FINANCIAL TIMES

عاصمة السيارات الألمانية تفشل في مواكبة اتجاهات الصناعة

عاصمة السيارات الألمانية تفشل في مواكبة اتجاهات الصناعة

منذ اليوم الذي نقل فيه جوتليب ديملر شركته الوليدة للسيارات إلى شتوتجارت في عام 1882، هذه المدينة الواقعة في مقاطعة شفابن، ابتكرت وبنت سيارات أكثر مما يهتم أي شخص بعدّها.
لذلك كان من المفاجأ بالنسبة لفريتز كوهن، عمدة المدينة، عندما قوبل عطاء أخير لتجديد جزء من أسطول السيارات الرسمي بصمت محلي: "أردنا شراء أكثر من 40 سيارة كهربائية، لكننا لم نجد شركة ألمانية واحدة أرادت تقديم عطاء على العقد. في النهاية، اشترينا سيارات فرنسية".
لطالما جذبت شتوتجارت الاعتزاز والازدهار بسبب الشركات المحلية مثل ديملر، بورش وبوش. اليوم، ذلك الفخر بات مخلوطاً بالقلق.
مثل بقية صناعة السيارات الألمانية، فإن شركات صناعة السيارات في شتوتجارت شهدت سمعتها تضررا من الفضيحة حول انبعاثات الديزل والمزاعم أنها تواطأت للحد من المنافسة.
خلف العناوين الرئيسة يوجد خوف أعمق؛ أن شتوتجارت وصناعة السيارات فيها هي متخلفة عن غيرها من الشركات، فيما يتعلق بالتحوّل الزلزالي الذي يتسبب بالهزّات في جميع أنحاء القطاع، والنقاشات الغاضبة في الفترة التي تسبق الانتخابات العامة في ألمانيا.
يتهم النقاد شركات صناعة السيارات في ألمانيا بأنها متخلّفة كثيراً عن منافسيها في المجالات سريعة النمو مثل السيارات الكهربائية والسيارات التي تعمل بخلايا الوقود. هناك تهديد آخر يتمثل في الصعود المتوقع للسيارات ذاتية القيادة ومنصات مشاركة السيارات، الأمر الذي يُمكن أن يؤدي إلى انخفاض كبير في الطلب على سيارات الليموزين والسيارات الرياضية التي تنتجها المدينة.
يعترف المحليون أن المحادثات حول مستقبل شتوتجارت مرتبطة بكلمات مثل "ديترويت" و"نوكيا" - وهي تذكرة بأن الابتكار من المنافسين يُمكن أن يدفع حتى الصناعات والشركات الأكثر نجاحاً إلى حافة الانقراض.
يقول كوهن، وهو زعيم مُخضرم لحزب الخضر في ألمانيا: "الدوامة الهابطة تبدأ عندما تكون لدينا صناعة قوية مهيمنة تُفكّر كالتالي: ما يجعلني قوياً اليوم سيجعلني أيضاً قوياً غداً".
"هذا ما حدث في ديترويت وهذا ما حدث بصناعة الصُلب في منطقة الرور الألمانية. اللحظة التي تكون فيها في عنفوان قوتك هي الوقت الذي تكون فيه أكثر عُرضة للخطر".
مع ذلك، فإن المزاج المحلي تغيّر، كما يقول أرنولد ليديرر، المهندس المعماري والناشط القائم في شتوتجارت: "هناك شعور بعدم اليقين. يُدرك كثير من الناس أن صناعة السيارات ليست ضمانة أنه سيكون لدينا سبل العيش للأعوام الـ 100 المُقبلة".
في الوقت الراهن، صناعة السيارات في شتوتجارت هي في عنفوان قوتها. كل من شركتي ديملر وبورش أعلنتا عن مبيعات قياسية للنصف الأول من هذا العام، وتستمران بتوليد مليارات اليورو في أرباح سنوية.
وفقاً لكوهن، إنه بالضبط النجاح الحالي هو الذي ينبغي أن يجعل الصناعة قلقة بشأن المستقبل. "هذه هي مشكلة كثير من شركات السيارات في أوروبا، بما في ذلك تلك الموجودة هنا في شتوتجارت.
مع ذلك، لا ينبغي عليها ارتكاب خطأ بالقول: نحن نكسب مالا جيدا من التكنولوجيا الحالية. لماذا ينبغي أن نقفز إلى طليعة تكنولوجيا جديدة؟".
انتخاب سياسي من الحزب الأخضر لقيادة عاصمة السيارات في البلاد كان بمنزلة دعوة للاستيقاظ لصناعة السيارات - علامة حتى في شتوتجارت على أن أولوية السيارة تواجه تحديات.
يحاول كوهن جاهداً تأكيد دعمه للصناعة، لكنه أيضاً تعهد بخفض حركة مرور السيارات في مركز المدينة بنسبة 20 في المائة، ويعمل بجد لتوسيع النقل العام والضغط على سائقي السيارات.
مثل هذه الخطوات تعكس حقيقة أن شتوتجارت لديها بعض من أسوأ حالات تلوث الهواء في ألمانيا. تم تجاوز الحد الرسمي لثاني أكسيد النيتروجين بشكل منتظم إلى درجة أن محكمة رسمية أصدرت حُكماً في تموز (يوليو) الماضي، يُمهد الطريق لحظر قيادة رسمي لسيارات الديزل لأنها تُسبب التلوث الشديد.
يقول فيلاند باكس، مُضيف برنامج حواري سابق يقود الآن مجموعة ناشطة في محاولة لجعل شتوتجارت أكثر قابلية للعيش: "صناعة السيارات هي السبب الرئيس لثروة هذه المدينة.
كثير من الناس الآن يربطون الصناعة بفضيحة الديزل، مع تلوث الهواء والاختناقات المرورية". أحد أهداف المجموعة الرئيسة هو طريق سريع بثمانية مسارات يمتد بين مركز شتوتجارت ومتاحفها الرئيسة. يُجادل باكس أن المدينة، التي أُعيد بناؤها بعد الحرب العالمية الثانية لتُلائم سائقي السيارات أكثر من الآخرين، بحاجة إلى تغيير جذري.
التنفيذيون في مجال السيارات يتابعون التحوّل الأخير في الرأي العام بشكل متزايد من عدم التصديق والغضب. يُعلن مدير في شتوتجارت: "يتم تصورينا كأولاد سيئيين نقوم بشكل خبيث ببناء سيارات قذرة.. الضغط العام مثل الهستيريا. المنطقة بأكملها.. تعيش من صناعة السيارات. الثورة هنا تقوم على بناء السيارات. لذلك من المستغرب أن نرى كيف أن البعض يحاول مهاجمة وتدمير هذا الأساس".
هذا الاتهام تردد صداه المعارضة المحافظة. ستيفان كاوفمان، عضو الحزب الديمقراطي المسيحي في البرلمان الألماني الذي يُمثّل شتوتجارت، يتّهم قاعة مدينة الحزب الأخضر "بتحويل السياسة لتكون ضد السيارات".
كوهن يرفض هذا الاتهام، قائلاً إنه يستمتع بمشاهدة سيارة بورش أنيقة بقدر أي شخص متحمس للسيارات. ويقول إن مدينته سوف "تستمر ببناء سيارات ممتازة". لكن بعض الأمور يجب أن تتغير.
"هناك مثل معروف هنا: عندما تسعل ديملر، تُصاب المنطقة بالكامل بالتهاب رئوي.. وهذا يعني أننا لا نستطيع الحفاظ على الازدهار الذي نتمتع به اليوم إذا لم تُسرّع صناعة السيارات في عملية التحوّل".

إنشرها

أضف تعليق

المزيد من FINANCIAL TIMES