FINANCIAL TIMES

«مونارك» .. آخر ضحايا سوق الطيران الاقتصادي في أوروبا

«مونارك» .. آخر ضحايا سوق الطيران الاقتصادي في أوروبا

وصلت "مونارك" إلى حافة الانهيار عدة مرات من قبل. لكن شركة الطيران البريطانية التي قدمت طلبا للخضوع للإدارة القضائية في الساعات الأولى من الثلاثاء، فشلت هذه المرة في العثور على منقذ.
نفدت أخيرا الخيارات والأموال المتاحة أمام شركة الطيران ومنظمة الرحلات لمعالجة وضعها، وبالتالي أصبحت آخر ضحايا السوق الأوروبية للمسافات القصيرة التي تشهد منافسة شديدة. كقرينتيها، "إير برلين" و"أليتاليا"، اللتان خضعتا للإدارة القضائية هذا الصيف، كانت "مونارك" غير قادرة على التنافس في أوروبا، حيث كانت تواجه شركات طيران أكبر بكثير وذات قواعد تكلفة أقل بكثير. وقد شجعت أسعار الوقود المنخفضة الشركات المنافسة الأقوى على إغراق السوق بالقدرة التشغيلية، ما فرض ضغوطا على الشركات الأضعف.
يقول جون ستريكلاند، المستشار في شؤون الطيران: "ضلت مونارك نوعا ما طريقها في السنوات الأخيرة، في محاولة لإعادة تجديد نفسها شركة نقل جوي منخفضة التكلفة، لكن في سوق تتلقى تزويدا جيدا من شركات مهيمنة مثل ريان إير وإيزي جيت". "مونارك" التي تأسست في عام 1968 على يد العائلة السويسرية – الإيطالية "مانتيجازا" إبان ازدهار برامج العطلات، كانت شركة مربحة خلال جزء كبير من تاريخها المبكر، إلى أن بدأت سوق الطيران المستأجر بالتراجع وسط منافسة من شركات الطيران منخفض التكاليف، والسهولة المتزايدة في تجميع العطل والإجازات من خلال الإنترنت.
لكن في السنوات الخمس الماضية كافحت خامس أكبر شركة طيران جوي في المملكة المتحدة من أجل وضع نفسها في مسار ناجح.
في السنوات الثلاث الماضية فقط، تم إنقاذها من الانهيار مرتين عن طريق أموال نقدية طارئة قدمتها شركة الاستثمارات "جري بول كابيتال" ـ مقرها في لندن ـ التي اشترت شركة الطيران في عام 2014 قبل ساعتين من تعرضها للإعسار. في الإجمال، "جري بول" التي استحوذت أيضا على مصنع سكانثروب، التابع لـ "تاتا ستيل" في شرق إنجلترا وأعادت إحياءه، ضخت الأموال إلى "مونارك" في تسع مناسبات منفصلة. قبل ذلك كانت أسرة مانتيجازا قد استثمرت 115 مليون جنيه في إعادة تمويل شركة الطيران. في ظل ملكية "جري بول"، تخلت "مونارك" عن أنموذج أعمالها الذي سارت عليه مدة طويلة بوصفها شركة لتأجير الطائرات، وأعادت تشكيل نفسها ناقلا جويا منخفض التكاليف يمكنه التنافس مع "إيزي جيت" و"ريان إير" في نقل أصحاب العطلات. وسرحت الشركة 700 موظف، وخفضت أسطولها، وألغت رحلات المسافات الطويلة، ما ساعد في تقليص 200 مليون جنيه استرليني من التكاليف السنوية. وأبرمت أيضا صفقة مع صندوق حماية المعاشات التقاعدية حصل من خلالها الصندوق، المختص في التعويض عن خسارة المعاشات التقاعدية، على حصة نسبتها 10 في المائة في الشركة وتولى مسؤولية تغطية العجز في نظام المعاشات التقاعدية البالغ 158 مليون جنيه.
في الوقت الذي حققت فيه أعمال إعادة الهيكلة بعض النجاح الأولي - جنبا إلى جنب مع أسعار الوقود الرخيصة واليورو الضعيف، الذي ساعد الشركة في تحقيق أول أرباحها خلال ثلاث سنوات في عام 2015 - إلا أنه لم تدم لفترة طويلة.
في الآونة الأخيرة عانت الشركة تأثير الهجمات الإرهابية في مصر وتركيا وتونس، التي ضربت السياحة في تلك البلدان، ما أدى إلى إلغاء الرحلات الجوية من قبل مزيد من شركات الطيران من بريطانيا إلى إسبانيا، أكبر الوجهات التي تقصدها مونارك. في الوقت نفسه، الجنيه الاسترليني الأضعف منذ تصويت المملكة المتحدة على مغادرة الاتحاد الأوروبي زاد من التكاليف. وكانت كل أرباح الشركة تقريبا بالجنيه الاسترليني، لكنها منيت بتكاليف كبيرة بالدولار الأمريكي وعملات أوروبية أخرى.
في تشرين الأول (أكتوبر) 2016 قدمت "جري بول" 165 مليون جنيه لمساعدة الشركة على الاحتفاظ بترخيص الطيران الخاص بها، عندما حذر الرئيس التنفيذي، أندرو سوافيلد، من وجود "سوق صعبة". قال سوافيلد إن هذه الأموال - أكبر استثمار حصلت عليه الشركة في تاريخها – من شأنها أن تمكنها من "التوجه فعليا نحو مستقبل مليء بالثقة". منذ ذلك الحين، تزايدت صعوبة السوق، مع قول أناس قريبين من "جري بول" إنهم كانوا أول من تعرض "لضغوطات خارجية هائلة"، بما في ذلك انخفاض قيمة الجنيه الاسترليني وانخفاض حاد في الإيرادات بسبب انخفاض أسعار التذاكر الذي نتج عن ارتفاع المنافسة. في العام المنتهي في تشرين الأول (أكتوبر) 2016، أفادت مونارك بتعرضها لخسارة قانونية بلغت 291 مليون جنيه، مقارنة بأرباح عام 2015 التي بلغت 27 مليون جنيه. وأخبرت الشركة موظفيها الأسبوع الماضي أنها نقلت هذا العام عددا من المسافرين يزيد بنسبة 14 في المائة عن العام الماضي، مقابل إيرادات أقل بمقدار 100 مليون جنيه.
تظهر بيانات واردة من OAG، وهي شركة استشارات خاصة بالطيران، كيف اضطرت مونارك إلى نقل نحو 213 ألف راكبا من مصر إلى أسواق أخرى أكثر تنافسية، مثل إسبانيا والبرتغال، ما جعلها في مواجهة مباشرة مع شركات الطيران الكبيرة منخفضة التكاليف.
يقول جون جرانت، وهو مستشار لدى OAG: "إن مصر وإلى درجة أقل تركيا كانتا تقدمان لمونارك درجة معينة من الحماية" لأن أوقات الرحلات كانت طويلة فوق الحد بالنسبة لشركات الطيران الاقتصادي الأكثر نشاطا.
في تقريرها السنوي الذي نشر في حزيران (يوليو)، قالت مونارك إنها تعمل مرة أخرى على مراجعة استراتيجيتها، مع وضع خطة للانتقال بعيدا عن سوق الرحلات القصيرة والعودة إلى أنموذج أعمالها القديم بتقديم رحلات ذات مسافات طويلة. وبحثت الشركة في موضوع بيع أعمالها قسمها الخاصة بالرحلات ذات المسافات القصيرة لكنها لم تتلق أي "عرض عملي".
ويوم السبت الماضي منحت سلطة الطيران المدني الشركة 24 ساعة فقط لجمع أموال جديدة - وكانت "جري بول" غير قادرة على تأمين صفقة في الوقت المناسب. يقول أحد مصادر صناعة الطيران المطلع على تلك المناقشات إنه بات من الواضح أن مونارك عليها "مطلوبات أكثر مما لديها من الأصول". ومن المحتمل أن تتعرض "جري بول" إلى خسارة ما يقارب 250 مليون جنيه في كل من حقوق الملكية والديون نتيجة انهيار شركة الطيران. ويقول أحد الأشخاص المطلعين على العملية: "إنها قريبة من عملية شطب إجمالية". وبحسب جيرالد كو، المحلل لدى ليبيروم: "الأمر المتعلق بصناعة الطيران هو أن الشركات التي تعتبر على نطاق واسع أن مصيرها محتوم من الناحية المالية، عاشت لسنوات وسنوات في حال كان هناك شخص قادر أو مستعد لضخ رأس المال. وقد اندرجت كل من أليتاليا وإير برلين تحت هذه الفئة أيضا". ويرى بعض المعلقين أن انهيار مونارك يسلط الضوء على حقيقة أنه لا مكان لشركة طيران ذات "سوق في المنتصف" لا تكون محمية بميزات خاصة جغرافية أو تشغيلية. يقول جرانت: "مونارك وإير برلين وأليتاليا وغيرها من شركات الطيران تقع ضمن تلك الفئة، ومع مرور الوقت، يحدث الأمر المحتم".
بالنسبة للشركة المسؤولة عن الإدارة، KPMG، ستكون أماكن الطيران في مطار جاتويك، المربحة المخصصة لمونارك، حيوية ومهمة من أجل استعادة أية أموال. في الوقت نفسه، من المحتمل أن يرحب منافسو مونارك بأي تخفيض في القدرات التشغيلية من السوق الأوروبية ذات المسافات القصيرة.
ووفقا لمحللين في "إتش إس بي سي"، قبل أسبوع كان من المتوقع لهذا القطاع أن ينمو بنسبة 7.3 في المائة هذا الشتاء. ويعمل استبعاد القدرة التشغيلية لكل من "مونارك" و"إير برلين" و"أليتاليا"، إضافة إلى الإلغاءات الأخيرة لدى "ريان إير"، على "تخفيض النمو في السوق إلى 3.2 في المائة"، بحسب ما كتب أندرو لوبينبيرج، من "إتش إس بي سي".
بالنسبة لشركات الطيران الأخرى ذات الرحلات القصيرة، سيعني هذا تنافسية أقل على المدى القصير، ما يؤدي إلى تعزيز العائدات.
وبالنسبة لمونارك فقد فات الأوان. يقول كو: "كانت مونارك أساسا في المكان الخطأ في الوقت الخطأ. كانت دون المستوى المناسب وفشلت في التكيف مع التغيرات الحاصلة في سوق صعبة".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES