Author

اقتصاديا .. ماذا نريد في العام المقبل؟

|

يقترب العام الحالي من الانقضاء، ويبدو أن نتائج هذا العام فيما يخص الميزانية العامة ستكون جيدة، حيث يتوقع تسجيل تراجع في الناتج المحلي الحقيقي يقل عن 1 في المائة. لذلك فإن الاقتصاد السعودي يعيش حالة من التفاؤل بالمستقبل، يرهص بتحسن الأوضاع على المدى القريب. فأسعار النفط تسجل ارتفاعات أسبوعية متتالية، وكذلك نشهد استحسان صندوق النقد الدولي لوضع الإصلاحات الاقتصادية في السعودية. فأهم ما حملته تقارير صندوق النقد كان انتقاده لسرعة هذه الإصلاحات، والتوصية بتمديد فترة تطبيقها حتى لا يتم صدم النشاط الاقتصادي، إضافة إلى ذلك، تتابع الإعلانات عن المشاريع الضخمة الواحد تلو الآخر بشكل يستثير الهمم.
لكن على الرغم من كل هذا التفاؤل، فإن عديدا من المؤشرات الاقتصادية ما زال بعيدا عن التجاوب الإيجابي. فالتضخم لا يزال سلبيا، ومعدلات نمو إقراض القطاع الخاص متدنية، وكذلك هي الحال بالنسبة إلى نمو الودائع تحت الطلب. على الجانب الآخر نجد أن سعر تكلفة الإقراض لا يزال مستقرا عند معدلاته التاريخية بنحو 50 إلى 60 نقطة أساس فوق سعر لايبور، بحيث يدل ذلك على كفاية السيولة في النظام المالي، خصوصا بعد طرحين دوليين لأدوات دين حكومية وانتظام صرف مستحقات القطاع الخاص من قبل الحكومة.
التراجع في طلب القطاع الخاص على القروض يدل على انخفاض الاستثمار الرأسمالي، وبالتالي يحد من آفاق نمو الناتج المحلي غير النفطي. قد يعزى هذا التراجع إلى ارتفاع تكلفة الإقراض عموما مع رفع "الفيدرالي الأمريكي" أسعار الفائدة الأساسية، إلا أن هذه ليست كل القصة. فالقطاع الخاص لم يكن يوما قادرا على القيام بكامل عبء النمو وحده، إنما هو يعتمد في الأساس على الإنفاق الحكومي. وهو أمر تعمل "الرؤية" على التخفيف منه، لكن لن يحصل في عام أو اثنين.
ولذلك، وحتى يتمكن القطاع الخاص من القيام بدور تحفيز النمو، فإن عودة الإنفاق الحكومي ضرورية لرفع معدلات نمو الناتج المحلي. لذلك تأتي تصريحات وزير المالية محمد الجدعان من الأهمية لتوضيح رؤيتنا للعام المقبل حتى عام 2020. فقد نقل عن الوزير أن رفع أسعار الطاقة سيؤجل، ما سيعمل على دعم الاقتصاد بكبح تراجع الاستهلاك. وكذلك إقرار حزم تحفيزية للقطاع الخاص لدعمه بشكل مباشر، إضافة إلى الاستمرار في برنامج التخصيص الذي سيولد عوائد وخفضا في التكاليف لميزانية الدولة. والأهم من هذا كله هو استمرار ارتفاع كفاءة الإنفاق والعائد على المصاريف الحكومية، وهي نقطة الأساس لعملية التحول. فالإنفاق الحكومي مطلوب لعودة النمو، لكن كفاءة الإنفاق هي التي ستضمن استمرارية هذا النمو.
وطالما أننا نشهد مناخا متفائلا وتحسنا ماليا، فنحن في حاجة إلى مشاريع حكومية تدعم الإنفاق على المدى القصير، حتى تبدأ المشاريع الضخمة الدخول حيز التنفيذ. فالمشاريع الجديدة هي التي ستحفز الطلب على الاقتراض مرة أخرى وتبدأ في دعم سلسلة الإنفاق الرأسمالي في القطاع الخاص. لتكون هذه المشاريع بمنزلة مرحلة عبور تمسك بيد الاقتصاد إلى دخولنا في مرحلة المشاريع الكبرى.

إنشرها