Author

رفع الدعم لرفع كفاءة الاستهلاك

|
مختص في شؤون الطاقة
السعودية هي جزء من هذا العالم، واقتصادها يجري عليه ما يجري على جميع الدول، خصوصا الدول التي يشكّل النفط جل إيراداتها. "رؤية السعودية 2030" هي رؤية طموحة وخريطة طريق ستوصلنا ـــ بإذن الله ـــ إلى تحقيق محاورها الثلاثة وهي مجتمع حيوي، واقتصاد مزدهر، ووطن طموح. لكل محور من هذه المحاور ركائز وبرامج تنفيذية مختلفة لا تخفى على القارئ الكريم، هدفها مجتمعة هو تحقيق هذه الرؤية. هذه البرامج التنفيذية قابلة للتمحيص والتعديل وهذا مؤشر صحي وإيجابي، فكل ذي لب يعي أن ليس هناك تقويم بلا تقييم! يهمنا في هذا المقال المحور الثاني من محاور الرؤية المتعلق بالاقتصاد الذي يهدف إلى التحرر من النفط، ويقصد بذلك تخفيض الاعتماد على الإيرادات النفطية، حيث لا تتجاوز 50 في المائة من مجمل الإيرادات بحلول عام 2030 ــ إن شاء الله ـــ. سأسلّط الضوء على الأسباب التي تجعل رفع الدعم عن الطاقة ضرورة وهو بلا شك إحدى أدوات الدولة لتنويع مصادر الدخل، وما انعكاساته على المواطن السعودي في حال تطبيقه؟ أولا دعونا نتفق أن الوقود الأحفوري "النفط، الغاز، الفحم" ثروة ناضبة وأن كلّ برميل من النفط أو متر مكعب من الغاز يتم استخراجهما من باطن الأرض لا يمكن تعويضهما. لذلك من البدهي بل من الضروري التركيز على رفع كفاءة "الاستهلاك" كما هي الحال في رفع كفاءة "الاستخراج". الحقيقة التي لا يمكن تجاوزها بل يجب الوقوف عليها والتدبر فيها بإنصاف وبعين المحب لوطنه الغيور على مستقبله وتنميته، أن السعودية كانت وما زالت تدعم الطاقة ومشاريعها بمبالغ طائلة تصل إلى مئات المليارات. أدى هذا الدعم إلى أن تصبح أسعار الوقود من الأرخص في العالم، بل الأرخص في دول الخليج العربي. وهذا ينطبق أيضا على تعرفة الكهرباء المدعومة من الحكومة. هذا التفاوت في أسعار الوقود بين السعودية ودول الخليج سال له لعاب اللصوص والمهربين ضاربين باقتصاد الوطن عرض الحائط. وهذا يعد خيانة واستغلالا مقيتا للدعم، وعليه فإن رفعه سيلغي هذا الحافز، حيث تكون أسعار الوقود في الخليج العربي متقاربة، وقد فصلت هذه الجزئية وأفردت لها مقالا منفصلا في هذه الصحيفة الموقرة قبل عدة أشهر يحمل عنوان "رفع الدعم وقاية والعقوبة علاج". هناك هدر للطاقة لا يمكن إغفاله، وأعتقد أن الجميع يتفقون معي في هذا الرأي، أن ترشيد استهلاك الطاقة واجب ديني قبل أن يكون وطنيا، وذلك حفاظا على هذه الثروات الناضبة ودعما لاقتصاد هذه الأرض الطاهرة التي نعيش على ترابها. ترشيد استهلاك الكهرباء يعني تخفيض كمية النفط الخام ومشتقاته والغاز الطبيعي التي يتم حرقها لتوليد الكهرباء ما سيطيل عمر هذه الثروة الناضبة. إضافة إلى المردود المالي الكبير الذي سيعود على خزانة الدولة، فكل برميل من النفط ومشتقاته أو متر مكعب من الغاز يتم توفيره سواء بسبب ترشيد الاستهلاك أو بيعه بسعره العالمي سيدعم بلا شك اقتصاد الوطن دعما لا يستهان به. ختاما، لا يعتريني شك أبدا أن جميع الإجراءات التي تتخذها الدولة ورجالها المخلصون ومنها رفع الدعم هي إجراءات تصب في مصلحة الوطن والمواطن وستؤتي أكلها بحول من الله وقوته. وكمواطنين ومقيمين وأصحاب عمل، حري بنا أن نكون لبنة بناء وشريكا حقيقيا لتحقيق هذه الرؤية الطموحة، وذلك بمراعاة الله قبل كل شيء في هذه الثروات التي من الله بها علينا واستهلاكها بكفاءة للحفاظ عليها للأجيال المقبلة. وأعتقد من وجهة نظري أن رفع الدعم سيكون تدريجيا ومتزامنا مع «حساب المواطن» كي لا يتضرر ذوو الدخل المتوسط والمحدود، سيتبعه- بحول الله وقوته- تطوير وتفعيل لقطاع النقل العام. وكلي ثقة وتفاؤل بأن انعكاسات مثل هذه القرارات ستكون إيجابية على الفرد والوطن بأسره، ليس كما يحاول بعض المتربصين تصويرها على أنها جباية للأموال بغير وجه حق!
إنشرها