Author

الاقتصاد الإيراني يتداعى من جديد

|

لم يحقق اقتصاد إيران أي قفزات لافتة أو ذات أهمية، منذ أن بدأت بعض البلدان الغربية رفع جزء من العقوبات المفروضة على هذا البلد. وهناك أسباب عديدة لذلك، من بينها، أن العوائد المالية التي جناها النظام الإيراني بعد الرفع الجزئي للعقوبات، لم تدخل أساسا في صلب الاقتصاد الوطني. في الواقع ذهبت إلى سراديب علي خامنئي الإرهابية، في تمويل ما يسمى بـ"الحرس الثوري"، ودعم العصابات التابعة له في عدد من البلدان، وكذلك تمويل الحرب التخريبية في سورية، وإمداد الحوثيين في اليمن. وهنا أيضا الفساد المنتشر في البلاد الذي أدى إلى فضح مسؤولين سابقين وحاليين، بينما لم تقترب الفضائح من أولئك المقربين من "مرشد الثورة". باختصار هذه الأموال ذهبت إلى التخريب، ولم تضخ في التنمية وتوفير فرص العمل، بل لم تستخدم حتى في إعادة تأهيل منصات نفطية أكل عليها الزمن وشرب.
ومع التوجه الأمريكي الجديد الذي من المتوقع أن يسحب معه عددا من حلفاء الولايات المتحدة إلى المسار نفسه، تتعمق هشاشة الاقتصاد الإيراني أكثر. خصوصا إذا ما أخذنا في الاعتبار تردد كثير من المؤسسات الاستثمارية العالمية في العودة إلى السوق الإيرانية، حتى قبل التوجه الأمريكي الحاسم الجديد حيال النظام الإيراني. وهذا التردد ظل باقيا حتى عندما أعلنت الإدارة الأمريكية السابقة أنها لن تلاحق من يتعامل مع الإيرانيين. فهذه المؤسسات اختبرت الغضب الأمريكي عندما فرضت واشنطن غرامات مالية هائلة عليها، وقدمت بعضها للقضاء، بسبب سلوكياتها غير المنضبطة في التعامل مع إيران ومع أطراف تعمل بصورة غير مباشرة مع النظام الحاكم فيها.
وعلى الرغم من أن العقوبات الجديدة لم تفرض بعد، إلا أن الاضطراب العام في اقتصاد إيران ظهر على الفور. فهذا البلد لا يتحمل (اقتصاديا) حتى الشائعات، فكيف الحال بسياسة أمريكية جديدة ومعلنة؟ وبمخططات تطرح خيارات عديدة بما فيها إمكانية إلغاء الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة "الخمسة زائد واحد"، أو على الأقل انسحاب الولايات المتحدة منه. ستكون المرحلة المقبلة مليئة بالهزات لاقتصاد إيران، علما بأن البلاد تعاني ما يمكن أن نطلق عليه "الاقتصاد الموازي"، وهو اقتصاد لا علاقة له بالوطن، بل بالمخططات التخريبية للنظام الحاكم، التي انعكست بأشكال مختلفة وخطيرة على الوضع الداخلي. بطالة مرتفعة، غلاء فاحش، فقر متزايد، كلها تضرب المجتمع الإيراني بقوة.
العقوبات الجديدة المتوقعة، ستضرب الحراك الاستثماري والتجاري والمصرفي. فالإيرانيون يعانون حتى اليوم صعوبة الحصول على مكاسب ائتمانية مصرفية، وذلك بسبب خوف المؤسسات المالية من التعامل معهم. ما استفاد منه النظام الإيراني ماليا واستثماريا في أعقاب التوقيع على الاتفاق النووي، سيذهب أدراج الرياح مع أول عقوبات جديدة. الساحة ستبقى مضطربة اقتصاديا، طالما ظلت السياسات الإيرانية على حالها. وهي سياسات ليست أقل من أنها تخريبية تنشر الفوضى والقتل في الأرجاء. والمشكلة الرئيسة هنا ليس في فرض عقوبات جيدة، بل في تمسك نظام خامنئي باستراتيجية تنال من بلاده كما تنال من البلدان التي يستهدفها لأسباب طائفية وعصبية وإجرامية.

إنشرها