Author

الإنترنت والإحالة إلى الإسهام الجماعي .. وقضايا تهمنا

|

عندما نكوّن مشروعا خيريا يساعد أولئك الأقل حظا أو الأكثر معاناة، فإننا نلجأ إلى الناس جميعا نطلب إسهامهم المالي التطوعي في إقامة المشروع وفي استمراره. مثل ذلك يعرف في المصطلحات المتداولة بالإحالة إلى "الدعم المالي الجماعي Crowdfunding. وعندما نكون أمام دراسة لتقييم منتج نقدمه، سواء كان أداة مادية أو خدمة إجرائية، من أجل تطويره بهدف تعزيز تسويقه، فإننا نحيل الأمر إلى زبائن المنتَج ننشد إسهامهم التطوعي في الرأي بشأن حالة المنتج ومتطلبات تطويره؛ مثل ذلك يسمى بالإحالة إلى إمكانات جماعية Crowdsourcing. وكذلك عندما نكون أمام معضلة، نبحث لها عن حل، فإننا نحيلها إلى جمع من الخبراء في مجالها، نتطلع إلى إسهامهم في تقديم أفكار وحلول بشأنها؛ ومثل ذلك يدعى الإحالة إلى ابتكار جماعيCrowd-innovation.
المشترك فيما سبق ثلاثة أمور، أولها الإحالة، أي تكليف جهة أخرى بالعمل المطلوب، سواء كان هذا العمل تبرعا أو تمويلا، أو كان رأيا أو مقترحا، أو ربما فكرة مبتكرة. والأمر الثاني أن الجهة المقصودة بالإحالة هي جهة جماعية الطابع أي تشمل كثيرين، وتقدم عطاء يشمل إسهامهم جميعا. أما الأمر الثالث فهو أن هذه الجهة الجماعية تتميز بالتعددية، بمعنى أن الأشخاص المشاركين فيها مستقلون فيما يريدون تقديمه، حيث يكون لكل منهم إسهامه الخاص به في إطار الشراكة الجماعية المطروحة. وتعزيزا لذلك، كثيرا ما يكون هؤلاء من المتطوعين الذين يقدمون عطاءهم دون مقابل.
وهناك أداة مهمة تسمح بتمكين الإحالة إلى جهة جماعية يتمتع أشخاصها بالاستقلالية، والاستفادة من ذلك في مجالات التمويل أو الرأي أو الأفكار الجديدة، أو ربما غير ذلك. هذه الأداة هي الإنترنت التي تصل إلى الجميع، وتمكنهم من خلال ذلك من التواصل، وتسهل لهم تنفيذ الأعمال الجماعية المشتركة. ولعل في شبكات التواصل الاجتماعي على الإنترنت، وكذلك في المواقع المختلفة التي تحفل بها، وسائل مهمة في تنفيذ النشاطات الجماعية المختلفة. وقد يكون من المفيد هنا ملاحظة أن الإنترنت، والوسائل المختلفة التي تقدمها، تعطي تقنية محايدة تحمل سلاحا ذا حدين، يعتمد على توجهات المستخدم ومتطلباته، إن خيرا فخير يجب تفعيله، وإن شرا فشر يجب الابتعاد عنه.
هناك أمثلة كثيرة حول العالم بشأن إحالة المهمات إلى أعمال جماعية تقدم إسهاما جماعيا. ففي مجال الدعم المالي الجماعي مثلا، هناك ما قام به باراك أوباما في حملته الانتخابية الأولى، حيث أحال أمر دعم حملته إلى أنصاره، وتلقى من كثير منهم مبالغ فردية محدودة، ليصل ما تلقاه في المجموع إلى ما يحتاج إليه من مبالغ كبيرة، ساعدته على الفوز في السباق إلى رئاسة أمريكا. ثم هناك ما قام به إدريس جالا وزير الدولة الماليزي ، في موضوع الحاجة إلى آراء سديدة بشأن تعديل مسيرة بلاده التنموية نحو "رؤيتها 2020"، عندما احتاجت ماليزيا إلى ذلك. فقد أحال أمر هذا التعديل إلى مجموعة كبيرة من الخبراء والمهنيين المتخصصين من ماليزيا ومن مختلف أنحاء العالم أيضا، جمعهم لأيام في فندق ليقدموا له الآراء والتوجهات التي يحتاج إليها، وليعمل هو مع حكومته على الاستفادة منها. وهناك أيضا ما قامت به شركة ليجو Lego الدنماركية للألعاب الخاص بالبناء، حيث أقامت موقعا لزبائنها حول العالم تطلب إليهم الإسهام بأفكار جديدة في تطوير ألعابها، وفي ابتكار ألعاب جديدة.
هناك بالطبع أمثلة أخرى كثيرة على ما سبق، سواء باستخدام الإنترنت التي تسهل ذلك، أو من دونها، وقد يكون بيننا من استخدم مبدأ الإحالة إلى الإسهام الجماعي دون أن يتابع ما يرد في المصطلحات المتداولة. لكننا إذا نظرنا إلى واقع الحال، وتوافر الإنترنت ووسائلها بين أيدينا، نجد أن هناك قضايا تستحق أن نحيلها إلى الإسهام الجماعي كي يكون للجميع دور في تقديم الآراء والأفكار بشأنها.
لعل بين القضايا التي يمكن أن نطرحها للإحالة على الإسهام الجماعي: قضية حماية الذات وحماية البيئة، وقضية الالتزام الذاتي بقوانين المرور، وقضية الأداء المهني، وغير ذلك من قضايا مختلفة تتمتع بأهمية كبيرة في المجتمع من ناحية، وترتبط بدور جماعي لأبناء المجتمع من ناحية أخرى. ولعلنا في التعامل مع القضايا الثلاث المطروحة نحيل الأمر عبر الإنترنت إلى أبناء المجتمع نطرح أمامهم تساؤلات حول الوضع الراهن، كي يجيبوا عنها، كما نطلب إليهم تحديد التوجهات التي نحتاج إليها لتطوير هذا الوضع نحو الأفضل.
التساؤل الأول الذي يمكن أن نطرحه هو مدى رضا الفرد عن ذاته وعن غيره في مجتمعه في تعاملهم مع أنفسهم وحرصهم على صحتهم وسلوكهم المؤثر في الآخرين، وفي تعاملهم مع البيئة وحرصهم على نظافتها وحمايتها من المخاطر. أما التساؤل الثاني فيتعلق بمدى الرضا أيضا ولكن في إطار قيادة السيارة، وما تسببه المخالفات الكثيرة من مآس اجتماعية وإنسانية. وتتزايد أهمية هذا التساؤل في الوقت الحاضر مع اقتراب موعد قيادة المرأة للسيارة. كيف نريد للطرقات أن تكون والأمهات والأخوات والزوجات الكريمات في سياراتهن على الطريق؟ ويأتي السؤال الثالث بعد ذلك ليتطرق إلى موضوع مدى الرضا في مجال الأداء المهني الذاتي والأداء الخاص بالآخرين؛ فالأداء المهني أمر مهم لتعزيز الإنتاجية وتحقيق التنمية وتعزيز استدامتها. فهل نحن يا ترى نسأل أنفسنا عما نعطي، قبل أن نطالب بما نريد أن نأخذ. وهناك بالطبع تساؤلات أخرى كثيرة لحلول مطلوبة في مختلف قضايا التنمية الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية.
الإحالة إلى الإسهام الجماعي في قضايا التنمية المختلفة موضوع مهم وحيوي، يجب الاهتمام به كي تأتي الحلول من كل من المتخصصين في هذه القضايا من ناحية، ومن أصحاب العلاقة المرتبطين بها من ناحية أخرى. لدينا الإنترنت ووسائلها لتعيننا على ذلك، ولدينا بين أبناء المجتمع، مستويات تعليمية متميزة، تفوق كثيرا من دول العالم، لتقديم الحلول المناسبة. علينا أن نحدد قضايا التنمية المنشودة، ونحيلها عبر الإنترنت ووسائلها إلى الإسهام الجماعي في تشخيص أوضاعها وتحديد الحلول المثلى لها. بذلك نعزز حيوية المجتمع، ونفعل شراكة أبنائه في تقديم الحلول المناسبة. فعندما يكون صاحب الحل، هو القائم على تنفيذه، فإن التنمية تكون أكثر كفاءة، وتصبح استدامتها أكثر رسوخا.

إنشرها