في محاربة الفساد، ولذا فمن المهم قطعا أن نبدأ بضبط هذه المسألة الآن ونحن في ذروة نشاطنا في محاربة الفساد، فلا بد إذاً من دراسة شاملة تحدد الطرق المثلى لهذا الإفصاح ولمن يتم توجيهه، وأن يكون هناك تقرير مستقل من الجهات الرقابية لتأكيد صحة هذا الإفصاح، وأن تحدد قيمة المعاملات التي يجب الإفصاح عنها، ونوعها.
إنشرها