Author

ماذا سيضيف «صندوق الصناديق» لمنظومة الاستثمار؟

|

أعلن صندوق الاستثمارات العامة هذا الأسبوع إطلاق صندوق الصناديق الذي سبق أن أعلن عنه عام 2016، ولمن لا يعلم ماذا يعني مصطلح صندوق الصناديق فهو صندوق استثماري مثله مثل أي صندوق آخر لكن بدل أن يستثمر بشكل مباشر في أسهم أو ملكيات مباشرة في شركات فهو يستثمر في صناديق أخرى تستثمر هي بشكل مباشر في ملكيات الشركات، بمعنى آخر أن الاستثمارات التي يضخ هذا الصندوق أمواله فيها هي صناديق أخرى، وتعرف هذه الصناديق بـ Fund of Funds ومن هنا جاءت التسمية بصندوق الصناديق، وهي موجودة في السعودية لدى بعض الشركات المالية.
أما ما القطاعات التي يستهدف هذا الصندوق الاستثمار فيها؟ فهو يستهدف بشكل أساسي "صناديق" رأس المال الجريء و"صناديق" الملكية الخاصة، لذلك ومرة أخرى، الصندوق لن يكون المستثمر المباشر في هذه القطاعات بل مستثمر غير مباشر وخلف صناديق تكون هي المدير والمشغل ولهذا الصندوق لن ينخرط في المتابعة والتفاصيل الدقيقة للمشاريع والاستثمارات، لكن قد يشارك في صنع السياسات العامة للاستثمار والمخاطر مع مديري الصناديق المستهدفة كي تتوافق مع السياسة العامة للصندوق فقط.
ولعل من المناسب هنا الإشارة إلى مقالي الأسبوع الماضي الذي كان بعنوان "رأس المال الجريء الاستثمار القادم" الذي تطرقت فيه إلى أهمية استثمارات رأس المال الجريء وأنها مرتبطة بشكل واضح بتطور التقنية ونماذج الأعمال التي تسمي "نماذج الأعمال المربكة أو المضطربة مثل أوبر وAirbnb وغيرهما التي بسرعة غير مسبوقة في عالم الأعمال كبرت وعظمت قيمتاهما السوقيتان لتصبحا بمليارات الدولارات في أقل من عشر سنوات، بل في بعض الأحيان أقل من خمس سنوات، وهذا حدث غير مسبوق ولم تشهد الأسواق في الزمن السابق مثل هذا النمو إلا في حالات قليلة ومعدودة لكن اليوم أصبح هذا المعدل من النمو شائعا بشكل أكبر من الماضي والشواهد واضحة، واليوم يعد وادي السيليكون في كاليفورنيا "الذي يضم أغلب الشركات التقنية التي تم الاستثمار فيها عن طريق رأس المال الجريء" أحد أهم روافد الاقتصاد في هذه الولاية التي لو استقلت اليوم لأصبحت سادس أكبر اقتصاد في العالم وهي كذلك أكبر اقتصاد من بين الولايات الأمريكية طبعا ليس كله بسبب وادي السليكون لكن هو رافد مهم لها، المهم في هذا الموضوع هو خروج جميع هذه الشركات من رحم استثمارات رأس المال الجريء، وكما ذكرت سابقا فلولا وجود هذه النوعية من الصناديق والاستثمارات لم نكن لنرى مثل هذه الشركات على أرض الواقع والسبب أن جميع الاستثمارات والصناديق الأخرى بطبيعتها لا تقبل أبدا الاستثمار بهذه الدرجة من المخاطرة وعدم الموثوقية بهذه المشاريع، بكل تأكيد معظم أن لم يكن كل استثمارات هذه الصناديق هي عالية المخاطر لكن مع نجاح نسبة منها فإن نجاحها يكون بعشرات أو مئات أضعاف حجم المبالغ التي تم الاستثمار فيها وعليه تغطي جميع الخسائر من الاستثمارات الأخرى مع أرباح جيدة للصندوق طبعا هذا مرهون بدرجة المهنية والحنكة بمديري الصندوق لاختيار المشاريع والاستثمارات ومتابعتها بشكل جيد وهي مهمة ليست بالسهلة أبدا.
إن إطلاق هذا الصندوق في هذا الوقت لهو مناسب جدا خصوصا مع الترقب لتحسن بيئة الأعمال التدريجي مع إطلاق هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة التي بدورها تعتني كجزء من عملها بهذه المشاريع التي يستهدفها رأس المال الجريء، إذن نحن نتحدث عن "منظومة" بدأت في التشكل والتكامل مع جميع أطرافها من البداية وهي سهولة بدء ممارسة الأعمال ووجود الحواضن والمسرعات وهذا من اختصاص هيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل وهذا من اختصاص الجهات التمويلية المختلفة ومن بينها صناديق وشركات الاستثمار في رأس المال الجريء إلى النهاية وهي منصة السوق الموازية (هيئة سوق المال) التي يتم فيها التخارج وانتهاء مهمة صناديق رأس المال الجريء.
على الجانب الآخر، يستثمر صندوق الصناديق في "صناديق" الملكية الخاصة وهي الاستثمار في ملكيات الشركات غير المدرجة في السوق المالية بشكل عام وغالبا تتميز هذه الصناديق بمرونة عالية لكن بمخاطر أقل بكثير من المخاطر الموجودة في استثمارات رأس المال الجريء وفي شركات لديها نماذج عمل مستقرة غالبا على عكس رأس المال الجريء الذي يستثمر في البدايات هي تستثمر في مراحل متأخرة وأكثر نضجا، وهي كذلك تملك مرونة في مدة الاستثمار على خلاف صناديق رأس المال الجريء الذي يراوح بين ثلاث و سبع سنوات ويتم تدوير رأس المال في مشاريع أخرى، أيضا استثمارات الملكية الخاصة تعد إضافة مهمة للمنظومة وتطور الاقتصاد فهي وسيلة جيدة للتمويل وتناقل الملكيات بين المستثمرين وتساعد البيئة الاستثمارية بشكل عام على التطور وزيادة الزخم فيها.
ختاما أتمنى استمرار المسيرة نحو مزيد من العمل لتكامل المنظومة الاستثمارية بجميع مراحلها وأطرافها وبداية من الأهم فيها وهو تسهيل وتسريع إجراءات بداية الأعمال وتقديم المساعدات وتقليل التكاليف أو الإعفاء بشكل كامل من جميع الرسوم الحكومية في أول سنوات العمل حتى يتم التشجيع بشكل عملي ويترجم التنظير السابق إلى جهد عملي واضح لكل من يريد ممارسة نشاط تجاري، واليوم بنظرة سريعة نجد أن جميع دول العالم تتسابق لتسهيل وتسريع ممارسة الأعمال وتقديم كل الدعم وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على مدى الأهمية التي يحتلها هذا القطاع اقتصاديا.

إنشرها