Author

الهيئة العامة للمنافسة .. ومجلس إدارتها

|

جاء القرار في هذا العام 1439هـ بتحويل مجلس المنافسة إلى الهيئة العامة للمنافسة، الذي اعتبر تحولا جديدا لجهاز المنافسة بشكل عام. وعلى الرغم من هذا التحول الإيجابي الملحوظ إلا أنه لأهمية الهيئة العامة للمنافسة وخطورتها فإن تنظيم هذا الجهاز يعتبر إحدى الركائز الأساسية لعمل الهيئة وأهم هذه الركائز هو مجلس الإدارة. ولعلي في هذه المقالة أشير إلى مسألة أزعم أنها جوهرية، ألا وهي عضوية المجلس.
لقد جاء التنظيم الجديد لينص على أن المجلس يتكون من عشرة أعضاء هم: رئيس يعين بأمر ملكي، ومحافظ الهيئة، وأربعة ممثلين من أربع جهات وهي ممثل من وزارة التجارة والاستثمار، وممثل من وزارة المالية، وممثل من وزارة الاقتصاد والتخطيط، وممثل من وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية، إضافة إلى أربعة أعضاء من ذوي الكفاءة العالية والخبرة في مجالات الأنظمة أو الأنشطة الاقتصادية بناء على ترشيح الرئيس.
النقطة الأولى هو أن وجود ممثلين من الجهات لا أرى أن له أهمية تزيد على أهمية وجود أعضاء متخصصين في المجالات المتعلقة بأنظمة المنافسة. بل إن وجود الممثلين قد يتعارض مع دور واستقلال المجلس حيث إن مجلس إدارة الهيئة العامة للمنافسة يجب عليه أن يقوم بمهامه بناء على نظام المنافسة وأهدافه الأساسية دون تأثير من الجهات ذات العلاقة. قد يقول قائل إن وجود ممثلي الجهات قد يسهل الحصول على المعلومات من الجهات ذات العلاقة، وهذا الاعتراض في ظني يجب ألا يرد حيث إن الهيئة العامة للمنافسة هي هيئة مستقلة مثلها مثل الجهات الحكومية الأخرى يحق لها طلب المعلومات التي تحتاج إليها لإتمام مهامها التي أنيطت بها بناء على السلطة العليا وهي مجلس الوزراء فيما يتعلق بالتنظيم أو الملك فيما يتعلق بتطبيق النظام. ماعدا هذا الاحتمال أو التسبيب لوجود ممثلي الجهات لا يظهر أن هناك سببا قويا يوازي الإيجابيات عند تمتع مجلس إدارة الهيئة بأعضاء متخصصين من غير الجهات.
النقطة الثانية نجد أن التنظيم حتى وصفه للمواصفات التي تجب في أعضاء مجلس الإدارة الباقين الأربعة من ذوي الكفاءات العالية في مجال الأنظمة أو الأنشطة الاقتصادية قد وصف وصفا عاما جدا. فأنظمة المنافسة لا تكفي فيها المعرفة بالقانون و"الأنشطة الاقتصادية". بل إن عبارة تنظيم "الأنشطة الاقتصادية" لم تكن دقيقة فأنظمة المنافسة بحاجة إلى متخصصين في تخصص الاقتصاد وبشكل أدق إلى تخصص الاقتصاد الجزئي والاقتصاد الصناعي والاقتصاد القياسي.
النقطة الثالثة أن التنظيم نص على أن مجلس الإدارة يجتمع على الأقل أربع مرات في السنة أو كلما دعت الحاجة، وكأن التنظيم لم يراع أن الهيئة العامة للمنافسة ليست شركة يمكن انتظار قرار مجلسها للاجتماع القادم، حيث إن كثيرا من القرارات الأساسية للهيئة العامة للمنافسة تصدر من مجلس الإدارة كالموافقة على اتخاذ إجراءات التقصي والبحث وكقرار الموافقة على تحريك الدعوى الجزائية، والبت في طلبات التركز الاقتصادي والموافقة على قبول المصالحات. هذه الإجراءات هي إجراءات جوهرية وأساسية وطبيعتها تحتاج إلى السرعة كالبت في طلبات التركز ما يعني عند كثرة الاندماجات والاستحواذات سيكون على المجلس البت في طلبات كثيرة. وهذه الجزئية تقودني إلى أن عضوية المجلس قد تتطلب تفرغا لهذا العمل الكبير ولا سيما البت في مثل هذه القرارات يتطلب قراءات فاحصة ومناقشات طويلة.
عندما نشير إلى هذه المسائل فلا نعني مناقشتها لأجل المناقشة نفسها أو للترف العلمي، بل لأن الهيئة العامة للمنافسة هي هيئة حساسة وخطيرة، وقراراتها لها آثار وأبعاد ليست باليسيرة في التجار والشركات والمستثمرين المحليين والدوليين وفي الاقتصاد والاستثمار بشكل عام. فمثلا عند صدور القرار بمنع اندماج أو استحواذ معين ولا سيما في الصفقات الكبيرة، فإن تأثيره لن يكون قاصرا على طرفي الصفقة بل في السوق نفسها وفي المستثمرين المحليين والأجانب.
وأختم بأن قوة الهيئة العامة للمنافسة وشفافيتها وتفاعلها بشكل مؤسسي سيكون له أثر إيجابي في الاستثمار.

إنشرها