Author

تحسن الاستقرار المالي قد يعرض النمو المستقبلي للخطر

|

المستشار المالي ومدير إدارة الأسواق النقدية والرأسمالية في صندوق النقد

يبدو الأمر كأنه مفارقة. فالنظام المالي العالمي يكتسب قوة أكبر بفضل قوة النمو الاقتصادي وانتعاش الأسواق وانخفاض أسعار الفائدة. لكن على الرغم من هذه الظروف المواتية فقد بدأت الأخطار تلوح في الأفق متمثلة في مواطن ضعف مالية متزايدة، وهو ما يتطلب من صناع السياسات التحرك العاجل لكبحها.
وكما نشرح في تقرير الاستقرار المالي العالمي، أن التعافي من الأزمة المالية العالمية لم يكتمل بعد. ويواصل مسؤولو البنوك المركزية اتباع سياسات تيسيرية لدعم النمو، وهو توجه صائب لكنه يولد حالة من التراخي، ويسمح بتراكم مزيد من التجاوزات المالية. وتغتنم الجهات المقترضة غير المالية فرصة توافر الائتمان بأسعار منخفضة للحصول على كم كبير من القروض. ومن ناحية أخرى، يواصل المستثمرون شراء أصول أكثر خطرا وأقل سيولة. وإذا تركت مواطن الضعف تلك دون علاج، فستستمر في التراكم حتى تهدد بإخراج التعافي الاقتصادي عن مساره الصحيح في حالة حدوث صدمات.
ولا شك أن هناك ما يدعو إلى التفاؤل، فأسعار الفائدة المنخفضة وأسعار الأصول المتزايدة يدفعان النمو. وقد أضافت البنوك الكبيرة المؤثرة في النظام العالمي – التي تستمد تسميتها من أن إخفاق أحدها يمكن أن يهز النظام المالي – مبلغا قدره تريليون دولار إلى رأسمالها الاحتياطي منذ عام 2009، كذلك زاد الاستثمار الأجنبي الداخل إلى الأسواق الصاعدة والاقتصادات منخفضة الدخل. وتعقد الآمال على الانتعاش العالمي في تحقيق تعافٍ مستمر والسماح للبنوك المركزية بإعادة سياساتها النقدية إلى أوضاعها العادية في نهاية المطاف.
فلماذا ينبغي أن يشعر صناع السياسات بالقلق؟
لنبدأ بالمخاطر في الأسواق المالية. قبل الأزمة، كانت هناك سندات آمنة نسبيا من الدرجة الاستثمارية بقيمة 16 تريليون دولار تدر عائدا يتجاوز 4 في المائة. وقد تضاءلت الآن إلى تريليوني دولار فقط. والواقع أن هناك قدرا هائلا من الأموال يطارد قدرا ضئيلا من الأصول عالية العائد. والنتيجة هي أن المستثمرين يتحملون مخاطر أكبر ويعرضون أنفسهم لتكبد خسائر أكبر إذا تدهورت الأسواق.
ثم إن هناك مستويات دين متزايدة في أكبر اقتصادات العالم. فقد بلغ اقتراض الحكومات والأسر والشركات، باستثناء البنوك، فيما يسمى مجموعة العشرين أكثر من 135 تريليون دولار، أي ما يعادل نحو 235 في المائة من إجمالي الناتج المحلي المجمع لهذه البلدان. ورغم أسعار الفائدة المنخفضة، فقد ارتفعت أعباء خدمة الديون في عدة اقتصادات. وبينما ساعد الاقتراض على تحقيق التعافي، نجد أنه أنشأ مخاطر مالية جديدة. فعلى سبيل المثال، يشير الفصل الثاني من تقرير الاستقرار المالي العالمي إلى ارتباط نمو مديونية الأسر كنسبة من إجمالي الناتج المحلي بزيادة احتمالات الأزمات المصرفية.
وفي الصين، يشير حجم النمو الائتماني وما يتسم به من تعقد وسرعة إلى ارتفاع المخاطر التي تهدد الاستقرار المالي. فقد ارتفعت أصول القطاع المصرفي إلى 310 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، أي أكثر ثلاث مرات تقريبا من متوسط الأسواق الصاعدة في مقابل 240 في المائة في نهاية 2012. ولا يزال إقراض "الظل" مخاطرة كبيرة بالنسبة إلى البنوك الصغيرة. وقد اتخذت السلطات خطوات جديرة بالترحيب لمعالجة هذه المخاطر، ولكن لا يزال يتعين القيام بالمزيد. فمن الضروري اتخاذ إجراءات إصلاح أوسع نطاقا لتخفيض اعتماد الاقتصاد على النمو الائتماني السريع.
وقد استفادت البلدان منخفضة الدخل من الأوضاع المالية الميسرة وزيادة فرصها للوصول إلى أسواق السندات العالمية. وبينما استُخدِم الاقتراض بوجه عام لتمويل مشاريع البنية التحتية وإعادة تمويل الديون، وسداد المتأخرات، فقد اقترن أيضا بتدهور ضمني في أعباء المديونية، قياسا على نسبة خدمة الدين.
وعلى وجه الإجمال، يبدي المستثمرون تراخيا متزايدا تجاه الصدمات المحتملة التي يمكن أن تسبب اضطرابات في الأسواق، ومن بينها المخاطر الجغرافية-السياسية، وحدوث طفرة في التضخم، وحدوث قفزة مفاجئة في أسعار الفائدة طويلة الأجل. فكيف ينبغي أن يتحرك صناع السياسات لمواجهة هذه الأوضاع؟ هناك عدة خطوات يمكن اتخاذها:
• تستطيع أكبر البنوك المركزية تجنب حدوث الاضطرابات في الأسواق عن طريق الاستفاضة في شرح خططها المزمعة لإلغاء سياسات ما بعد الأزمة بالتدريج.
• ينبغي لأجهزة التنظيم المالي أن تعمم ما يطلق عليه اسم "السياسات الاحترازية الكلية"، أو استخدام الأدوات الاحترازية لتحقيق الأهداف المهمة للاقتصاد الكلي، لإزالة حوافز الإقراض الأكثر خطرا.
• ينبغي لبلدان الأسواق الصاعدة والبلدان منخفضة الدخل أن تغتنم فرصة الأوضاع الخارجية الحميدة لتخفيض مواطن الضعف ودعم الصلابة عن طريق تعزيز معايير الإقراض وبناء هامش وقائي من رأس المال والسيولة وزيادة الاحتياطيات.
• ينبغي أن تزيد الأجهزة الرقابية من تركيزها على نماذج العمل المطبقة في البنوك لضمان الربحية القابلة للاستمرار. وتشير تقديراتنا إلى أن ما يقرب من ثلث البنوك المؤثرة في النظام المالي، التي تمتلك أصولا قيمتها 17 تريليون دولار، ستعاني في سعيها لتحقيق الربحية اللازمة لضمان الصلابة في مواجهة الصدمات.
• ينبغي استكمال جدول أعمال الإصلاحات التنظيمية العالمية وتنفيذه بالكامل. ويظل التعاون العالمي ضروريا في هذا الصدد.
ومع الإجراءات الصحيحة، يمكن لصناع السياسات اغتنام فرصة هذه الفترة المواتية وكبح مواطن الضعف المتصاعدة وضمان بقاء التوسع الاقتصادي على المسار الصحيح.
إن الوقت لا يصلح للتراخي، إنما هو وقت العمل، وإلا فقد يتعرض النمو المستقبلي للخطر.

إنشرها