Author

حركة الصحوة الإسلامية .. علامات استفهام كبيرة

|

في معرض حديث الأمير محمد بن سلمان الذي أعلن فيه مشروع "نيوم" في مؤتمر مستقبل الاستثمار، تحدث عن مسألة غاية في الأهمية، وهي تأثير حركة الصحوة الإسلامية في النظام العام في الشارع السعودي.
قال الأمير - لا فض فوه -، لن نترك لحركة الصحوة الإسلامية التي ظهرت في حياتنا في عام 1979 أن تؤثر في التشريع في البلاد، وسوف نعود كما كنا عليه قبل عام 1379، وأن المملكة ستكون أكثر تسامحا، وسوف تتمسك بمبادئ الوسطية الإسلامية السمحة بعيدا عن التزمت والتشدد الذي لا مبرر له "سنعود إلى ما كنا عليه من الإسلام الوسطي المعتدل المنفتح على العالم وجميع الأديان وثقافات الشعوب، لن نضيع 30 سنة أخرى من أعمارنا في التعامل مع أفكار متطرفة وسنعاقب أصحاب الأفكار المتطرفة الآن وفورا".
إن إنذار ولي العهد يأتي بمنزلة الضربة الاستباقية لحركة الصحوة وغيرها من الحركات التي لو تركت فإنها سوف تعيث في الأرض فسادا وتوقف عجلة التقدم والتنمية.
والواقع أن حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله ـ يرحمه الله ـ قامت بمبادرة رائعة لوقف تأثير حركة الصحوة في البلاد، واتخذت خطوة تاريخية كبيرة بافتتاح مركز الملك عبد الله لحوار الثقافات والأديان، الذي يهدف في أهم أهدافه إلى الجلوس مع كل أصحاب الديانات والثقافات، والتحاور معهم على أسس من الاحترام المتبادل وعدم الإقصاء والاعتراف بالتعددية.
إن كثيرا من الأسماء المدرجة في قائمة حركة الصحوة الإسلامية منتمية مع الأسف بصورة مباشرة وغير مباشرة إلى منظمات إرهابية تمولها وتدعمها حكومة قطر، وهو شيء مؤسف حقا، ومؤلم حقا، ومستغرب حقا!
إن تحديد وضع حركة الصحوة الإسلامية في المجتمع السعودي، الذي ورد في تصريح الأمير محمد بن سلمان كان مطلبا ضروريا ليس فقط من ناحية تقويم الفكر الضال، وإنما من ناحية الاستقرار السياسي في البلاد، إذ إن الحركة الوحيدة التي كان لها تأثير في الشارع في السعودية هي هذه الحركة، التي كان لها تأثير واضح في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
ولعل من أخطر الأسس التي تقوم عليها الحركة الصحوية التمييز المغلوط بين العقيدة والوطن، ويقولون، إن الولاية يجب أن تكون للعقيدة وليس للوطن، وتلغي قضية الولاء الوطني، وتستبدله بقضية الولاء الديني العقدي، وهو المبدأ نفسه الذي يتغنى به الإخوان المسلمون.
وعلى الرغم من أن شيوخ الصحوة لا يحبذون في الوقت الحالي خروج الناس إلى الأقطار الأخرى للجهاد من أجل نشر هذا المعتقد في كل الدول الإسلامية بزعم أن المرحلة الحالية هي مرحلة بناء الجماعة في أرض الحرمين، وهي التسمية البديلة عندهم لاسم المملكة العربية السعودية، إلا أن شباب الصحوة اندفعوا في سباق إلى الانضمام إلى المنظمات الإرهابية خارج الوطن مثل "داعش" و"النصرة" وجماعة بيت المقدس، وقائمة طويلة من المنظمات المتشددة التي جلبت على عالمنا العربي والإسلامي كثيرا من الإرهاب والتدمير والقلاقل.
ومع الأسف منذ البدايات الأولى تركت حركة الصحوة الإسلامية دون مقاومة من الحكومة حتى استطاعت أن تبني جيلا حمل اسم جيل الصحوة، من الحركات الجهادية التي انتشرت في شتى أقطار الأرض، حتى وإن كانت الأرض التي يستهدفونها هي الأراضي السعودية بالدرجة الأولى.
ومن القضايا الرئيسة التي ترفع شعاراتها الحركة قضايا التدخل في شؤون المسلمين في كل مكان من العالم، وإزالة فكرة الحواجز والسدود والحدود التي جعلت المسلم لا ينتصر لأخيه أو لا يسمع صوته أو لا يستجيب أو لا ينصره ظالما أو مظلوما. ويرى "السروريون" وهم المؤثرون في الحركة رفض شرعية الدولة الوطنية بكل أشكالها الملكي والجمهوري والفيدرالي، وضرورة قيام دولة الخلافة الإسلامية.
كذلك يقولون، إن الصراع مع الغرب صراع حتمي، فهم من أنصار نظرية صراع الحضارات، ولا يعترفون بالحوار.
وهذا يتعارض مع التوجه العريض الذي تتوجه إليه حكومة المملكة التي أنشأت من أجله أكبر مركز إسلامي في قلب أوروبا "فيينا".
أكثر من هذا فإن الصحويين يؤمنون بوجوب العمل المنظم لفرض السيطرة الصحوية على جميع المنابر دون الاعتراف بالتعددية ومبدأ الرأي والرأي الآخر، بمعنى أن الصحوة الإسلامية تقدم نفسها كمجموعة تحتكر تفسير النصوص، وتقوم بفرض إرادة الله على الأرض، وفي صراعها مع تيارات المجتمع الأخرى تطرح جدلية حزب الله، وحزب الشيطان على اعتبار أن من يوافقها يكون عضوا في الحزب الأول، ومن يخالفها يكون عضوا في الحزب الثاني، ومن هنا تكون الجنة مآل من ينتسب إليها، والنار مصير من يخالفها!
وفي هذا السياق فإن القيادة مطلقة في حركة الصحوة، فهي موكلة إلى مشايخ الصحوة الذين يتقمصون دور النبي في المجتمع المديني باعتبارهم ورثة الأنبياء.
وهكذا فإن حركة الصحوة الإسلامية تحاكم منتجات الواقع وتشكيلاته السياسية والاقتصادية والثقافية من منظور الحقب الإسلامية الماضوية، ولذلك هي ــ باختصار ــ إعاقة حقيقية لمشاريع التنمية وحجر عثرة أمام تطور الدولة والمجتمع.
ولذلك فإن العقلاء والمخلصين من المثقفين السعوديين أسدوا النصيحة إلى كل أعضاء حركة الصحوة الإسلامية بالعودة إلى الاعتدال والوسطية التي تحافظ على كل التوازنات في المجتمع الإسلامي حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله سبحانه وتعالى.

إنشرها