FINANCIAL TIMES

العالم الافتراضي .. العلاقة المفتوحة مع الأبناء سبيل السلامة

العالم الافتراضي .. العلاقة المفتوحة مع الأبناء سبيل السلامة

مس، هل لديك حساب على إنستجرام؟ هل لديك سناب شات؟
"عظيم مس، هل يمكننا أن نرى حسابك على سناب شات؟".
مجموعة من الأطفال ممن يبلغون من العمر 13 عاما - جميعهم طلبة السنة التاسعة في مدرسة ليليان بيلس في كينينجتون جنوبي لندن - تهجم مسرعة على جهاز الآيفون الخاص بي وكأنهم سرب نحل هجم على وعاء عسل مكشوف. قبل أن أتمكن من الرد، كانت أيديهم قد وصلت إليه بالفعل. وحسابي على السناب شات مفتوح.
"لديك إعلانات فارغة. لديك تسعة أصدقاء. هل تعرفين هؤلاء الناس؟". "المس لم تقم حتى بإعادة إضافتهم! دعينا نرى! دعينا نرى!".
تقدم إحدى الفتيات، كوشانا، النصيحة للمعلمة بشكل رسمي قائلة: "إن كنت لا تعرفينهم، لا تضيفيهم. إلا إذا كانوا أصدقاء لأصدقاء لديك. فيمكنك إضافتهم. لكن إياك أن تضيفي أي شخص بشكل عشوائي أبدا".
يقول طالب آخر، أومار، وهو ينظر لي نظرة تشي بنوع من الازدراء: "لقد قمت بتصوير الشاشة لإحدى لقطات السناب. رغم ذلك، لم تحققي سوى 500 على السناب. هذا جيد. انظري، لديك أعداد كبيرة من الناس لتتحدثي معهم".
عندما أعادوا لي هاتفي، اكتشفت أنهم التقطوا صور سناب لبعضهم بعضا، مع إضافات كثيرة: صورة لكوشانا بوجه ملائكي غريب وصديقتها جادا - رينيه، وهي ترتدي تاجا من الازهار الوردية أعلى الضفائر، وصورة سناب أخرى لكايلي، تظهر فيها بأزهار لامعة أعلى رأسها.
تتساءل كايلي متلهفة: "نحن نلتقط صور سناب ونحن نرتدي الزي المدرسي، لكنك لن تقومي بنشرها، أليس كذلك يا مس؟". هذه ليست إحدى القواعد المدرسية، لكن الأطفال يعلمون أن من السهل التعرف على زيهم المدرسي من قبل الغرباء عبر الإنترنت. من ثم، يشيدون بي ويغيرون رأيهم على الفور قائلين: "لكن يمكنك ذلك إن أردت. فهذه الصور ستختفي بعد مضي 24 ساعة لذلك لا تنسي أن تخزنيها على ذاكرة الجهاز". تلتقط جهازي وتشرح لي الطريقة التي يمكنني بها تخزين الصور.
في الوقت الذي أخذ فيه هؤلاء الأطفال الذين يبلغون من العمر 13 عاما يعلمونني مخاطر استخدام هذا التطبيق، يبدي البالغون قلقهم باستمرار حول الطريقة التي يتم بها صقل العقول اليافعة من خلال شاشات الهواتف. فنحن جميعا نركز اهتمامنا على الفكرة التي مفادها أن النشوء في عصر متصل رقميا يختلف اختلافا جذريا عن الطفولة في الأجيال السابقة، وهو تغيير يتشكل كليا من خلال الإنترنت.
الباحثون مشغولون بتحليل كل جوانب الآثار التي تتركها شبكة الإنترنت على سلوك الأطفال الاجتماعي، وصحتهم العقلية، وحتى تطورهم الفسيولوجي. هناك أبحاث تدور حول أنواع جديدة من التنمر، ودراسات تعمل على تقييم الارتفاع الحاصل في عدد المجرمين عبر الإنترنت من المتمرسين في الفضاء الإلكتروني، وغير ذلك من الدراسات. وفي كل مكان تذهب إليه يعبر الكبار دون توقف عن قلقهم ومخاوفهم إزاء جيل الهواتف الذكية.
لكن ماذا عن الأطفال أنفسهم؟ فهم المقيمون الحقيقيون في هذا العالم الافتراضي - المستخدمون الفائقون للتطبيقات الجديدة، وهم أول من يعتمد الأشكال الجديدة لوسائل التواصل الاجتماعي، وهم خبراء الترفيه عبر الإنترنت، وأقسى النقاد عندما لا تلبي تلك التكنولوجيات معاييرهم. ومع ذلك، غالبا ما تعمل موجة الاهتمام والقلق من الآباء والأمهات على طمس أصواتهم. لذلك، رحت لكي أستمع إلى وجهات نظرهم - ما يحبونه وما يكرهونه في الهواتف، وما هي أكثر التطبيقات التي يستخدمونها ولماذا، وكيف ترتبط ذواتهم الحقيقية بوسائل الإنترنت. ما اكتشفته بعد كل هذا - في الغرف الصفية وفي الملاعب والمقاهي وعبر الإنترنت - دائما ما كان مسليا وغالبا ما كان غير متوقع.
أحد مصادر القلق الكثيرة التي ظهرت بشأن جيل وسائل التواصل الاجتماعي المستخدم للهواتف هي أن الأطفال أخذوا يصبحون منعزلين بصورة متزايدة – إنهم يقضون المزيد والمزيد من الوقت باستمرار وهم يحدقون في شاشاتهم في غرف النوم بدلا من الانخراط في تفاعلات حقيقية. عودة إلى مدرسة ليليان بيلس، أحاول تفهم ما تعنيه الصداقة في وقت يحظى فيه معظم الأطفال بمئات من "الأصدقاء" عبر الإنترنت ومتابعين عبر مجموعة متنوعة من القنوات.
تعيش كايلي، وهي إكوادورية من الجيل الثاني، في بريكستون مع شقيقتها ووالديها، وهي أفضل صديقة لتشيدنا، الأنجولية-البرتغالية التي تعيش مع والدتها وشقيقتها الكبرى على بعد دقائق قليلة فقط من مدرستها.
سألت الصبيتين عما يعنيه أن تربطهما علاقة صداقة قوية. تقول كايلي: "في الأساس، يعني ذلك أننا نستخدم برنامج فيس تايم كل يوم بعد الدوام المدرسي. لا أحب أن يراني أي أحد بعد انتهاء الدوام، لأنني أبدو مختلفة في زي المدرسة عما أنا عليه بالزي العادي، أبدو أكبر سنا. لذلك، أستخدم فقط فيس تايم للتواصل معها".
من جانبها، تقول تشيدنا: "إنها تحتفظ بكل أسراري ونحن نتحدث مع بعضنا بعضا باللغتين الإسبانية والبرتغالية، التي لا يفهمها أي أحد غيرنا، لذلك يبدو الأمر جميلا".
تقول كايلي: "ترغب كل واحدة منا في أن تصبح محامية جنائية. لذلك نستخدم فيس تايم ونركز على تعليمنا ودراستنا. نقوم بحل الواجبات معا".
كيف يمكن أن يكون شعور الطلبة بحياة خالية من الهواتف؟
تقول كوشانا: "أنا وهاتفي أفضل صديقين، أنا أقرب إلى هاتفي من عائلتي. إنه أول شيء أنظر فيه في الصباح، وآخر شيء أتفقده قبل النوم". تضيف كايلي: "بصراحة، أعيش حياة منعزلة داخل البيت. فأنا دائما ما أستخدم الهاتف عندما أكون في البيت. ولا يكون ذلك دائما بهدف التحدث إلى شخص ما، فقط لا أستطيع العيش دون وجوده. لذلك، أجلس على الأريكة ومعي هاتفي والسماعات. لا أهتم بالتحدث مع أحد في البيت طالما أنني أحمل معي هاتفي إلى جانبي".

عالم جديد

أمضت عالمة النفس الاجتماعي، سونيا ليفينج ستون، عاما وهي تراقب 30 طفلا تراوح أعمارهم بين 13 إلى 14 عاما في لندن من أجل إعداد كتابها "الصف" الذي نشر في عام 2016. أحد الأمور التي سببت لها صدمة كانت حقيقة أن وسائل التواصل الاجتماعي أكثر من مجرد شكل بديل للتواصل - فقد كانت عالما جديدا كليا يتيح للشباب إمكانية تأكيد هويته.
تقول ليفينج ستون، الأستاذة في كلية لندن للاقتصاد: "يتيح الإنترنت مجالا للمرونة والتجريب، لذلك إن كنت ذلك الطفل الصومالي، أو الطفل الذي يحب لعبة الشطرنج، أو الطفل غير محدد الجنس، يمكنك مقابلة أشخاص من النوع نفسه، حتى إن كنت تقضي معظم وقتك في دائرة مغلقة نصف قطرها خمسة أميال حول المدرسة أو البيت. حتى العقد الأخير، كان من الصعب جدا العثور على، أو الحصول على الاعتراف بأية هوية معينة كطفل، لكن هذا سمة مميزة للإنترنت. إنها سمة غير عادية".
تقتصر النقاشات السياسية في معظمها على تمبلر وتويتر. المراهقون في لندن يتماهون مع حزب الديمقراطيين الأحرار. "لديهم أشياء مثل التصويت لمن يبلغ من العمر 16 عاما. تطبيق تمبلر واسع النطاق، وليس فيه قيود، وهو أمر مثير للاهتمام من الناحية السياسية، لأنك ستجد أكثر اليساريين تطرفا وأكثر اليمينيين تطرفا، وستكون قادرا على الاطلاع على مدونات كل منهما".
تقول ليفينج ستون ضاحكة: "إنهم يبدون حقا كجيل واثق بنفسه، أليس كذلك؟ أثناء رجوعهم إلى المنزل في طريق عودتهم من المدرسة أو داخل غرفهم ليلا، عندما يكونون بعيدين عن المعلم وبعيدا عن سيطرة آبائهم وأمهاتهم، في هذه الحالات يلجأون إلى المنصات الرقمية ويحاولون تجربة الأمور مع أصدقائهم، حيث يلتقون ويجربون، وليشعروا بالاستقلالية".
بالنسبة لساشا كادي (18 عاما) إنستجرام ينقذ حياتها. هذه المراهقة ذات الشعر الداكن والبشرة الشاحبة بعينين كبيرتين تضع حلقة فضية ناعمة مثقوبة على أنفها. وقد عادت لتوها لإنهاء دراستها الجامعية في لانكشير. وهذه هي أول عطلة صيفية تقضيها في المنزل بعد قضاء عطلتين في المستشفى. أعلم عنها كل هذه المعلومات من خلال حسابها على إنستجرام، حيث لديها 16500 متابع وتنشر أخبارا مرة واحدة يوميا على الأقل. عبر إنستجرام، تصف نفسها بأنها كاتبة و"محاربة وناجية من مرض فقدان الشهية".
كدت أن أيأس من جعلها ترد على رسائل البريد الإلكتروني التي كنت أرسلها لها، لكن فيما بعد حاولت التواصل معها عبر إنستجرام، حيث كانت ردودها فورية. ترسل لي رسالة فورية تقول فيها: "الكلمات لا تصدق، لكن إضافة صورة لكلماتك يكون الأمر حتى أكثر جمالا. أصور منشوراتي كقصائد موسيقية في مقطع فيديو موسيقي. إنه أمر جميل ويروي أكثر من مجرد قصة".
عندما كانت في سن 15 عاما، خضعت ساشا لنظام غذائي دام ثلاث سنوات عاشت خلاله على تناول ما بين 5 إلى 10 في المائة فقط من الاحتياجات الغذائية اليومية الموصى بها. تكتب لي قائلة: "انتهى بي الأمر إلى الذهاب للمستشفى مرتين. وكدت أن أموت أكثر من مرة بسبب تدهور حالتي الصحية. توقفت عن ممارسة كل ما كنت أحب عندما أصبحت مريضة. لكن في يوم من الأيام، التقطت صورة لنفسي وفوجئت. قلت في نفسي: ’ما الخطأ في جسمي؟‘". كتبت أول منشور لها عبر إنستجرام حول تلك الصورة، ومنذ ذلك الحين تفجر حسابها بتعليقات داعمة لها ومحادثات حول تقبل الجسد وإيذاء النفس والصحة النفسية والعقلية.

مجتمع إنستجرام

أما الآن، كما تقول، مجتمع إنستجرام بالنسبة لها هو أحد أكبر مصادر الإلهام التي تمكنها من مواصلة حياتها. تخبرني قائلة: "مع الأسف، هناك دائما ضغوط لتكون شخصا آخر (عبر الإنترنت) وأنا أحاول محاربة ذلك. خلاصة رسالتي هي أنه ليس من الملزم أن تتبع مسارا محددا". يكشف البحث خلال صورها الشخصية ومنشوراتها المحفزة عن وجود تعليقات خالصة من مراهقين آخرين. يكتب أحدهم: "بصراحة، ساعدتني منشوراتك كثيرا. قرأت الكثير منها في الآونة الأخيرة وللمرة الأولى منذ ست سنوات بدأت أخيرا أرى نهاية لكل الألم الذي كنت أعيشه طوال حياتي وأن أرى نفسي وقد أصبحت أكثر سعادة مرة أخرى".
تقول ساشا: "تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي من جعل الناس ممن هم في مثل عمري يشعرون بأنهم أكثر انفتاحا إزاء ما يمكنهم مشاركته مع الآخرين. أشعر وكأن جيلي أصبح أكثر تعاطفا ورأفة وانفتاحا".
مع عدم وجود شرط قانوني يحدد عمر مستخدمي الهواتف الذكية، فإن الأمر متروك للوالدين لتحديد الوقت الصحيح لإدخال أبنائهم في ذلك المجال. توصلت دراسة أجرتها شركة البحوث Influence Central في أيار (مايو) الماضي إلى أن متوسط عمر الأطفال الذي يسمح لهم فيه باقتناء أول هاتف ذكي في حياتهم هو 10.3 عام الآن.
يبدو هذا متماشيا مع الأطفال في بيشوب جيبلين في ويمبلدون، جنوب غربي لندن، حيث أتحدث إلى صف مكون من مجموعة من الأطفال المتحمسين ممن تراوح أعمارهم بين عشرة و11 عاما. وقد طلب منهم التقاط صور سيلفي في الملعب في وقت لاحق لـ "فاينانشيال تايمز"، لذلك تجد الجميع منشغلا في تخطيط الكيفية التي ستظهر بها تلك الصور.
بما أنهم لا يزالون من حيث السن صغارا دون الحد على استخدام منصات التواصل الاجتماعي مثل سناب شات وإنستجرام (اللتين تتطلبان مستخدمين تتجاوز أعمارهم 13 عاما)، بدأ معظمهم للتو في اقتناء هواتف ذكية، على الرغم من أن الجميع تقريبا كان يمتلك جهاز آيباد عندما بلغوا سن الثامنة.
ويشعر الكثير من أولياء الأمور بالقلق من الآثار المترتبة على الأطفال الصغار بمثل هذا السن، التي تنجم عن قضاء وقت طويل أمام شاشة الهاتف. وكل الأطفال الذين تحدثت معهم يخضعون لحظر على استخدام الهواتف في البيت، عادة قبل الذهاب للنوم. يقول ماكس البالغ من العمر عشر سنوات: "إن ارتكبت أي خطأ، يحرمني أهلي من استخدام الهاتف، لذلك يغلب على تصرفاتي أن تكون جيدة عندما أكون خاضعا للمراقبة".
خلافا للمراهقين في مدرسة ليليان بيلس، لم يكن الأطفال الذين بلغوا من العمر عشر سنوات والذين تحدثت إليهم مهتمين باتصال هواتفهم بشبكة وسائل التواصل الاجتماعي. في معظم الأحيان كانوا يمارسون ألعابا ويشاهدون فيديوهات سخيفة، على الرغم من أن بعضهم بدأت تظهر عليه علامات مبكرة على السلوك الإدماني الذي يظهر على من هم في سن 13 أو 14 عاما.
يخبرني ولد يبلغ من العمر عشر سنوات قائلا: "على جهاز الآيباد الخاص بي، لدي ألعاب ماينكرافت وكلاش رويال (لعبة هاتف مشهورة على نطاق واسع يخوض فيها اللاعبون معركة لتدمير قلاع الأعداء وحصونهم)، إضافة إلى أنني أحب الألعاب مثل لعبة ساب واي سيرف وكولور سويتش".
يقول جاك، صبي في العاشرة من عمره تقريبا وذو شعر أسود منساب، انتقل أخيرا من فرنسا إلى لندن: "أراقب الناس يلعبون لعبة كلاش رويال عبر يوتيوب. أمتلك قناة يوتيوب خاصة بي، وعندما يضيف الناس تعليقات يوجهون لي فيها الشتائم، أتجاهلها في معظم الأحيان. أخبرني والدي بأن أفعل ذلك". سألته عما يفعله أثناء تصويره لفيلم عن نفسه ينشره عبر يوتيوب. يجيب: "كلاش رويال".
يقول ولد آخر وهو يضحك: "أشاهد مقاطع فيديو (حاول ألا تضحك)، حيث يقوم الناس بفعل أشياء مضحكة وعليك أن تحاول ألا تضحك. مثل ذلك المقطع عندما ينهار برج كبير ضخم من الجينجا على وجه رجل. أو ذلك المقطع عندما يهرب الطفل من جدته".
تقول آريانا شايلي: "أحيانا، إن شعرت بالغضب في أي وقت بعض التطبيقات الموجودة على هاتفي تساعد في تهدئتي. أحب لعبة كوكينج فور إيفر (الطبخ بلا توقف)، حيث يكون لديك في الأساس الكثير من المطاعم ويجب عليك أن تطبخ وأن تجمع أكبر مبلغ من المال".
تقول ليلي: "وكذلك مقاطع الفيديو عبر اليوتيوب التي تصور المواد اللزجة، إنها ممتعة. فأنت تقوم بالعثور على الأشياء المتناثرة حول البيت، لذلك تدخل سلة المهملات وتأخذ منها الأشياء. وهم يقدمون لك أفكارا عبر يوتيوب لما يمكنك استخدامه من الأشياء الموجودة حول المنزل لصنع المواد اللزجة".
يقول جاك: "حرفيا أنا أحب المواد اللزجة".

الحقيقي والافتراضي

هل يفضلون قضاء وقت عبر الإنترنت أكثر من الوقت الذي يقضونه في العالم الحقيقي؟ يخبرني ماكس قائلا: "أحب ذلك نوعا ما، لكنني أشعر بالانزعاج عندما يبدأ أفراد الأسرة الكبار في السن، مثل إخواني وأخواتي، عندما نكون جالسين مع بعضنا بعضا، في النظر في هواتفهم وأنا أحاول التحدث إليهم. في بعض الأحيان، يبدو الأمر محبطا".
يقول طفل آخر وهو يدير عينه دلالة على الاستياء: "دائما ما أطلب من والدتي أن تتوقف عن استخدام الهاتف. في كل مرة تستيقظ فيها، أول ما تفعله هو أنها تفتح فيسبوك. أحاول أن أذكرها بأن من المفروض أن تعمل على إعداد طعام الإفطار، أو أن لديها عملا يجب أن تقوم به، لكن كل ما تفعله هو أنها تحدق في هاتفها". أسألهم متى يستخدمون أجهزتهم. يقول ميشا: "عندما لا أكون مستعدا للذهاب إلى السرير. وهذا يحدث مثلا حين أكون قد مررت لتوي بأحلام مزعجة أو أنني لا أستطيع النوم. في هذه الحالة أفتح جهاز الآيباد وأبحث عن شيء ما. أود أن أشاهد الأفلام أو يوتيوب على مثلا".
يتابع: "أحدث أفضل التطبيقات التي يمكن استخدامها هي حين لا تكون بحاجة إلى بريدك الإلكتروني أو لا تحتاج إلى دخول الإنترنت. حين تكون متعبا وفي السرير، بإمكانك مثلا أن تلعب لعبة روبلوكس لمدة عشر دقائق، وهذا يجعلك تشعر بالاسترخاء. وإذا جاء أحد والديك، ما عليك سوى أن تخبئ الجهاز تحت ملاءة السرير".
بالنسبة لعقل الإنسان البالغ يتم تجميع جميع التطبيقات معا تحت تسمية غير متبلورة وعملاقة هي "وسائل الإعلام الاجتماعية". شجعت وسائل التواصل الاجتماعي الإدمان على الهواتف الذكية، وسوء السيطرة على الانفعالات، وذلك وفقا لمجموعة من الدراسات. ووجد تقرير صدر أخيرا عن الجمعية الملكية للصحة العامة أن القلق والاكتئاب تفاقم بسبب الاستخدام المكثف لتطبيقات الوسائط الاجتماعية مثل إنستجرام وسناب شات وتويتر.
لكن بالنسبة للأطفال الذين تحدثت إليهم، كل منصة متميزة عن غيرها، بالطريقة نفسها التي كانت ترى بها الأجيال السابقة الهاتف والتلفزيون على أنهما جهازان مختلفان. جورج (14 عاما) لديه ستة أصدقاء تم اختيارهم بعناية وهم يتحدثون طوال الوقت من خلال قنوات متعددة. على إنستجرام، لدى جورج أربعة حسابات منفصلة.
على تمبلر، كل صباح وكل مساء، يكتب جورج وصديق له حكاية خيالية تتألف من عدة فصول، عن طريق كتابة الرسائل النصية لحوار الشخصيات المتنقلة ذهابا وإيابا بينهما. في يوم من الأيام، يريدان نشر النص.
على شاشة هاتف جورج الرئيسية المنظمة تنظيما جيدا، يحتل كل من تطبيقات واتساب، وتويتر، وسناب شات، وسبوتيفاي ومحرر مستندات جوجل المساحات الرئيسية.
انتقل بالشاشة إلى اليسار، تجد تشكيلة من تطبيقات أقل استخداما بما في ذلك Pinterest، وWattPad، وEver وYouNow. كل تطبيق له شخصيته الخاصة: تمبلر إبداعي، وإنستجرام شخصي، واتساب للدردشة الجماعية، وسناب شات للمحادثات، وتويتر للأخبار، ومستندات جوجل للواجبات المنزلية. هناك حساب واحد مهمل لفيسبوك الذي يعتبر "غريبا جدا، حيث لا يتتبعني عليه أحد سوى أصدقاء والدتي".
تقول كوشانا، من مدرسة ليليان بيلس، وهي تهز رأسها في نوع من الفزع: "عندما لا أستطيع الذهاب إلى سناب شات أبكي. أعني أني أبكي فعلا. لا أزال أستخدم Musical.ly أحيانا"، إشارة إلى تطبيق شعبي ظهر في الآونة الأخيرة يسمح للأطفال بالغناء المتزامن على أنغام الأغاني الشهيرة.
يقول كايلي: "نعم، استخدمناه أكثر عندما كنا في سن السابعة، قبل هذا كان كل شيء حول مجموعات واتساب، أتذكر؟". يقول لي عمر، وهو طالب آخر: "أتحدث إلى أشخاص عشوائيين على سناب شات، لكني أضيفهم قبل أن أقرر منعهم أم لا. لمعرفة ما إذا كانوا مثيرين للاهتمام فعلا".
يقول نسيبة: "هل تتحدث مع الغرباء على سناب شات؟".
يجيب عمر: "أنا لا أشاركهم بأشياء. فقط أرى ما ينشرونه ثم أشاهدهم لمعرفة من هم وأضيفهم إذا أحببت قصصهم".
بالنسبة لهارسيتا راجا (17 عاما)، من شمال غربي لندن، سناب شات هو المكان الذي "أنا فعلا أتفاعل من خلاله مع الناس. إنه شيء يومي. إذا كنت أجري محادثة مناسبة يمكن أن تصل إلى نحو 50 محادثة في اليوم مع شخص واحد".
على إنستجرام، قالت إنها تتبع كل صديقاتها على حسابات "فينستا" - حسابات منفصلة يستعملونها كمجموعات خاصة، حيث يمكنك إضافة الأشياء الشخصية أو المضحكة التي لا ترغب أن تضعها على حسابك إنستجرام العادي لأنه عام جدا. يوجد لدى هارسيتا على فينستا نحو 100 شخص. تقول: "فقط من أجل السلامة، أعتقد، أنا لا أحب حقيقة أن أي شخص يمكن أن ينظر إلى ما كنت أفعله في وقت معين". وجد الباحثون أن استخدام وسائل الإعلام الاجتماعية - خاصة التطبيقات المدفوعة بالصور - ترتبط ارتباطا جوهريا بقيمة الذات لدى المراهقين اليوم. تقول أدريانا ماناغو، عالمة النفس الاجتماعي في جامعة كاليفورنيا، سانتا كروز، المختصة بتنمية الشباب والتكنولوجيا: "هناك جانب خبيث بشكل خاص على وسائل الإعلام الاجتماعية يتعلق بتقديم الأفضل عن نفسك، مثل نشر صور لك في أفضل إضاءة لتبدو فائق النحافة".
تضيف سانتا كروز، التي تتخصص في تطور الشباب والتكنولوجيا: "لكن ذلك ليس تمثيلا دقيقا لحياة الناس، بل يمكن أن يزيد من انعدام الأمن لدى الأطفال الأكثر ضعفا".
هل توافق هارسيتا على ذلك؟ "مع الأسف، نعم". كل شخص يقارن عدد الإعجابات والمشاركات التي يحصل عليها، ولا أحد يحب أن يكون لديه القليل منها. "كلما كان عددها أكثر، يكون أفضل. الرقم هو مجرد إشباع فوري. بالنسبة لإفبب أو إنستا الرقم عادة ما يكون أكثر من 200 إعجاب. (الشعور) هو مثل خيبة الأمل. حزين، ولكن لا مجال للإنكار".

دور الآباء

ولأن العالم الرقمي غير مستقر، وغير مرئي وغير مفهوم إلى حد كبير بالنسبة للكثير من البالغين، فإن الأطفال هم الذين يقررون كيف تسير الأمور. في عام 2015 وجدت أوفكوم أن الأبناء في عمر 12-15 سنة كانوا يقضون على الإنترنت ضعف الوقت الذي كانوا يقضونه قبل عشر سنوات. ووجد استطلاع لـ "يو جوف" أن أكثر من نصف الأطفال البريطانيين يصلون إلى شبكة الإنترنت في غرف نومهم، دون إشراف الكبار.
أليسون هيفي، المؤسسة المشاركة لـ "راب بروجكت"، التي تساعد على رفع مستوى الوعي حول القضايا المرتبطة بعالم الإنترنت، تستطيع أن ترى منذ الآن فرقا بين الأجيال.
تقول: "لدي علاقة مفتوحة جدا مع ابنتي عن الحياة على الإنترنت. لكن فاتني الركب مع (ابني البالغ من العمر 20 عاما) مايك، لأننا لم يكن لدينا هذا الحوار. لكنني تعلمت من خطئي وبدأت ذلك الحوار مع إيزابيل (15 سنة) عندما كان عمرها عشر سنوات. إنها لا تطلعني على كل شيء، بطبيعة الحال. مجموعتها تهتم بالموضة والمكياج. تحب شراء وبيع وقياس الملابس على الإنترنت. انها معجبة كبيرة بـ (سوق الإنترنت) Depop".
قبل بضعة أشهر كانت ابنة هيفي تحاول بيع زوج من الأحذية على Depop وخاطبها أحد المشترين. ومع مواصلة الاتصال، طالب المشتري المزيد من الصور للأحذية التي يرتديها الأشخاص الذي هم في عمر 15 عاما. وعندما طلبوا منها إرسال فيديو للغسول الذي تضعه على قدمها قبل أن تضعه في الحذاء، أدركت هيفي أن ابنتها أصبحت ضحية غير مقصودة لشخص يحتمل أنه مولع بالأقدام.
غالبا ما تطلع هيفي الآباء الآخرين على الدرس الأكبر الذي تعلمته من أطفالها. تقول: "اسأل أطفالك: ’أي صديق لديه مشاركات إنستجرام الأكثر إثارة للاهتمام، لماذا، هل يمكنك أن تبين لي؟ من هو المضحك حقا على واتساب؟ من هو الغريب؟ من الذي تحب مشاهدته على يوتيوب؟‘. إذا بدأت تسألهم في عمر 11 و12، فمن المرجح أن يضعوك ضمن هذه الفئة في الوقت الذي يكبرون فيه".
بالنسبة للذين يشعرون بالقلق إزاء طبيعة الإدمان الموثقة جيدا للهواتف الذكية، تشير بعض الأبحاث إلى أن كثيرا من الأطفال بدأوا ببطء في الخروج من الضباب، وحتى تجريب أسلوب حياة التكنولوجيا الخفيفة، خاصة في الوقت الذي يجتازون فيه قمة سن المراهقة في وقت مبكر. وفي أيار (مايو)، وجدت دراسة استقصائية أجرتها منظمة البحوث الاجتماعية في جامعة شيكاغو أن 58 في المائة من المراهقين الأمريكيين أفادوا بأنهم أخذوا فترات راحة من وسائط التواصل الاجتماعي، وكثير منهم فعل ذلك طوعا. أوضحت سانجانا بودار (15 عاما) من ويمبلدون، أنها خرجت من سناب شات في وقت سابق من هذا العام. قالت لي"شعرت بالانزعاج لأن الجميع فيه كانوا دائما يقومون بتوثيق كل شيء. بعد فترة معينة لم أكن أريد أن أكون في غرفة من الناس حيث كان الجميع يحدق في الهواتف". في بعض الأحيان، تشعر بأنها مستبعدة أو فاتها شيء عندما يشارك الجميع في المدرسة قصص سناب شات، لكن بعد ذلك تتذكر لماذا توقفت عن استخدامه. وتقول: "كان الأمر وكأنك تفرض على الشخص أن يتذكر أنك موجود. وقد مللت من هذا". وهي لا تزال تستخدم واتساب للمحادثة الجماعية، وإنستجرام للنظر إلى الفن وسبوتيفاي. على تويتر، تتبع الكتاب والسياسيين، مثل دونالد ترمب، الذي هو "مسل جدا ويبقيني على معرفة بآخر الأحداث"، كما تقول.
إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES