Author

قمة التحول التاريخي في العلاقات

|

في توصيف دقيق مختصر، طرح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، آفاق العلاقات السعودية - الروسية، وسبل تطويرها ودعمها، والوصول بها إلى المستوى المطلوب، بما يعكس أهمية ومحورية كل من المملكة وروسيا إقليميا ودوليا. وهو بذلك أطلق في الواقع إشارة بدء التحول الجديد في علاقات الرياض وموسكو، بعد سلسلة طويلة من اللقاءات والاتصالات والمشاورات على مختلف المستويات، إلى جانب "طبعا" الحزمة الكبيرة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم التي وقعت بين الجانبين. اتفاقيات تعزز التوجه السعودي لتنمية العلاقات مع روسيا، وتدعم حراك المملكة التنموي في ظل "رؤية 2030" وبرنامج التحول المصاحب لها. وكذلك الأمر بالنسبة إلى مذكرات التفاهم التي أجمع الطرفان على ضرورة نقلها إلى مرحلة الاتفاقيات بأسرع وقت ممكن.
الملك سلمان بن عبدالعزيز كان كعادته واضحا في كل شيء، ما عكس الوضوح التقليدي للمملكة في مواقفها حيال كل القضايا المطروحة، ولا سيما تلك المتفاعلة أو المؤثرة في الحراك الآني في المنطقة والعالم. وعندما يقول "إن مباحثاته مع الرئيس فلاديمير بوتين مثمرة"، فهذا يعني أن نتائجها ستظهر في التو، وانعكاساتها الإيجابية ستسود المشهد العام، وعوائدها الثمينة ستتوزع في كل الاتجاهات، سياسيا واقتصاديا. تحقيق السلام الدائم في المنطقة وحل القضية الفلسطينية ورفع المعاناة عن الشعب الفلسطيني الشقيق، كلها ثوابت أكدها خادم الحرمين الشريفين. وكذلك الأمر بالنسبة إلى المشكلة اليمنية والأزمة السورية وغيرهما من أزمات متفاعلة بدرجات مختلفة في المنطقة.
المشكلة الرئيسة تبقى دائما متمثلة في النظام الإيراني، وهذا النظام لم يترك وسيلة لنشر الخراب إلا واعتمدها، ولا أداة تدميرية إلا واستخدمها، وما من فرصة للتدخل في شؤون الغير إلا واستعملها. كان الملك سلمان حريصا على تأكيد هذه الحقيقة أمام القيادة الروسية، التي تربطها بطهران علاقات تسمح لها بالفعل بطرح هذه المشكلة المتواصلة. وإيران - كما يعرف العالم - لا تحترم الأعراف والقوانين الدولية، ولم تلتزم يوما بمبادئ حسن الجوار، وضربت عرض الحائط بكل الفرص التي وفرها لها العرب للعودة إلى جادة الصواب والسلام. إنها محور رئيس للشر، على العالم أجمع أن يعمل لإيقافه من أجل مصلحته، ومصلحة شعوب المنطقة.
على الجانب الاقتصادي لهذه الزيارة التاريخية، أظهرت التفاهمات والاتفاقيات أهميتها إلى أبعد الحدود. فالجانبان "السعودي والروسي" حريصان على دفع العلاقات الاقتصادية إلى آفاق أرحب وأوسع. والملك سلمان أشار في معرض تناوله لهذه العلاقات إلى أهمية "رؤية المملكة 2030" في تعزيزها. فالسعودية تمضي قدما في بناء اقتصادها الوطني الذي يستند بالدرجة الأولى إلى تنويع مصادر الدخل، وتطوير القطاعات الموجودة، واستحداث قطاعات تحاكي المرحلة المقبلة، وكلها تصب في سياق التنمية المستدامة. مع ضرورة الإشارة هنا إلى مكاسب التعاون النفطي بين الرياض وموسكو، وانعكاساته الإيجابية على السوق النفطية، خصوصا عندما وقفتا في وجه أي محاولات للقفز على اتفاق خفض الإنتاج، ما ضمن على الأقل عدم حدوث انهيارات جديدة في الأسعار.
القمة السعودية - الروسية هي في الواقع خط البداية لتحول تاريخي يرقى إلى مستوى وقيمة البلدين. وهذا التحول لا يختص بجوانب محددة، بل يشمل كل النواحي على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها. إنها مرحلة مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، لأن مغانمها عالمية كما هي ثنائية.

إنشرها