Author

غرامات مصرفية توازي دخلا قويا

|
كاتب اقتصادي [email protected]
"الجشع صار وباء في أوساط القادة المصرفيين في وول ستريت" سايمون مينوورنيج - مؤلف ومختص اجتماعي أمريكي باتت الغرامات التي تفرضها الحكومات في الولايات المتحدة وأوروبا على المصارف، خبرا روتينيا، رغم أن المخالفات التي ارتكبتها هذه المصارف تعود لعدة سنوات، يصل بعضها إلى أكثر من عقد من الزمن. وكما أن هذا الخبر روتيني، كذلك إدارات المصارف تجنب بصورة روتينية كميات كبيرة من الأموال لمواجهة الغرامات. أي أن جزءا من الإنفاق السنوي المصرفي، صار يذهب في هذا الاتجاه، خصوصا في ظل تحرك حكومي قوي ضدها (لاسيما في الولايات المتحدة)، من أجل عرضها على القضاء أو القبول بغرامات مالية هائلة يتم الاتفاق عليها خارج المحاكم. وأغلب هذه المصارف باتت تفضل عقد صفقات بعيدا عن ساحات القضاء لأسباب كثيرة، في مقدمتها بالطبع أنها تعرف سلفا باستحالة نجاتها أمام الادعاءات الحكومية، وتعي حجم تورطها في مخالفات، بعضها مشين حقا. في آخر تقرير بحثي أصدرته مؤسسة كوينلان آند أسوشيتس المتخصصة في الخدمات المالية في هونج كونج، توصل الباحثون إلى أن الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة وأوروبا فرضت غرامات بقيمة 342 مليار دولار على المصارف منذ عام 2009. وهذا العام "كما هو معروف" أعقب مباشرة الأزمة الاقتصادية العالمية. وتتوقع المؤسسة نفسها أن تصل هذه الغرامات إلى 400 مليار دولار بحلول عام 2020. إنها تشكل رقما يوازي موازنات مجموعة كبيرة من الدول المخالفات المستهدفة باتت أيضا معروفة، وتتأرجح بين تضليل عملاء المصارف بالمشتقات المصرفية، وعمليات مشينة ومرعبة لغسل الأموال، تعود لمجرمين وعصابات، بل منظمات إرهابية، ناهيك عن القروض العبثية التي قدمتها من أجل أن تظهر على الساحة أنها تتحرك وتعمل بشكل كبير، فضلا عن عمليات مالية تجري بالباطن هربا من القوانين والضرائب وغير ذلك. ومخالفات المصارف أصابت المجتمعات التي تعمل فيها، كما أصابت نفسها مباشرة. لأن العمليات السرية أو غير المشروعة أو الفاشلة، أنتجت خسائر فادحة لها. وتتفق المؤسسات الرقابية المختلفة على أن سوء سلوك 50 مصرفا أدى منذ الأزمة الاقتصادية إلى خسائر بلغت 850 مليار دولار، صحيح أن حاملي أسهم هذه المصارف تخلصوا من إداراتها بسرعات مختلفة، إلا أن الخسائر بقيت ضمن اللوائح السنوية لها. أي أنها لا تستطيع التخلص منها، وتم حسابها ضمن خسائر التشغيل أو حذفها من الأرباح المتوقعة. ولا شك أن الإجراءات الحكومية المشددة التي اتخذت في أعقاب الأزمة العالمية، أسهمت كثيرا في التقليل من المخالفات، إلا أن مسؤولين غربيين يقولون إن هناك مصارف لا تزال ترتكبها بأشكال مختلفة. وتخضع المصارف في الدول الغربية بالفعل إلى تمحيص دقيق في سلوكياتها وحراكها وعملياتها، إلا أن المصارف الأخرى في بعض البلدان النامية لا تزال أكثر حرية من "زميلاتها" الغربية. وتتصدر المصارف الصينية قائمة المصارف التي تخلفت عن نظرائها الدوليين، في أكثر من مجال، لاسيما تعزيز الاستثمار في الامتثال لمكافحة غسل الأموال. المصارف الصينية تمثل بالفعل الخطر الأكبر على الساحة الدولية الآن، بما في ذلك إمكانية تسببها في أزمة ائتمان ستنال من الجميع، الممتثل وغير الممتثل، المتعاون والمراوغ، الذي تعلم الدروس والذي لم يفهم شيئا منها. وهذا يبرر المناشدات الآتية من جهة الغرب للصين، بضرورة ضبط قطاعها المصرفي بالصورة المطلوبة عالميا، وإطلاق حملة رقابية جديدة تأخذ في الاعتبارات كل شيء. من غسل الأموال إلى التلاعب بأسعار الفائدة، إلى بعض المشتقات المصرفية الخطرة. وفق الأرقام المتداولة، تنفق المصارف العالمية الكبرى حاليا ما يراوح بين 900 و1.3 مليار دولار سنويا لمكافحة الجريمة المالية. غير أنها بالمعيار الحقيقي لا تساوي شيئا. ولا يمكن أن تتحقق الأهداف في الوصول إلى قطاع مصرفي عالمي نظيف، إلا بسلسلة من الإجراءات الجديدة، أولها فرض الحوكمة فرضا. وهذه الأخيرة موجودة بالفعل في مصارف الدول الغربية، لكن مختصين يقولون إن هناك سراديب يمكن النفاذ منها والالتفاف حول الرقابة والحوكمة. ولا يمكن أن ينسى العالم في أعقاب انفجار الأزمة العالمية، كيف أن مصارف كبرى جدا اعترفت بأنها أنقذت نفسها جزئيا من "الأرباح" الناجمة عن غسل الأموال، ولنا أن نتصور الأموال القذرة من أين أتت؟ والأضرار المجتمعية التي تسببت فيها. المعركة بين الحكومات والمصارف لا تزال قائمة. ويبدو أنها ستستمر لسنوات طويلة، مع الاعتراف بأن الجهات التنظيمية والرقابية حققت إنجازات لا بأس بها في الأعوام الماضية على هذه الساحة المالية المروعة. لكن هناك كثير آت على هذه الساحة في الأعوام المقبلة. فالعالم لا يمكنه في هذا الوقت بالذات تحمل أي أزمة ائتمان مهما كان حجمها. في الواقع لا يزال هذا العالم يعاني الأزمة الكبرى، ولا تزال دول متقدمة تحاول أن تقلل الآثار بهدف الوصول إلى التخلص منها نهائيا. الساحة المصرفية في أي مكان، قابلة دائما للتوجه الخاطئ الذي ينال من المجتمع قبل أن ينال منها.
إنشرها