Author

حكاية في الطائرة

|
في الأسبوع الماضي كنت في رحلة على الطائرة إلى بلد عربي. كان مقعدي بجوار النافذة لكن وجدت سيدة عجوزا تجلس فيه ففضلت ألا أزعجها وتركتها ثم جلست بجوارها، وكعادة التغييرات الفجائية جلست سيدة عجوز أخرى بجواري بدلا من زوجي الذي اختاروا له مكانا بجوار رجل آخر، ولا أدري أهي صدفة تلك التي جمعتني مع هاتين السيدتين أم رسالة أرادني الله أن أوصلها لعلها توقظ قلوبا غفلت عن حقوق الأم والإحسان إليها. سيدة النافذة كانت عجوزا عربية في الـ70 من عمرها أخذت تطالع بألم كبير أنوار الرياض وهي تختفي، ثم انحدرت من عينيها دموع اختلطت بآهاتها فتخيلت أن قلبها سينخلع من مكانه. مددت لها قارورة ماء فقالت بوجع: أتعلمين يا ابنتي أن ابني الوحيد الذي أفنيت عمري من أجله أنا ووالده حجز لي تذكرة ذهاب بلا عودة، كنا نسرق اللقمة من أفواه شقيقاته لنعطيها إياه، فقد كنا نعده لأن يكون سندا وعكازا لنا حين تخوننا خطواتنا، وحين أصبح مهندسا متفوقا يشار إليه بالبنان بدأت تنهال عليه العروض من الشركات الكبرى واستطاع أن يحصل على عقد عمل في الرياض وبراتب ضخم، ثم أحب فتاة من معارفنا وتزوجها وأنجب منها طفلا هو الآن في سنته الثانية, حين أصيب والده بجلطة العام الماضي أرسل لنا مبلغا صغيرا ولم يكلف نفسه الحضور لرؤية والده. مرت سنتان واشتاق قلبي لرؤيته فأرسلت له أطلب منه أن يحجز لي تذكرة لأسافر إليه، وليتني لم أحضر وليت قلبي لم يشتق، لم تمر سوى أيام حتى بدأ هو وزوجته يضيقان بي ذرعا، وبين الحين والآخر يسألني متى سأعود؟ كل شجار كانت زوجته تفتعله كان يقف في صفها ويرفع صوته علي ثم يخاصمني من أجلها حتى أعتذر لها وأهين نفسي أمامها، وبالأمس دخل وفي يديه تذكرة "ذهاب بلا عودة" قائلا "لا تفكري مرة ثانية تجيني زيارة أنا ما أقدر أتحملك وإذا لقيت فرصة سافرت لكم"، والله يا ابنتي انخلع قلبي وأنا أراه يرفع صوته في وجهي وزوجته تبتسم بشماتة "يا ليتني ما حملت ولا ولدت"! وظلت تبكي وتمسح دموعها بطرف حجابها، ثم تنظر للنافذة تبحث عن أنوار الرياض التي اختفت. حاولت أن أخفف عنها لكن مع الأسف كانت في واد عميق لا تسمع فيه إلا أصداء توجعها وخيبة أملها وانكسار قلبها، وحين التفت إلى السيدة الأخرى.. رأيت في عينيها حكاية أخرى لكنها مختلفة تماما أكمل في مقالي المقبل ..

اخر مقالات الكاتب

إنشرها