Author

الدور الاقتصادي والاجتماعي لـ«حساب المواطن»

|
عضو جمعية الاقتصاد السعودية

انطلق مشروع حساب المواطن المستهدف البدء به قريبا، من ضرورة استمرار دعم وحماية المواطنين ذوي الدخل المتوسط فما دون من آثار أي ارتفاع في تكلفة المعيشة، قد تنتج عن تطبيق برامج الإصلاح الاقتصادي الراهنة ومستقبلا، ومنها إصلاح أسعار استهلاك الطاقة، وبدء تطبيق ضريبة القيمة المضافة بحلول مطلع العام المقبل.
تم تصميم حساب المواطن ليقوم بأداء ذلك الدور التنموي المهم ليشمل: (1) الآثار المباشرة المحتملة على دخل المواطن نتيجة ارتفاع تكلفة فواتير استهلاكه المباشر، نتيجة ارتفاع أسعار استهلاك الكهرباء والوقود، إضافة إلى ارتفاع أسعار المنتجات والخدمات التي سيطبق عليها ضريبة القيمة المضافة. (2) الآثار غير المباشرة لتلك الإصلاحات، وانعكاساتها المحتملة على مستويات الأسعار، كنتيجة لارتفاع التكلفة على المنتجين والموردين وعموم البائعين للسلع والخدمات، تتأرجح تلك الآثار غير المباشرة بين 25 في المائة إلى 50 في المائة من الآثار المباشرة لارتفاع تكلفة المعيشة المباشرة على المواطن المستهلك.
بناء على ما تقدم؛ فإن حساب المواطن يستهدف العمل على حماية المستفيدين المستحقين له، اقتصاديا واجتماعيا من مختلف الآثار المحتملة لإصلاح أسعار استهلاك الطاقة وضريبة القيمة المضافة. كما يجدر الإشارة هنا إلى أن آلية الحساب تقوم على منهجية ديناميكية متغيرة، تقوم فرق العمل التابعة للبرنامج بمتابعة ومراقبة ودراسة آثار التغيرات والتطورات التالية لتطبيق أي من إجراءات إصلاح الأسعار وتطبيق الضريبة، وبناء عليها ستقوم بمعالجة أي أوجه قصور قد تطرأ على الدعم النقدي المدفوع مباشرة إلى المستفيدين، وتكييفه وفقا للمستجدات المحتملة، بصورة تضمن بمشيئة الله تعالى امتصاص أي آثار غير محسوبة سابقا، والعمل على معالجتها بصورة عاجلة قبل أن تتفاقم على كاهل رب الأسرة المستفيد.
أصبح معلوما لدى الجميع، الأسباب والحيثيات التي أدت إلى ضرورة تصحيح أسعار استهلاك الطاقة محليا، لعل من أهمها للتذكير؛ أن عوائد انخفاض الأسعار بالنسبة للمجتمع، قد ذهب أغلبها (أعلى من 85 في المائة) إلى فئات وشرائح غير مستحقة له في الأصل (الأثرياء، غير المواطنين)، في المقابل ظلت تلك العوائد المستحقة للشرائح الاجتماعية الأكثر استحقاقا له، تتناقص عاما بعد عام حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها الراهنة. مقابل كل ذلك، زادت تكلفة استدامة هذا الوضع المليء بكثير من التشوهات على كاهل الميزانية العامة، وأصبح من الضرورة العمل على تصحيح هذا الاختلال الهيكلي، وتبني منهجية أكثر ملاءمة للأوضاع الاقتصادية الراهنة ومستقبلا، تأخذ في عين الاعتبار أهمية استمرار الحماية الاقتصادية والاجتماعية للشرائح المجتمعية من المواطنين، تحديدا ذوي الدخل المتوسط فما دون، والنأي بها عن أي آثار محتملة لتلك الإصلاحات اللازمة.
بالطبع يواجه برنامج حساب المواطن تحديات تنموية كبيرة، وقد عمل طوال الفترة الماضية على إيجاد الحلول اللازمة لها، وأرجو أن يكون قد نجح فيها. سبق الحديث عن تلك التحديات والعوائق المحتملة من قبل أغلب المختصين والمهتمين، كموضوع احتساب راتب الزوجة من عدمه في دخل المواطن المستفيد، وتأثير وجود قروض مصرفية وعقارية على كاهل المستفيد، وكيف سيتم تحديد مستوى الاستهلاك المرشد بالنسبة للمستفيد وأسرته، وغيرها من التحديات التي لا شك أن فرق العمل المرتبطة ببرنامج حساب المواطن قد عكفت على دراستها والنظر فيها، ويؤمل فعلا أن تكون قد نجحت في إيجاد الحلول المناسبة لها، وهو الأمر البالغ الأهمية لإنجاح بقية مشروعات التحول والإصلاح الاقتصادي الراهنة.
كلما تشددت الضوابط التي يتحدد بناء عليها مستوى الدخل الشهري، تقلصت الفائدة المأمولة من حساب المواطن! كأن يتم احتساب دخل الزوجة ضمن دخل رب الأسرة، أو أي دخل آخر متحقق لأي فرد من أفراد الأسرة في ذمة رب الأسرة صاحب الحساب الذي سيتلقى الدعم النقدي الشهري. سيؤدي مثل هذا القيد إلى رفع مستوى دخل الفرد المستهدف بالدعم النقدي إلى مستويات أعلى، قد تذهب به إلى شرائح الدعم الجزئي أو حتى إلى الشريحة التي لا تستحق الدعم! في حين أن الدخل المحتسب هنا سواء الزوجة أو أي فرد من أفراد الأسرة، قد لا يتصرف فيه رب الأسرة كاملا أو جزءا منه.
أيضا سيشكل استبعاد تأثير القروض والديون المصرفية والعقارية وشركات التقسيط على مستوى الدخل الشهري للأفراد أو أرباب الأسر، التي تستقطع بين 33 في المائة و65 في المائة من الدخل الشهري للمقترض، أؤكد أنه سيشكل سببا في زعزعة الاستقرار المالي لتلك الأسر وأربابها. لهذا سيكون ملائما أكثر إذا تم احتساب الدخل الصافي لرب الأسرة بعد خصم الأقساط الشهرية لتلك القروض المصرفية والعقارية، وهو ما سيحقق فائدة أكبر للأسرة ولأهداف البرنامج قبل ذلك.
أخيرا بالنسبة لتحديد "المستوى المرشد للاستهلاك" لمختلف مصادر الطاقة والمياه، وهو المعيار الذي كلما تدنى أو تم خفضه بصورة متشددة، دون النظر إلى كثير من الاعتبارات المرتبطة بالظروف المناخية والجغرافية محليا، أو بتأخر تطبيق عديد من المواصفات والمقاييس المتعلقة بالمباني "العزل" أو "الأجهزة الكهربائية كالمكيفات والإنارة وغيرها" أو "السيارات ووسائل النقل"، التي لا تزال في بداية طريق تطبيقها عبر المركز السعودي لكفاءة الطاقة، إضافة إلى اعتبارات أخرى تتعلق بنقص بدائل النقل العام، التي هي ينتظر تدشينها في منظور عامين إلى ثلاثة أعوام في عدد قليل جدا من المدن.
إن أخذت إدارة حساب المواطن في اعتبارها مختلف التحديات تلك وغيرها، يمكن القول إنها قد قطعت شوطا مهما جدا على طريق تحقيق الأهداف المعلنة للحساب، والعمل على نجاحه بتوفيق الله تعالى، الذي بدوره سيسهم في نجاح تحقق بقية أهداف برامج ومشاريع الرؤية المستقبلية لبلادنا، ويكفل لها اكتمال أركان ومتطلبات منظومة العمل الواسعة، والجهود المبذولة في الوقت الراهن ومستقبلا، الهادفة إلى إنجاز المشروع الوطني لـ "رؤية 2030".
ليس هذا فحسب؛ بل سيؤدي ضمان أداء حساب المواطن، ونجاحه التام في توفير الحماية الاقتصادية والمالية والاجتماعية والتنموية للمستفيدين من المواطنين، إلى تحفيز أهم شركاء مشروع "رؤية المملكة 2030" ممثلا في أفراد المجتمع السعودي، نظير حصولهم على مزايا تنموية محفزة جدا من برامج التحول التي يتم العمل على تنفيذها، وبما يؤكد لهم على أرض الواقع أن تحسين وتطوير خيارات حياتهم اليوم ومستقبلا، وضمان توسيع تلك الخيارات في المستقبل أمام الأجيال القادمة، بما يتوافق مع التطلعات المشروعة والطموحة للمجتمع السعودي، وأنها ضمن أول وأهم أولويات مشروع "الرؤية المستقبلية لبلادنا واقتصادها الوطني 2030". والله ولي التوفيق.

إنشرها