FINANCIAL TIMES

الصين تشعل «الحريق» في سوق تمويل طيران إيرلندا

الصين تشعل «الحريق» في سوق تمويل طيران إيرلندا

في الوقت الذي يتوسع فيه قطاع الطيران في الصين بشكل سريع لتلبية الطلب المحلي الآخذ في الارتفاع على السفر الجوي، تظهر دبلن كمحور رئيس لطموحات بكين المتنامية في سوق تأجير الطائرات.
18 مجموعة من البر الرئيس الصيني وهونج كونج تستخدم العاصمة الإيرلندية كرأس جسر استراتيجي، في جهودها نحو الحصول على حصة أكبر في السوق العالمية البالغة قيمتها 261 مليار دولار.
وحيث إن نحو نصف الطائرات المستأجرة في العالم تدار من دبلن، ومع وجود معظم شركات التأجير الرائدة منذ زمن طويل في المدينة، فإن إيرلندا هي مركز تمويل عالمي لقطاع الطيران.
تزايد النشاط الصيني يمثل تحولا جديدا في سوق آخذة في الازدهار كان نورها الهادي هو توني ريان، القطب الإيرلندي الذي حقق أول ثروة له من خلال تأجير الطائرات في السبعينيات، ومن ثم واصل العمل ليشارك في تأسيس شركة ريان إير.
تقدم إيرلندا لشركات التأجير الدولية ميزات ضريبية كبيرة، على الرغم من أنها تواجه منافسة جديدة من هونج كونج وسنغافورة، في الوقت الذي تتطلع فيه كل مدينة من هاتين المدينتين لاجتذاب الأعمال من خلال توفير حوافز ضريبية جديدة.
كما يأتي طوفان رأس المال الصيني في دبلن أيضا على الرغم من الحملة التي تشنها بكين على الصفقات الخارجية، الأمر الذي أثار تكهنات بأن الصين تلعب لعبة طويلة الأمد من أجل تسخير خبرات التأجير في الخارج، قبل نقل هذه الصناعة إلى الوطن.
تعتمد الشركات الصينية بشكل كبير على المديرين المحليين وشركات الخدمات المهنية المحلية في إيرلندا.

على الصعيد العالمي، تتمتع السوق أيضا بدَفعة كبيرة من رأس المال الصيني، لكن هذا أثار بعض القلق من أن كمية متزايدة من المال ربما تسعى وراء عدد قليل للغاية من أصول التأجير، ما يعرض القطاع لمخاطر انفجار الفقاعة.
تقدر شركة فلايت جلوبال، المختصة في تحليل الصناعة، أن رأس المال المستخدَم من قبل شركات تأجير الطائرات ارتفع بنسبة 51 في المائة ليصل إلى 261 مليار دولار على مدى السنوات العشر الماضية - جاء 71 مليار دولار منها من مصادر صينية.
الأمر الذي له دلالته، يلحظ مراقبو الصناعة من كثب وجود ارتفاع في الأسعار وضغط على العائدات فيما يتعلق بالطائرات المستعملة، حيث يقولون إن بعض شركات التشغيل الصينية قد لا تكون تعمل على احتساب المخاطر بشكل صحيح.
يحذر آدم بيلارسكي، نائب الرئيس الأعلى في شركة أفيتاس للاستشارات بالقرب من واشنطن العاصمة، من أن "الموقف الجيد بطريقة غير معقولة" في مجال التأجير العالمي قد ينقلب بسبب الركود، والتعطيل في التجارة بموجب سياسة دونالد ترمب (أمريكا أولا)، وغيرها من عوامل الخطر الأخرى مثل ارتفاع أسعار الفائدة.
على الرغم من أن بيلارسكي يقر بأن نظرته المستقبلية "تخالف الإجماع"، إلا أنه يقول: "هنالك كثير من الأموال الجديدة الداخلة إلى القطاع. هؤلاء الناس لم يسبق لهم قط أن عاشوا فترة ركود".
"نحن نعلم السبب في وجود هذا التزايد في الطلب وهذا الانتشار للأشخاص الوافدين: لأنه كان لدينا هذا المال الرخيص الذي لا يمكنه تحقيق عائدات جيدة والطائرات مغرية وتعد بتحقيق عائدات جيدة".
"كما أن لدينا أيضا لاعبين جدد يريدون دخول الميدان، الشركات الصينية على سبيل المثال، لكن هنالك أيضا الشركات من الشرق الأوسط .... هنالك فقاعة ونحن بانتظار لحظة انفجارها".
الصين المدفوعة بسوقها المستمرة في التزايد في مجال السفر الجوي، تواصل الدفع للوصول إلى المقدمة. تعتقد الرابطة الدولية للنقل الجوي (أياتا) بأن الصين في سبيلها لتحل مكان الولايات المتحدة كأكبر سوق للطيران الجوي في العالم بحلول عام 2022، بزمن قبل ما كان متوقعا، وبالتالي تشعل الطلب المتزايد على الطائرات المستأجرة.
في إيرلندا، جاءت أكبر خطوة صينية حتى الآن في مجال التأجير في عام 2015 عندما استحوذت مجموعة إتش إن إيه، التكتل الموجود في هاينان، على شركة أفولون في مقرها في دبلن، بعد مرور تسعة أشهر فقط على تعويمها في بورصة نيويورك.
في العام التالي، اشترت شركة أفولون الذراع المختصة بالتأجير لمجموعة سي آي تي في مقرها في الولايات المتحدة، ما أدى إلى تضاعف حجم شركة أفولون وقفز محفظتها الاستثمارية البالغة قيمتها 19 مليار يورو إلى المرتبة الثالثة في الصناعة العالمية.
يمثل هذا تقدما سريعا بالنسبة لأفولون منذ نشأتها في أعقاب الأزمة المالية العالمية، مع ذلك لا يزال دومنال سلاتيري، الرئيس التنفيذي والمؤسس للشركة، يرغب في تحقيق مزيد، حيث يقول: "طموحنا هو أن نصبح الشركة رقم واحد في الأسواق العالمية، الأمر الذي يعني بكل بساطة أننا سنكون بحاجة لمضاعفة حجم الشركة مرة أخرى على مدى السنوات الخمس المقبلة".
"نظرا لحجم الشركة الآن، من المحتمل أكثر أن نسعى لتنفيذ عملية استحواذ كبيرة أخرى، بدلا من تنفيذ سلسلة من العمليات الصغيرة ... وإحساسي هو أن عملية الاستحواذ المقبلة، ستحصل ربما عندما تتعرض الصناعة لوضع أكثر شدة أو توترا".
كما تعمل شركات التأجير الصينية الأخرى في البر الرئيس وفي هونج كونج أيضا على إحراز تقدم لها في دبلن. الشركات مثل البنك التجاري والصناعي في الصين، وبنك التنمية الصيني، وبنك الطيران في الصين، وبنك الاتصالات، وجوشوك، وأكسيبيتر، كلها آخذة في التوسع في المدينة. تظهر بيانات وكالة فلايت جلوبال أن أكثر من 1100 طائرة مملوكة للصين يتم إدارتها من دبلن، أي نحو ربع أسطول التأجير العالمي المكون من 4300 طائرة في إيرلندا.
يقول بات هانيجان، كبير الإداريين التجاريين في دبلن ويعمل لدى سي دي بي للطيران، وهي ذراع تابعة لبنك التنمية الصيني، إن الشركة تمتلك 200 طائرة، وهنالك 200 طائرة أخرى قيد الطلب، ومهمة تقتضي التوسع.
كما يقول: "لا شك في أن الصينيين مهتمون بهذا القطاع، وأخذوا يرتاحون إليه، ويرغبون الآن في الانتقال إلى المستوى التالي في الأساس، وهو ما يقومون بفعله الآن. كما أنهم يرغبون في توسيع محفظتهم الاستثمارية على الصعيد الدولي وبناء فريقنا". على الرغم من أن معدل ضريبة الشركات المتدنية في إيرلندا البالغة 12.5 في المائة هي حجر الأساس لاستراتيجية اقتصادية اجتذبت جحافل من الشركات متعددة الجنسيات إلى البلد، إلا أن المحور الرئيس لدى شركات التأجير هو شبكة دبلن المكونة من معاهدات ذات ضريبة مزدوجة مع أكثر من 70 بلدا.
شركات الطيران العالمية التي تستأجر من إيرلندا تدفع ضريبة أقل مقتطعة مقدما بفضل تلك المعاهدات، ما يعمل على تعزيز الحجة لمصلحة الأعمال لكي تقام انطلاقا من دبلن في قطاع يحقق هوامش ربح متدنية على أصول كبيرة جدا.
يقدم هذا مرونة أكبر بالنسبة لشركات التأجير الصينية، التي تعمل مشاركتها المتزايدة في السوق الدولية أيضا على زيادة إمكانية الوصول إلى تحقيق إيرادات كبيرة.
كل هذا يأتي على رأس سجل عمره 40 عاما يعود تاريخه إلى الأيام الرائدة التي شهدتها الصناعة خلال فترة ريان، ما يعني أن وجود شبكة تمويل كبيرة وإصدار للسندات وخبرة محاسبية أمر معتاد في هذه المدينة.
تقول روث كيلي، الرئيسة التنفيذية لجوشوك، شركة تأجير تمتلكها شركة تشاو تاي فوك للمشاريع وشركة إن دبليو إس القابضة، التي تملتك محفظة استثمارية بقيمة 5.8 مليار دولار مكونة من 114 طائرة قيد الإدارة أو الطلب: "مستشارو الضرائب والمستشارون القانونيون، جميعهم في دبلن وهم هنا منذ فترة طويلة. كمية ونوعية المعاهدات مزدوجة الضرائب قد تكون أفضل من أي شيء في هونج كونج أو البر الرئيس في الصين".
يستخدم قطاع تأجير الطائرات نحو 1200 وظيفة في إيرلندا ويسهم قطاع الطيران الأوسع نطاقا في تقديم نحو أربعة مليارات يورو إلى الاقتصاد الوطني.
أما بول شيريدان، رئيس أكسيبيتر، شركة تأجير أخرى لهونج كونج في دبلن، فيقول إن التحدي الرئيس الآن هو أن تتأكد إيرلندا من أنها لا تزال قادرة على التنافس. تحتل إيرلندا مكانة قوية فعلا. لقد أبلت بلاء حسنا لكن هذا يعني أن أناسا أخرين سيحاولون حتما تكرار هذا الأمر".
لا يوجد نقص في توقعات النمو القوية بالنسبة للطيران الصيني. وسواء كانت السوق قادرة على أن تتحمل النمو القوي، فإن هذا سيقرر مصير شركات التأجير الصينية في إيرلندا.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES