أخبار اقتصادية- عالمية

الاقتصاد الإيراني يغرق في الفساد والعقوبات الأمريكية

الاقتصاد الإيراني يغرق في الفساد والعقوبات الأمريكية

لم تمر ثلاثة أيام بالكاد على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، رفضه الإقرار بأن إيران التزمت بالاتفاق النووي الذي وقع قبل عامين، واصفا نظام الملالي في طهران بالمتطرف، وأن الحرس الثوري تحديدا "قوة الفساد والإرهاب في المرشد الايراني آية الله علي خامنئي، إلا وشهد اقتصادها حالة من التخبط، خوفا من انهياره، في ظل تراجع معدلات النمو وارتفاع معدلات التضخم.
ووجه الرئيس الأمريكي صفعة للنظام الإيراني، بإعلانه هذا، مؤكدا وجود احتمال فعلي لإلغاء الاتفاق النووي مع طهران، حيث أصدر تعليمات بفرض عقوبات "قاسية" جديدة على الحرس الثوري الإيراني، لدعمه الإرهاب.
والتوجهات الجديدة للإدارة الأمريكية في التعامل مع إيران، تمثل بالنسبة للخبراء الجزء البارز من جبل الجليد المغمور تحت الماء، والذي بات من الواضح أنه لا مفر أمام سفينة الاقتصاد الإيراني من الارتطام به عاجلا أم آجلا سواء أبحرت شرقا أو غربا.
لكن الخطير في الاتجاهات "العقابية" الجديدة لإدارة الرئيس ترمب ضد نظام الملالي في طهران، أنها تضرب وبشكل عنيف في العمود الفقري للقوى المهيمنة على النظام الإيراني اقتصاديا، ألا وهي "الحرس الثوري الإيراني".
فواشنطن تهدف لرفع الستار عن المسؤول الحقيقي في حشد وتعبئة موارد الاقتصاد الإيراني كافة، لتوجيهها لخدمة مصالح مجموعة ضيقة للغاية من تحالف رجال الدين مع القوى العسكرية لشن حملة توسعية للهيمنة على البلدان المجاورة تحت شعار تصدير الثورة.
وفي هذا الإطار لا يخفي كثير من المحللين الاقتصاديين والمعلقين توقعاتهم بأن تتفاقم المشاكل الاقتصادية الإيرانية في ظل التغيرات الراهنة في السياسة الأمريكية.
ويعتقد البروفيسور إسماعيل حسين زادة الخبير في الاقتصاد الإيراني، أن خطورة المرحلة الجديدة تتمثل في أنها تأتي بعد فترة قصيرة للغاية، من وعود الحكومة الإيرانية للشعب بأنهار من العسل بعد رفع العقوبات عن البلاد، وهو ما خلق حالة شعبية عامة من التمنيات ، إلا أنها الآن تتحول إلى وضع نفسي من الإحباط المتصاعد، بما قد يحمله ذلك من إمكانية الانفجار.
ويقول لـ"الاقتصادية" إن أخطر ما في تداعيات الموقف الجديد للسياسة الأمريكية، أن آفاق النمو الاقتصادي في إيران في الأمدين المتوسط والطويل تعتمد كليا على عاملين، الأول الاندماج في الاقتصاد العالمي في جوانبه الاستثمارية والبنكية والتجارية، والعامل الثاني متابعة تنفيذ سلسلة الإصلاحات الهيكلية الأساسية.
ويضيف" وفقا لتقديرات البنك الدولي سيتراجع معدل النمو خلال الفترة 2017-2019 إلى ما يزيد قليلا على 4 في المائة، وفي تقديري فإن مشكلة البطالة التي تمثل التحدي الأكبر والأخطر للنظام سياسيا واقتصاديا ستتفاقم، فقطاع النفط يواجه مشكلة حقيقية في افتقاده القدرة على استيعاب مزيد من الطاقة العاملة في ظل المستوى الراهن للأسعار، ووفقا لكميات الإنتاج المحددة بناء على حصص منظمة أوبك، ولذلك فإن النظام كان يعول على أن يساعد رفع العقوبات، على جذب مزيد من رؤوس الأموال الأجنبية في مختلف القطاعات".
وتابع" ولكن الآن بات شبه مؤكد أن هذا لن يحدث، فالشركات الدولية يستحيل أن تغامر بالاستثمار في إيران في ظل التطورات الأمريكية الأخيرة، وإيران بذلك لم تفقد فقط القدرة على رفع معدلات التوظيف، الذي يمكن أن تتحايل عليه بتوسيع نطاق التوظيف الحكومي أي البطالة المقنعة، وزيادة عدد العاملين في المؤسسة العسكرية، على الرغم مما سيمثله ذلك من عبء على الميزانية العامة وزيادة معدلات العجز المالي".
ولكن الأكثر خطورة من وجهة نظر البروفيسور إسماعيل حسين زادة ، أن ذلك يعني مواصلة العزلة التكنولوجية للقطاع المدني الإيراني عن التطورات العالمية، وستواصل الآلة الصناعية الإيرانية الإنتاج الرديء لمنتجاتها الراهنة، الذي يتم سكبها في أسواق البلدان الخاضعة لسيطرة الحرس الثوري الإيراني، وبذلك يستبعد أن يتم دمج إيران بشكل حقيقي في المنظومة الاقتصادية الدولية.
الدكتور بول هيدج أستاذ المالية العامة يعتقد أن فشل الرهان الإيراني على تدفق الاستثمارات الدولية على الأسواق المحلية، يرتبط في شق كبير منه بأن تحذيرات الإدارة الأمريكية تمثل جرس إنذار للمصارف العالمية بالابتعاد عن إيران، وبذلك لن تجد الشركات الاستثمارية الكبرى، حتى وإن رغب بعضها مثل بعض الشركات الأوروبية في الاستثمار في إيران، لن تجد آليات مؤسسية لتحقيق ذلك، لعدم تفاعل النظام المصرفي الدولي مع إيران.
ويؤكد لـ"الاقتصادية"، أن النظام المصرفي الإيراني لم يتطور تقريبا منذ عقدين من الزمن وأكثر، كما أن المصارف الإيرانية تواجه تحديات تتمثل في تأخر إقامة علاقة عمل بالمراسلة مع البنوك الدولية الكبرى، وسيقيد ذلك حتما قدوم الاستثمارات الدولية، بل وسيعوق حتى علاقة إيران التجارية في القطاعات التي تتمتع فيها بمزايا نسبية مثل صناعة السجاد.
أما الدكتور مارك كرولي الخبير في الاقتصاديات الناشئة فيعتقد أن التراجع الاقتصادي الإيراني في الفترة المقبلة سيكون أسرع من المتوقع.
ويقول لـ"الاقتصادية"، إنه منذ توقيع إيران على الاتفاق النووي فإن برنامج الإصلاح الاقتصادي، الذي بشر به الرئيس الإيراني، نال دفعة قوية، عبر سعي طهران للاندماج السريع في الاقتصاد العالمي وتعويض ما تعرضت له من خسائر ضخمة خلال سنوات العقوبات، أما الآن فقد تمت فرملة برنامج الإصلاح بصفة عامة، حيث سيتم إلغاء بعض جوانبه مثل الاندماج التجاري مع الأسواق الدولية، وذلك لرفض المصارف الدولية الكبرى التعامل مع البنوك الإيرانية، ولهذا فإن انخفاض معدل التضخم – الذي يعد المفخرة الرئيسية للرئيس روحاني في المجال الاقتصادي – الذي تراجع عن 10 في المائة العام الماضي، لأول مرة منذ 25 عاما نتيجة لاعتماد سياسة نقدية أقل تساهلا، سيعود إلى الارتفاع مجددا، إذ يصعب أن تواصل الحكومة تلك السياسة النقدية في ظل التطورات الأخيرة من قبل إدارة ترمب.
الدكتور جيرمي فرانك الأستاذ السابق في الاقتصاد السياسي يشير إلى أن خطورة التوجهات السياسية الأخيرة على الاقتصاد الإيراني تكمن أكثر في مجال الاقتصاد السياسي منها في مجال الاقتصادي البحت.
ويقول لـ"الاقتصادية"، لقد اعتاد الشعب الإيراني منذ الثورة الإيرانية على وضع اقتصادي ومعيشي صعب، وسنوات العقوبات تركت بصمات سلبية على البنية الاقتصادية الإيرانية، وأسهم سوء الإدارة للاقتصاد الكلي وإعلاء مفاهيم الولاء على الكفاءة، في تراخي البنية التحتية للاقتصاد المجتمعي، وإصابتها بحالة متجذرة من الوهن، بحيث بات الحراك المجتمعي، والانتقال من طبقة إلى أخرى أعلى، يرتبط بقيم لا تمت للحراك المجتمعي الذي يسود في المجتمعات.
ويضيف "الارتقاء الاجتماعي في إيران لا يرتبط بقيم مثل ارتفاع مستوى التعليم، أو المهارة ، أو الكفاءة، وإنما يرتبط بمدى امتلاك الشخص شبكة من العلاقات الاجتماعية المساندة له، بغض النظر عن مستواه التعليمي أو مهارته، ولكن أهم معيار للانتقال الطبقي في إيران حاليا، يتمثل في مفهوم الولاء سواء كان ذلك للمجموعة المهيمنة من رجال الدين أو للمؤسسة العسكرية بقيادة الحرس الثوري".
ويلفت إلى أن الحرس الثوري بات المؤسسة المهيمنة على النظام الاقتصادي الإيراني برمته، والمتحكم الحقيقي فيه تحت دعاوى حماية الأمن القومي، وتحت هذا المبرر باتت المقدرات الاقتصادية للأمة الإيرانية مرهونة في يد النخبة العسكرية ذات الميول القومية – الدينية المتطرفة، ومن ثم يمكن القول بدرجة عاليا من الثقة إنه لا يوجد اقتصاد إيراني بالمعنى العلمي للكلمة، بمعنى ملكية الشعب لمقدراته الاقتصادية، ولكن يوجد اقتصاد الحرس الثوري.
ويواصل قائلا " البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، والتدخلات واسعة النطاق في الشؤون الداخلية للبلدان المجاورة جعلت الاقتصاد الإيراني يئن بشدة، وتراجع مستوى معيشة المواطنين باستثناء أعضاء الحرس الثوري، ولكن القرار المتسرع للإدارة الأمريكية السابقة بتوقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات عن إيران مثل قبلة الحياة للحرس الثوري وليس للشعب الإيراني، إذ منح قادة الحرس الثوري قدرات مالية أكبر وأضخم نتيجة السماح بتصدير النفط، وحصولهم على عمولات ضخمة من الشركات الراغبة في الاستثمار في إيران، وفتح قنوات جديدة للتجارة الدولية تمت السيطرة عليها من قبل كبار المسؤولين في الحرس الثوري، وتجبرها لصالح الميزانية الخاصة بالمؤسسة العسكرية وليس الميزانية العامة للدولة ".
ويؤكد أنه مع موقف إدارة ترمب تجاه إيران، واستهدافه الحرس الثوري بشكل واضح وصريح، فإن الإمبراطورية الاقتصادية للحرس الثوري ستتعرض لضغط شديد، وهذا تحديدا سبب ضغط قادة المؤسسة العسكرية الإيرانية على الرئيس الإيراني لمهاجمة القرارات الأمريكية بشدة، وتصعيد لهجة خطابه ضد واشنطن، حيث إن قادة الحرس الثوري يدركون تماما أن تراجع إمبراطوريتهم الاقتصادية، سيوجد رأيا عاما إيرانيا معاديا للغاية لهم، بعد أن استشعر قطاع كبير من المواطنين حجم التفاوت المادي بين المنتمين للحرس الثوري وعامة الشعب.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من أخبار اقتصادية- عالمية