Author

السعودية .. الحقائق من مصادرها الصادقة

|

الأمم المتحدة ليست هيئة هامشية، كما أنها ليست جهة بلا قيمة حقيقية، وهي أيضا ليست منظمة يمكن تجاهلها، على الرغم من أنها أخفقت كثيرا في عديد من القضايا على مر تاريخها. هذا الإخفاق لا يعود إليها مباشرة، بل يرتبط بصورة وحيدة بالبلدان صاحبة القرار الأخير فيها. وهذه حقيقة يعانيها العالم منذ عقود. ولأن الأمم المتحدة محورية على الصعيد العالمي، يمكنها أن تلطف إخفاقاتها وفشلها الذريع، من خلال طرح الحقيقة كما هي، وعن طريق توضيح الصورة، وعبر تقديم المشهد الواقعي لهذا الحدث أو ذاك. وهي بذلك تحول تلقائيا إخفاقاتها إلى جهاتها الأصلية، كما أنها تكرس مكانتها كمنظمة تمثل كل شعوب الأرض، بصرف النظر عن مواقف الدول الفاعلة فيها. لا يحق لها في "شخصيتها" الراهنة إلا أن تكون مع الحقيقة، من خلال عرضها سواء أرضت هذا أو أغضبت ذاك.
ومن هنا يمكن فهم مطالبة المملكة الأمم المتحدة بتحري الدقة والمصداقية في جمع المعلومات. فلا يمكن الاستناد إلى معلومات كاذبة أو في أفضل الأحوال مسيسة. وفي كل مرة تلتزم فيها بالمصادر الحقيقية للمعلومات، تضيف مصداقية جديدة إلى كيانها. إلى جانب ذلك، فإن المؤسسات التابعة للمنظمة الدولية، عليها أن تكون أكثر جدية في عملها، لاسيما تلك المختصة بالجانب الإعلامي المهم. فليس المطلوب منها فقط أن تقدم خطابا إعلاميا متوازنا يستند إلى الحقائق من مصادرها الأصلية، بل عليها أيضا متابعة وسائل الإعلام المختلفة على الساحة الدولية، من تلك التي تنشر الأكاذيب والكراهية والحقد وتشجع على التطرف والعنف والتخريب، بين الشعوب. وهذه نقطة محورية لا تقل أهمية عن محاربة الجهات الإرهابية والإجرامية عسكريا وميدانيا.
من هذه النقطة أيضا انطلقت السعودية في خطابها أمام "لجنة السياسات الخاصة وإنهاء الاستعمار (اللجنة الرابعة) حول البند المتعلق بالمسائل المتصلة بالإعلام". والرياض وضعت هذه المسألة ضمن استراتيجيتها التنموية والسياسية العامة، وتعتبرها بأهمية وقيمة الحراك التنموي نفسه. لماذا؟ لأن صناعة التطرف والعنف والتخريب وحتى الأكاذيب، تبقى العدو الأول لـ"صناعة" التنمية. يضاف إلى ذلك بالطبع، أن المملكة تنظر إلى المشهد العام من كل الزوايا. من هنا، كان الإعلام وتطويره وملاحقة مستجداته جزءا أصيلا من "رؤية المملكة 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. والسعودية لا تتعاطى مع مثل هذه الأمور صوتيا، بل تخوضها عمليا.
وعلى هذا الأساس قدمت المبادرات العالمية من أجل الحوار بين الحضارات، وقبول الآخر بصرف النظر عن الخلافات الفكرية معه. ووفرت كل الأدوات الإعلامية اللازمة من أجل تحقيق مثل هذه الأهداف الإنسانية الحضارية القيمة، وأوكلت هيئاتها ووزارتها بالمتابعة وعدم التوقف عن طرح المبادرات من أجل أن يصل الأمر إلى مرحلة التمكين ليس السعودي فقط بل العالمي أيضا. وتكفي الإشارة (مثلا) إلى تأسيس المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف "اعتدال"، الذي يهدف إلى رصد وتحليل الفكر المتطرف واستشرافه للتصدي له ومواجهته والوقاية منه، ونشر مبادئ التسامح والاعتدال. هذا ما أكدته المملكة في كلمتها المشار إليها أمام المنظمة الدولية.
ليس هناك أمام الأمم المتحدة لتنهض بمهامها بجدية حتى يمكن الوثوق بها سوى القيام بواجباتها على صعيد جمع المعلومات الحقيقية. فالسعودية لا تقول: احصلوا على معلوماتكم من جهة واحدة فقط، بل خذوا المعلومات من مصادر لها مصداقية. مصادر ليس لها أجندات سرية، ولا نيات إجرامية تخريبية. إنه المبدأ الأول لأي جهة عالمية، فكيف الحال بمنظمة كالأمم المتحدة؟

إنشرها