Author

الاقتصاد بين «الحوكمة» و«الرؤية»

|
مستشار اقتصادي

تنادي "الرؤية" بتقويم الاقتصاد لكي يكون مبنيا على اقتصاد خاص فاعل، فالاستدامة في المدى البعيد تقوم على الضرائب على الشركات والناس ولكن لا يمكن أن نصل إلى هذه الحالة دون حوكمة فاعلة في إدارة الشركات. جاء في بالي الحوكمة على إثر إعادة تشكيل مجلس إدارة هيئة السوق المالية وما ذكر عن البنك السعودي - الفرنسي وما سبقه من عدة شركات سمع عن بعضها فقط، واستماعي لعرض رئيس مجلس إدارة شركة بيبسي حول نموذجها في تقييم دور وإعداد القيادة كما تراه. عبرت أندرا نويي الهندية الأصل التي تقود الشركة منذ خمس سنوات عن نموذجها في القيادة التي هي عماد الحوكمة بما تسميها الخمس C التي ترمز لأول حرف من خمس خصال تحكم رؤيتها للقيادة والطريق لها، الأولى الكفاءة Competency والثانية الشجاعة والثقة Courage&Confidence والثالثة التواصل Communication والرابعة الرتابة Consistency والخامسة البوصلة الأخلاقية Compass، نراجع نموذجها في متطلبات القيادة وبعين على جوهر الحوكمة لدى الشركات الوطنية ودور CMA.
تذكر C الأولى أن على القائد المفترض أن يكون خبيرا في مجال معين قبل الطموح للقيادة إذ لا يكفي أن يدعي تجربة عامة وأن يرتقي فقط لما يعرف عنه أنه مرجع في هذا المجال وهذا يتطلب أن يسعى لتراكم المعرفة والتجربة طول حياته المهنية.
C الثانية تذكر أنه ليس هناك مصلحة كبيرة للكفاءة إذا لم تكن لديك الشجاعة والثقة بتقديمها للآخرين في مجال عملك بما يضيف فائدة للشركة أو المنشأة.
C الثالثة تعني بها القدرة على توصيل ما لديك كتابة وتحدثا، فحتى لو توافرت الأولى والثانية ولم تستطع تقديم ما لديك بالطريقة المناسبة فلن يكون هناك ربط وثيق بين ما لديك وبين ما تحتاج إليه الشركة من حلول عملية وتوجهات. إذ لم تصل بطريق فاعلة فليس هناك فائدة. تتحدث عن فشلها في كلية الأعمال في أول مادة للتواصل ما اضطرها لإعادة المادة ما مكنها من السيطرة على ملكات التواصل.
C الرابعة تذكر أن على القائد أن يكون رتيبا فيما يطرح وإذ أراد أن يغير رأيه فلابد أن يكون في محيط ما كان يدعو له. إذ لا يستطيع أن يأتي بأسلوب جديد في كل مناسبة.
C الخامسة تعني بها بوصلة النزاهة والأمانة، فمهما توافرت الشروط الأربعة الأولى وفقدت الأخيرة فلن تستمر المنشأة طويلا. كما يرى القارئ هناك صعوبة في التفريق بين الشروط القيادية وبين الحوكمه الرشيدة.
هناك نقص واضح في حوكمة الشركات لدينا ولهذا النقص أسباب منها ما هو مرتبط بالبيئة العامة خاصة في ميدان الاقتصاد والأعمال في اقتصاد مازال يعتمد على النواحي التوزيعية أكثر من الإنتاجية، ومنها ما هو مرتبط بالدور الرقابي الناقص من قبل الجهات المسؤولة مباشرة، ومنها ما هو مرتبط بنقص القيادات التي لديها الخصال التي عبرت عنها أندرا نويي. نظرا لتعقيد الموضوع هناك ما يكفي للتهرب من المسؤولية وهذا ما يحدث فعليا لدينا، إذ أثبتت التجارب أن بعض القيادات بعيدة كل البعد عن الشروط المذكورة أعلاه وليس النقص في C واحدة، ولكن الآفة في C الأخيرة ولذلك هناك حاجة لعقاب صارم فاضح مثل تصوير بعض القيادات بلباس السجين، لا يكفي أن ندخل في عملية مساومة قانونية طويلة ونقول إننا ندافع عن الحقوق طبقا للنظام. كما لا يكفي للجهات التنظيمية أن تدعي أن اختيار القيادات مسؤولية الملاك فقط في بيئة تفتقد البعد المؤسساتي من ناحية، ولديها نماذج مجتمعية تسمح بالهيمنة الإدارية دون مراجعة. الواضح أن هناك مسؤولية وحاجة لدور أكثر من قبل الجهات التنظيمية إذ لا يكفي أن نقدم متطلبات ورقية يعدها موظف ليس له علاقة بجوهر الحوكمة بينما الاقتصاد الجزئي يغرق في ظل جهود قيادية مؤثرة تسعى لتطوير الاقتصاد الكلي.

إنشرها