Author

الخلاف الراقي

|

لعل النقاشات الحادة التي انتشرت خلال الفترة الماضية أخذت الجميع على حين غرة. تميز المشهد الثقافي اليوم بالحدة والألفاظ غير المعتادة من قبل كثير من المتداولين في مختلف المواقع البارزة للقارئ والمستمع والمشاهد. لعل هذا ناتج عن الضغوط النفسية والمجتمعية، ولكنه في الغالب ينتج عن حالات الاستقطاب التي تسيطر على المشهد الثقافي.
صحيح أن الاختلاف ضرورة لكشف المختلف وإبراز المحاسن والمساوئ، لكن المتوقع أن يكون كل ذلك تحت سقف معين يحرص الجميع على المحافظة عليه. البعد عن الشخصنة وتصيد الأخطاء والإهانة للرأي المخالف أمور يجب أن تنال حقها من التذكير المستمر. هذا لا يعني أننا سنكون ملائكة في التعامل ولكننا سنكون أكثر مراعاة لشعور الآخر.
نشاهد كثيرا من التجاوزات والتعديات في أعتى دول الحرية الفكرية، وهذا غير مستغرب في وقت اندمجت فيه الثقافات وأصبح البون شاسعا بين مفاهيم الأمس واليوم، وتبنى كثيرون فكرا مختلفا جدا عما كان يعتبره الرأي العام منطقيا ومقبولا في السابق من الزمن. السابق من الزمن هذا ليس قبل قرن أو قرنين وإنما لا يتجاوز العقد من الزمن.
الاندفاع المستمر نحو الاختلاف والتبني السريع للتغيير لدى كثيرين، يؤدي إلى ابتعادهم عن المجموعة الأعم التي تسيطر في وقت من الأوقات، ومع مرور الوقت سيتقارب الفريقان، ولو نظرنا لفكر كل منهما لوجدناه بعيدا جدا عما كانا عليه قبل عقدين من الزمان.
في أمريكا على سبيل المثال كانت المطالبة بحقوق المثليين جريمة عند كثير من مكونات المجتمع قبل عقدين من الزمان، وهي اليوم حق مشروع لا يمكن أن يقف ضده أحد، لأنه سيكون ضد الأغلبية والقانون. حالة لم يكن أحد يتوقعها في مجتمع فيه من المحافظة ما في الولايات المتحدة.
هي الحال نفسها في كل دول العالم اليوم، وهذا الانجراف وراء مفاهيم جديدة ومحاولات الأغلبية إثبات انتمائهم لمفاهيم كانوا يحاربونها قبل سنين قليلة ليس مختصا ببلد معين، وإنما هو حالة شاملة في كل مكان. لذا لا يستغرب أن ينتشر هذا الأمر بيننا ونحن نعيش في هذا العصر ونتأثر بما فيه من التغيير في أحوال المجتمعات اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وفكريا.

إنشرها