Author

«الاستشراف» .. ضرورة ولكن

|
مختص في شؤون الطاقة

بداية أود أن أوضح أن استشراف المستقبل فيما يخص النواحي الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مطلب رئيس وضرورة ملحة. لا توضع الخطط الاستراتيجية وأهدافها المرجوة وبرامجها التنفيذية إلا بوجود مراكز معتبرة تقوم بعمل "دراسات مستقبلية" مبنية على بيانات ذات جدوى يقوم بمعالجتها مختصون فتنتج من ذلك معلومات ذات قيمة تغذى بها هذه الدراسات فتنعكس إيجابا على مخرجاتها ودقتها. هذا لا يعني أن نعتقد أن مخرجات الدراسات المستقبلية مسلمات ذات طبيعة جامدة لا تتغير، وفي المقابل لا يعني ذلك أنها أقل أهمية من الدراسات التاريخية والحالية. بل يجب أن تتصف المراكز المختصة بهذا النوع من الدراسات بالديناميكية ومتابعة المتغيرات التي تطرأ على مدخلات المواضيع محل الدراسة وبشكل دوري لتقييمها وتقويمها. سأسلط الضوء في هذا المقال على استشراف مستقبل النفط وأهمية ديناميكية مراكز الدراسات المستقبلية في جمع المعلومات وتمحيصها. استوقفتني تقارير سنوية لأحد المراكز المتخصصة في الدراسات المستقبلية لقطاع الطاقة، فوجدت في تقريرها الذي نشر عام 2012 أنها كانت تتوقع وصول إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري في عام 2016 إلى 1.27 مليون برميل يوميا، لكن على أرض الواقع وصل الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري إلى 4.25 مليون برميل يوميا! أي بزيادة 374 في المائة على المتوقع. بل توقعت هذه الدراسة ألا يتجاوز الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري حاجز ثلاثة ملايين برميل يوميا حتى عام 2035. أنا هنا لا أتهم هذه المراكز المختصة ذات الخبرة الكبيرة والعميقة بفشلها في قراءة المستقبل وضعفها في ذلك، بل أود أن أوضح أن العالم ليس بمنأى عن تقلبات مفاجئة وظروف مختلفة قد تنسف كثيرا من مخرجات بعض الدراسات المستقبلية وهذا شيء وارد بل طبيعي في عالم معقد كعالم النفط وصناعته. ولذلك نجد أن ديناميكية هذه المراكز وسرعة استجابتها لمتغيرات الأسواق الفنية والجيولوجية وغيرهما تنعكس إيجابا على تقاريرها الدورية وهذا ما يميز المراكز عن بعضها بعضا. بل من الممكن أن تتغير مخرجات دراستها وأرقامها بشكل كبير قد يبدو تناقضا أو عشوائية لدى البعض وهذا غير صحيح. لا أخفيكم سرا أنه بعد اطلاعي على التقارير السنوية التي ذكرتها سابقا واختلافها عن الواقع بنسبة كبيرة بعد عدة سنوات، تغيرت بعض قناعاتي عن مستقبل الطاقة المتجددة وأنها لن تشكل إلا 8 في المائة‏ من مصادر الطاقة في العالم بحلول عام 2040 كما ورد في بعض الدراسات. سألت نفسي ماذا لو لحق هذه الدراسة المستقبلية ما لحق بغيرها؟ واكتشفنا أن صناعة الطاقة المتجددة تتسارع بوتيرة أعلى مما كنا نعتقد؟ لن أقول إن ذلك شر محض على الوقود الأحفوري بشكل عام والنفط الذي يشكل جل إيراداتنا بشكل خاص، بل أتمنى أن نعمل بديناميكية أكثر ومرونة تسمح لنا بالتعامل مع جميع "السيناريوهات" المتوقعة بناء على قاعدة صلبة من المعلومات القيمة التي ستنعكس إيجابا بلا شك على خططنا التنفيذية لتحقيق الأهداف المرجوة.

إنشرها