Author

لا تخدعكم أرقام نمو الطاقة البديلة للنفط

|
أستاذ جامعي ـ السويد

الأرقام جميلة. وأغلب الناس تنبهر بالأرقام. وإن رافقت الأرقام بعض الجداول والرسومات البيانية بشكلها الدائري أو الشريطي أو الخطي أو التكراري أو الشجري أو الزمني أو الانسيابي أو القطبي وغيره من المخططات زاد وقعها وأثرها.
صار اليوم بإمكان أي واحد منا أن يزين مقاله بمخطط رقمي من الأنواع التي ذكرتها والتي لم أذكرها وهي كثيرة بالطبع. ولا نحتاج إلى كثير من الجهد لإضافة رسم بياني. الحاسوب الرقمي بإمكانه القيام بذلك وبيسر. كل ما علينا هو تزويده بالأرقام.
واليوم أغلب الوسائل الإعلامية والمراكز البحثية لها أقسام فيها إخصائيون شغلتهم قراءة الموضوع ومن ثم دعمه بالرسوم البيانية الموائمة.
ونحن نقرأ الأرقام ونمنحها ثقتنا، وقلما نثير الشكوك حولها.
لنقل مثلا إن سعر سهم أو بضاعة أو مادة تجارية كان 100 دولار ومن ثم هبط فجأة إلى عشرة دولارات. عندها لأتينا بنسب مئوية ورسوم بيانية تبين لنا ما حلّ من فاجعة بهذا السهم أو هذه البضاعة أو المادة التي خسرت 90 في المائة من قيمتها.
ولكن لو حدث بعد أسبوع من الهبوط المفاجئ وارتفع السعر من عشرة دولارات إلى 20 دولارا، لأتينا بنسب مئوية ورسوم بيانية تبين لنا ما حدث من تحسن مفاجئ في سعر هذا السهم أو هذه البضاعة أو المادة التي زادت قيمتها 100 في المائة في غضون سبعة أيام.
واحد من القيم أو المعايير المهمة للخبر في الإعلام هو الآنية، أي أن الاهتمام ينصب بالحدث لحظة وقوعه، ويتم التركيز في العنوان والفقرات الرأسية في هذه اللحظة تماشيا مع سياسة الهرم المعكوس، حيث يأتي الأهم والأقرب إلى الآنية في المقدمة.
تذكرت هذا وأنا ألقي نظرة سريعة على أحدث الأرقام لاستهلاك الطاقة التي نشرتها الصحف ووسائل الإعلام الغربية نقلا عن شركة بريتش بتروليوم، وهي إحدى أكبر شركات النفط والغاز في العالم.
كان هناك سيل من المقالات وكلها تقتبس من تقرير للشركة العملاقة هذه حول مسار الإنتاج والاستهلاك للفترة 2010 ـــ 2015. ما أثار انتباهي هو أن التركيز والتأكيد كان على الطاقة البديلة وعلى الخصوص الشمسية منها.
استحوذ رقم ورد في تقرير شركة بريتش بتروليوم حول نمو الطاقة الشمسية على حصة الأسد في تغطية التقرير والرسوم البيانية المرفقة به.
وكان الرقم يخص نسبة النمو في قطاع الطاقة الشمسية التي بلغت في السنين الخمس مدار البحث 664 في المائة. الرقم مذهل ومثير ولأول وهلة قد يتصور المرء أننا أمام منافس قوي قد يزيح الطاقة الأحفورية التي يشكل النفط والغاز الجزء الرئيس منها.
وبعد قراءة متأنية ـــ ونحن نقرأ في الغالب دون تأن ــــ ظهر أنه رغم كل هذا النمو "الخارق" والنسبة المئوية الهائلة، لم تشكل الطاقة الشمسية أكثر من 0.4 في المائة من مجمل الطاقة التي استهلكتها البشرية بين عامي 2010 و2015.
وإن تفحصنا بدقة كل الأرقام المتعلقة بالطاقة البديلة أو المتجددة، لرأينا أن نسبة نمو طاقة الرياح بلغت 146 في المائة إلا أن إسهامها في الاستهلاك لم يتجاوز 1.4 في المائة، ونسبة النمو في الطاقة الكهرومائية وصلت إلى 14 في المائة إلا أن إسهامها في الاستهلاك العالمي للطاقة بلغ 6.8 في المائة فقط.
ملخص القول إن إسهام الطاقة البديلة في الاستهلاك العالمي لهذه الفترة، رغم الاستثمارات الهائلة والتغطية الإعلامية المستمرة لا بل المبالغ فيها، لم يعبر نسبة 10 في المائة.
وبقيت الطاقة الأحفورية سيدة الموقف من حيث الاستهلاك العالمي، حيث ظلت محافظة على نسبتها التي بلغت نحو 90 في المائة.
وغاب السياق عن هذه التغطية الخبرية المكثفة. والسياق يعني المقاربة والمقارنة بمعطيات أخرى.
مثلا لو قارنا أرقام شركة بريتش بتروليوم بأرقام الأمم المتحدة عن نمو السكان فقط، لصار بإمكاننا التوصل إلى محصلة مفادها أن مسألة استغناء العالم عن الطاقة الأحفورية "الفحم والغاز والنفط" صعبة المنال.
تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى أن سكان الأرض التحق بهم أكثر من 80 مليون نسمة في كل سنة من السنين الخمس للفترة 2010 ـــ 2015.
وهناك سيناريو وضعه مختصون في علم السكان التابعون للأمم المتحدة يقول إن تعداد سكان الأرض قد يصل إلى نحو 11 مليارا في عام 2100. وهناك سيناريو آخر يقول إن عددهم قد يبلغ 16 مليارا في عام 2100.
وإن علمنا أن سكان الأرض اليوم يبلغ عددهم 7.5 مليار لصار جليا لدينا كم سيحتاج العالم من طاقة في نحو 100 عام من الآن.

إنشرها